منذ تعيين النسخة الثانية من حكومة عبد الإلاه بنكيران وتعيينها من طرف جلالة الملك وهي تثير نقاشا دستوريا حول دستوريتها،انطلاقا من مجموعة من الملابسات التي جعلتنا في مقال سابق انطلاقا من تحليل قمنا به، وانطلقنا فيه من فرضيات ،أوصلتنا إلى نتيجة وهو كون هذه الحكومة مطالبة ،أن تقدم برنامجها أمام البرلمان لأنها حكومة جديدة ،وفي الوقت كنا ننتظر ،أن تكون بعض الآراء المدافعة عن دستورية الحكومة ،أن تقدم أجوبة مقنعة ودستورية،اختارت طريقا آخر،وهو طريق السباب والشتم واتهام المعارضة بأبخس النعوت ،وبالبهلوانية،وأنها تريد أن تختلق المشاكل،مع العلم أن المعارضة في دستور 2011 تم الإرتقاءبها وتمكينها من رئاسة إحدى أهم اللجان البرلمانية،وهذا يجعلها أن تمارس حق بشتى الوسائل بما في ذلك الاعتراض على بعض الممارسات الغير القانونية التي تصدر من طرف الحكومة بما في ذلك الانسحاب من الجلسات البرلمانية ،والذي يعتبره البعض هو عمل بهلواني، ونحن نعتبره أمرا عاديا،اللهم إلا إذا كانت هذه البهلوانية راسخة في عقول وممارسة من يستعملونها في تفنيد آرائهم ،لأنهم يفتقدون إلى حجج قانونية دامغة ، يدافعون فيها عن آرائهم،كما أنهم يريدون أن يكمموا و يلجموا الأصوات التي تعارضهم وهذا مخالف لأبسط مظاهر الديموقراطية. فهناك مجموعة من الإشكالات التي لازالت عالقة ،خصوصا وأن الحكومة في نسختها الثانية قامت بإيداع مشروع القانون المالي لسنة 2014 ،والوثائق المرفقة له ،لدى مجلس النواب ومجلس المستشارين ،وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 75 من الدستور والآجال المنصوص عليها في المادة 33 من القانون التنظيمي لقانون المالية. وانطلاقا من هذه التوطئة سنحاول مناقشة هذه الإشكالية من زاويتين،الزاوية الأولى سنتطرق فيها لمشروع القانون المالي وإشكالية دستورية الحكومة،والنقطة الثانية سنتناول فيها مشروع القانون المالي ،والإشكاليات الأخرى العالقة أولا: مشروع القانون المالي وإشكالية غياب البرنامج الحكومي ارتباطا بإيداع الحكومة في نسختها الثانية لمشروع القانون المالي وفق ما ينص عليه الدستور في فصله 75 الذي ينص في فقرته الأولى:" يصدر قانون المالية ،الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب ،بالتصويت من قبل البرلمان ،وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي،................." وبرجوعنا للقانون التنظيمي لقانون المالية خصوصا في مادته الثالثة والثلاثون،نجده ينص على ما يلي"يودع مشروع قانون المالية للسنة بمكتب أحد مجلسي البرلمان قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير. يشفع المشروع بتقرير تعرض فيه الخطوط العريضة للتوازن المالي والاقتصادي والمالي والنتائج المحصل عليها والآفاق المستقبلية والتغييرات التي أدخلت على المداخيل والنفقات.وتلحق بالتقرير المذكور وثائق تتعلق بنفقات الميزانية العامة وبعمليات الحسابات الخصوصية للخزينة وبمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وبالمؤسسات العمومية. يحال المشروع في الحين إلى لجنة تابعة للمجلس المعروض عليه الأمر قصد دراسته." إذن فالحكومة حاولت أن لا تخرق الدستور فيما يخص الآجال المحدد لها لوضع مشروع القانون المالي ،وهو 70 يوما،ويلاحظ أن الحكومة وضعت المشروع في الوقت الميت،مع العلم أنها قامت في نظرنا بخرق مقتضيات الدستور انطلاقا من عدم تقديمها لبرنامج جديد ،يأخذ بعين الاعتبار التشكيلة الجديدة للحكومة ،بحيث أن هذه التشكيلة لم تقتصر فقط على التحالف الذي