المأزق الدستوري لحكومة بنكيران حاول عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، تفادي الجدل الدستوري حول النسخة الثانية من حكومته، ولهذا عمل جهده خلال المفاوضات مع صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، أن يتم ترميم الحكومة بدل تعديلها ويتم تعويض وزراء حزب الاستقلال الذين قدموا استقالاتهم بناء على قرار المجلس الوطني بوزراء من التجمع. غير أن الرياح سارت على عكس ما تشتهيه سفينة بنكيران فخرجت بحكومة أثارت الجدل كثيرا. ففي الوقت الذي يعتبرها بنكيران نسخة ثانية من حكومته الأولى يعتبرها آخرون حكومة جديدة. وفي نظر بنكيران أن النسخة الثانية التي هي امتداد للأولى ستنفذ برنامجها وتكمل المشوار، بينما يرى الآخرون أنها حكومة جديدة بدليل بيان الديوان الملكي وبدليل هيكلتها التي تختلف عن هيكلة الحكومة الأولى. وبنا الطرف المعارض لكونها امتداد للحكومة الأولى براهينهم على شروط التجمع في المفاوضات والمتعلقة ببرنامج جديد للحكومة. فبنكيران يسعى إلى عدم المرور من مرحلة الحصول على الثقة التي تقتضي تقديم تصريح حكومي جديد تتم المصادقة عليه من طرف البرلمان بغرفتيه وهو ما سيستغرق وقتا طويلا يتفاداه بنكيران حتى يتم تقديم قانون المالية في موعده، لكن المعارضون له يعتبرون ذلك ضربا للدستور الجديد ولا يمكن تفاديه بتاتا حتى لو ضاع الوقت. "اللهم يضيع الوقت ولا يتم خرق الدستور". فطوال المدة التي قاربت السنتين من عمر النسخة الأولى لحكومة بنكيران ظل هذا الأخير يصول ويجول زاعما امتلاكه مفاتيح تأويل الدستور، باعتبار أن الحكومة هي المخولة بتقديم مشاريع القوانين المتعلقة بتنزيل الدستور، واليوم انتقلت أدوات التأويل من يده إلى أيدي الجميع. فمعركة التأويل ستكون قوية جدا، ولن يخرج منها بنكيران إلا باستحضار المقاربة التشاركية التي أقرها الدستور ودعا إليها، وإلا باستحضار الظرفية الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فإن معركة التأويل لابد لها من خلفيات يكون همها خدمة الوطن وعدم تجاوز الدستور. فالحكومة حسب رؤية المخالفين هي جديدة وبالتالي لابد أن تخضع للفصل 88 من الدستور، الذي يقول إنه بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. لكن بنكيران يتهرب من التصريح الحكومي بذريعة أن القانون المالي لا يمهله الوقت الكافي للتقدم بالتصريح ومناقشته والتصويت عليه. وإذا أرادت الأطراف كافة، سواء الحكومة أو المعارضة، الخضوع لتأويل يخدم مصلحة الوطن ولا يتجاوز مبادئ الدستور فإنها قد تلجأ إلى الفصل 103 من الدستور، حيث "يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحَمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه". إذن بنكيران أمام مأزق دستوري وكي يخرج منه لابد من أن يكون مرنا ويفعل مبادئ المقاربة التشاركية حتى لا يصطدم بإشكالات دستورية تعطل البلد.