كان موجودا والذي شكل النسخة الأولى لحكومة السيد عبد الإلاه بنكيران ،وإنما الأمر تجاوز ذلك بحيث شمل حزبا جديدا كان من المكونات الأساسية للمعارضة ،واحتل المرتبة الثالثة على مستوى المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة . وإذا كان قد سبق لنا أن ناقشنا هذه النقطة في مقال سابق،وأدلينا بوجهة نظرنا بخصوص هذه المسألة ،فلا بأس ان نذكر ببعض النقط التي سبق لنا أن تطرقنا لها ،خصوصا وأن حزب التجمع الوطني لأحرار ،كان من بين شروطه للالتحاق بالحكومة ،هو منا قشة برنامج جديد والتوافق عليه،لأن حزب الأحرار على لسان قيادته صرح أكثر من مرة أنه لم يأتي لكي يملأ المقاعد الحكومية الفارغة.وإذا مارجعنا إلى الفصل 47 من الدستور ،فإننا نجد أنه إذا كان ينص صراحة على كيفية تعيين رئيس الحكومة ،وكذا أعضاء الحكومة ،ثم الطريقة التي يتم فيها إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بناء على استقالتهم الفردية الجماعية،فإنه لم يحدد لنا الطريقة التي يتم بها تعويض بها الوزراء الذين تم إعفاؤهم ،وهنا يبقى الأمر قابلا للتأويل والتفسير ،فحينما لا يكون النص واضحا ،يستشهد بالقرائن،وكما أشرنا إلى ذلك سابقا من وجهة نظرنا أنه يمكن أن يكون تعديلا جزئيا ويمكن يكون تعديلا كليا ،وإن لم يتغير كل الوزراء،وشرحنا هذا الأمر وقلنا يكون تعديلا جزئيا حينما يكون الوزراء الذين تم إعفاؤهم والمطلوب تعويضهم من الوزراء الذين يشكلون التحالف،حيث يتم اقتراح وزراء آخرين من الأحزاب المشكلة للتحالف من طرف رئيس الحكومة ويستقبلهم الملك ويعينهم،كما كان معمولا به في الحكومات السابقة في ظل الدساتير السابقة،أما والأمر يتعلق بدخول حزب جديد لم يكن ضمن الأحزاب المشكلة للنسخة الأولى للحكومة ،بل كان من أشد المعارضين لهذه الحكومة وصوت ضد برنامجها ،وفي ظل دستور جديد نص بصريح العبارة على أن تنصيب الحكومة مزدوجا ،من طرف الملك ومن طرف البرلمان،كما أننا نجد الوافد الجديد الملتحق بالتحالف الحكومي أصبح يشكل القوة الثانية بها ،إن لم نقل القوة الأولى بناء على أهمية الحقائب التي حصل عليها ،وبالتالي تعبر الآراء المدافعة على دستورية الحكومة ،أن الأمر لا يعدو أن يكون تعديلا جزئيا ،والأمر هنا لا يحتاج إلى تنصيب برلماني فهذا الرأي مردود عليه بما ذكرناه سلفا ،وبما سنوضحه بخصوص البرنامج الحكومي وعلاقته بمشروع القانون المالي. وحينما نرجع لمشروع قانون المالية التي قامت الحكومة بإيداعه لدى مجلس النواب ومجلس المستشارين ،خصوصا مذكرة التقديم المتعلقة بهذا المشروع ،و الباب الأول من هذه المذكرة والمتعلق بالإطار المرجعي والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية،نجد من بين الإطارات المرجعية بعد التوجيهات الملكية السامية تم الاعتماد على البرنامج الحكومي ونجده يستهل هذه الفقرة ب " بالإضافة إلى التوجيهات الملكية السامية المذكورة سالفا ،فقد تم إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2014 ،على أساس التزامات البرنامج الحكومي ضمن الذي يتضمن سلسلة من المقتضيات والإجراءات تهدف بالأساس إلى الاستجابة للإنتظارات اليومية للمواطن. ....كما تمت الإشارة في نفس المذكرة ،أي مذكرة التقديم المتعلقة بمشروع قانون المالية ،وفي الإطار المرجعي دائما،على أن البرنامج الحكومي وضع ضمن أولوياته ،تفعيل الإصلاحات الهيكلية الضرورية لإعطاء دفعة قوية للنمو الاقتصادي وإعادة التوازن الاجتماعي والمجالي خاصة من خلال الجهوية الموسعة وإصلاح الإدارة العمومية والعدل. كذلك في الإشارة دائما إلى الاستناد إلى البرنامج الحكومي ،خصوصا فيما يتعلق بتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني،ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا،وتقوية البنيات الأساسية وكذا تأهيل الموارد البشرية.بالإضافة إلى كل هذا هناك توجيهات أخرى تم الاستناد فيها إلى البرنامج الحكومي،وبالتالي يتضح أن البرنامج الحكومي هو المؤطر الأساسي لمشروع قانون المالية الذي تقدمت به الحكومة وقامت بإيداعه لدى مجلسي البرلمان. وهنا يحق لنا أن نطرح تساؤلا ،هل البرنامج الحكومي الذي تم الاعتماد عليه بشكل كبير في وضع مشروع قانون المالية لسنة 2014 ، هو البرنامج الحكومي للنسخة الأولى لحكومة السيد عبد الإلاه بنكيران والذي صادقت علية الأغلبية التي كانت تشكل الحكومة في نسختها الأولى؟فإذا كان الجواب بالإيجاب ،فإننا نعتبر أن هذا البرنامج لم تعد له قيمة قانونية ،لأن أحد الأطراف الأساسية التي ساهمت في إعداده وصياغته انسحبت من الحكومة،كما أن أحد الأحزاب الذي عوض الحزب المنسحب كان في المعارضة وصوت ضد هذا البرنامج لأنه اعتبره برنامجا لا يعكس تصوراته وطموحاته ،وبالتالي فإننا نعتبر أن البرنامج الحكومي الأول فقد أهليته القانونية ،وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه،وبالتالي إذا كانت الحكومة اعتمدت على هذا البرنامج في وضع مشروع قانون المالية ، فإننا نعتقد أن هذا المشروع باطلا وذلك اعتمادا على القاعدة الفقهية التي تقول ما بني على باطل فهو باطل ،وحيث أن البرنامج الحكومي أصبح باطلا بانسحاب أحد المكونات الحكومية التي ساهمت في صياغته وبلورته،وتعويض هذا المكون بمكون آخر سبق أن صوت ضد هذا البرنامج ،وهذا المكون الآن هو الذي يتحمل مسؤولية وزارة المالية والاقتصاد ،فكيف يمكن للحكومة أن تفسر لنا هذا الخلط واللبس، الله ما إلا إذا كانت تريد أن تخفي الشمس بالغربال.أما إذا كان الأمر غير ما أشرنا إليه وأن الحكومة تقصد بالبرنامج الحكومي في مذكرتها التقديمية التي أودعتها بمعية مشروع القانون المالي ،برنامجا حكوميا جديدا يتعلق بالنسخة الثانية لحكومة السيد عبد الإلاه بنكيران ،فكان عليها أن تقدمه أمام البرلمان بعدما تم تعيينها من طرف جلالة الملك ،ويكون البرنامج المشار إليه أعلاه ،موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين ،يعقبها تصويت في مجلس النواب. وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ،المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس،لصالح برنامج الحكومة، والحال أن الحكومة لم تقدم أي برنامج جديد أمام البرلمان. وبناء عليه فإننا نعتقد أن مشروع قانون المالية ،استند في إطاره المرجعي على البرنامج الحكومي،وحيث أن البرنامج الحكومي للنسخة الأولى لحكومة السيد عبد الإلاه بنكيران أصبح باطلا بدخول حزب جديد معارض للتآلف الحكومي ،وخروج حزب من التآلف الحكومي إلى المعارضة،وإن كان الإشكال الدستوري المتعلق بدستورية الحكومة لعدم تقديمها برنامجا حكوميا جديدا يبقى معلقا، كما أن لهذا الإشكال اثر على مشروع القانون المالي الذي ارتكز بشكل كبير على البرنامج الحكومي . ثانيا:مشروع قانون الملية للحكومة الجديدة والإشكالات الأخرى المعلقة بالإضافة إلى الإشكال الأول المرتبط ببطلان البرنامج الحكومي للنسخة الأولى لحكومة السيد عبد الإلاه بنكيران ،لأسباب ذكرتها في النقطة الأولى،والتي كان لها آثار على مستوى مشروع قانون المالية ،وانطلاقا من التحليل الذي قمنا به وصلنا إلى أنه إذا لم يحل الإشكال الدستوري المرتبط بمدى ضرورة تقديم الحكومة لبرنامج جديد على أساس مجموعة من المعطيات ،وعلى أساس أن الأمر يتعلق بحكومة جديدة وليس بتعديل جزئي ،ولما تجاهلت الحكومة هذا الأمر كانت له تداعيات خصوصا على مستوى مشروع قانون المالية ،بحيث أن هذا المشروع اعتمد في أساسه على هذا البرنامج ، وحيث أننا وصلنا في تحليلنا إلى أن هذا البرنامج باطل للأسباب التي ذكرناها،فإن القاعدة الفقهية تقول ما بني على باطل فهو باطل كما سلف الذكر. كما أن الأمر لا يقتصر على الإشكالات التي ذكرناها والتي اعتبرنا أنها تبقى إشكالات عالقة ،ما لم يصدر المجلس الدستوري بشأنها قرارا،تبقى هناك إشكالات أخرى تتعلق بمجموعة من المحاور الأساسية التي تتعلق بانتظارات المواطنين.وبالوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية. بحيث أن التقرير الذي قدمه والي بنك المغرب برسم سنة 2012 يوم الأربعاء 17 يوليوز 2013 أما جلالة الملك والذي أدلى بمعطيات دقيقة وحقيقية،فبالنسبة لحاجيات تمويل الاقتصاد الوطني تفاقمت إلى 82,4 مليار درهم مقابل 64,6 درهم سنة 2011 ،وذلك جراء العجز المسجل على صعيد الإدارات العمومية والشركات غير المالية. وبالنسبة للقطاع المؤسساتي ،فإن تقديرات البنك المركزي تظهر أن عجز الإدارات العمومية تفاقم إلى 30,7 مليار درهم والشركات غير المالية إلى 67,9 مليار درهم ،وأنه بالموازاة مع ذلك ،انحصرت القدرة التمويلية للأسر في حدود 3,6 مليار درهم للشركات المالية في 11,5 مليار درهم. كما أن التقرير أشار إلى أن الموارد المالية التي تمت تعبئتها على مستوى السوق المالية الدولية،وكذا تدفق الاستثمارات الأجنبية لم يتيحا سد العجز المتعلق بتمويل الاقتصاد،مضيفا أن حجم الموجودات من الاحتياطي تقلص من جديد بواقع 29,2 مليار درهم ،بعد أن لم يكن ذلك يتعدى 20,3 مليار سنة 2011 . كما أن حاجيات ارتفاع الإدارات العمومية إلى 30,7 مليار درهم في سنة 2012 ،مقابل 20 مليار درهم سنة قبل ذلك.ويأتي هذا المعطى كنتيجة لتنامي النفقات بنسبة 8,6 في المائة. كم أشار التقرير إلى تراجع وضعية الإدارة المركزية من جديد خلال سنة 2012 ،حيث ناهز عجز الميزانية ،باستثناء عائدات الخوصصة 7,6 في المائة من الناتج الداخلي الخام ،مقابل 6,7 خلال سنة 2011 . كما أفاد التقرير بأن وتيرة نمو استثمار الشركات غير المالية تراجع من 9,4 في المائة سنة 2011 إلى 2,5 في المائة سنة 2012 وأن نمو مداخيلها انتقل هو الآخر من 5,9 في المائة إلى 0,3 في المائة ،وأن نتيجة لذلك تفاقمت حاجياتها التمويلية إلى 67,9 مليار درهم. كما أن معدل النمو تباطأ إلى 3 في المائة في 2012 ،مقابل 6,7 في المائة سنة قبل ذلك ،الأمر الذي انعكس على حجم الإنفاق الاستهلاكي ،الذي سجل انكماشا ليبلغ 4,6 في المائة مقابل 8,1 في سنة 2011 . أمام هذه المعطيات التي هي معطيات حقيقية لا يمكن أن نشكك فيها لأنها صادرة من مؤسسة رسمية ومتخصصة ألا وهي بنك المغرب،وفي غياب برنامج للحكومة الجديدة في نسختها الثانية يوضح لنا ما يمكن أن تقوم به هذه الحكومة خلال ما تبقى من مدة انتدابها للإجابة على هذه الإشكالات التي عرضتها ،والتي تضمنها تقرير بنك المغرب ،الذي تم عرضه أمام جلالة الملك يوم 17 يوليوز،وبالتالي فغياب برنامج حكومي لهذه الحكومة ،يعني غياب إجابات حقيقية على هذه الإشكالات فمشروع القانون المالي لا يمكنه أن يتضمن الإجابات على كل هذه الإشكاليات وتبقى جميعها معلقة تفتقد إلى إجابات حقيقية . أستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي