لقد خلقت النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران إشكالا دستوريا حقيقيا،وقد شكل انسحاب المعارضة من جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 15 أكتوبر تعبيرا صريحا واعتراضا واضحا على هذا الخرق الدستوري الفادح التي دشنت به النسخة الثانية لحكومة عبد الإله بنكيران مهامها،وهذا ما عبرت عنه المعارضة حينما اعتبرت أن الحكومة الحالية "تخرق الدستور على اعتبار أنها لم تخضع للتعديل وإنما خضعت لإعادة الهيكلة مما يفرض عليها تقديم تصريح حكومي جديد تتم مساءلتها على أساسه" ونحن سنحاول انطلاقا من هذه الوقائع مناقشة الإشكالية والعمل على إبراز الوضع الدستوري لهذه الحكومة ،لكن قبل الدخول في مناقشة المقتضيات الدستورية المتعلقة بالتعديل الدستوري،سنعمل على طرح السياق العام الذي سبق تشكيل هذه الحكومة ،وهو السياق الذي طبعته المشاورات مع حزب التجمع الوطني للأحرار،ثم بعد ذلك سنتطرق للأساس الدستوري لهذا التعديل ومدى دستورية النسخة الثانية من حكومة السيد عبد الإله بنكيران. أولا:السياق العام الذي سبق تشكيل النسخة الثانية لحكومة عبد الإله بنكيران لقد أدى انسحاب حزب الاستقلال من النسخة الأولى لحكومة عبد الإله بنكيران ،وقوع فراغ كبير تسبب فيه هذا الانسحاب حال دون استمرار هذا التحالف معا في قيادة الحكومة،كما أدى إلى إحداث شرخ كبير في هذه الأغلبية ،الأمر الذي أدى برئيس الحكومة،إلى البحث عن من يعوض حزب الاستقلال في هذا التحالف ،ويجنب رئيس الحومة في الوقوع في مأزق ،ربما كانت ستكون نتيجته اللجوء لانتخابات قبل الأوان في حالة لولم يحصل رئيس الحكومة على من يتحالف معه،لكن البحث عن من يعوض حزب الاستقلال في هذا التحالف كان يتطلب طرح تساؤل جوهري ومحوري يتعلق بكون هل ذا التعويض سيكون تقنيا ،أي أن الوزراء الذين انسحبوا من الحكومة سيعوضونهم وزراء آخرين، وبالتالي سيكون هذا التعديل الحكومي تعديلا تقنيا،أم أن الأمر هو أعمق من ذلك يتطلب التوافق على برنامج حكومي وخطة عمل جديدة سيتم العمل بهما في النسخة الثانية من الحكومة المرتقب تشكيلها، ثم بعد ذلك التوافق على الحقائب الوزارية ،وهنا سنكون أمام حكومة ثانية تخضع لكل ما تخضع له الحكومة إبان تشكيلها كما هو منصوص علي في الدستور.وسنرجع لتفصيل هذه المسألة عند مناقشتنا الأساس الدستوري للنسخة الثانية لحكومة عبد الإله بنكيران. فإذا كان رئيس الحكومة بعد وزراء حزب الاستقلال لاستقالتهم من الحكومة ،باشر مشاوراته مع أهم أحزاب المعارضة ،حزب الأصالة والمعاصرة ،والذي عبر بشكل صريح أنه غير معني بهذا التعديل وأنه سيبقى في المعارضة،وكذلك الاتحاد الاشتراكي الذي وقع اتفاقا مع حزب الاستقلال المنسحب من الحكومة ،وصرح بعدم مشاركته في النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران. ولم يبق أمام رئيس الحكومة إلا حزب التجمع الوطني للأحرار،الذي ظل يصرح رئيسه أنه لن يقوم بدور ملئ الثغرات التي أحدثها شغور المناصب الذي أحدثه خروج حزب الاستقلال من الحكومة ،بل إن الأمر يستوجب الاتفاق على برنامج حكومي جديد مشترك.كما أنه بالإضافة إلى ما كان يصرح به رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ،بعض القياديين في نفس الحزب كانوا يشترطون الجلوس مع بكيران لمناقشة النسخة الثانية من الحكومة والمشاركة فيها ،يقتضي مناقشة برنامج جديد لأنه كما كان يقول هؤلاء لا يمكن أن نشتغل وفق برنامج حكومي صوتنا ضده،هذه القرائن والأدلة توضح لنا في إطار مع عرفه السياق العام الذي سبق تشكيل هذه الحكومة والتي طبعتها مشاورات جاوزت ثلاثة أشهر كاملة منذ انطلاقتها، أننا أمام نسخة ثانية لحكومة عبد الإله بنكيران وليس أمام تعديل حكومي، لأن الأمر يتعلق بمناقشة برنامج اتفق عليه ما بين رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار وما بين رئيس الحكومة،بالإضافة إلى هذا أن الحكومة تغيرت على مستوى بنيتها ،بحيث أن مشاركة الملتحق الجديد بالتحالف الحكومي لم تكن من باب تعويض حزب الاستقلال فقط أو إجراء تعديل تقني أو جزئي،بل الأمر تعدى ذلك إلى تعديل مس جوهر الحكومة وبالتالي لا يمكن أن نسميه إلا حكومة السيد عبد الإله بنكيران في نسختها الثانية. بالإضافة إلى هذا هناك عنصر آخر يجعلنا نؤكد ما ذهبنا إليه ،وهو ما عرفته بنية الحكومة من تغييرات جوهرية،وذلك بارتفاع عدد الحقائب الوزارية بمافيها الوزارات المنتدبة وكتابات الدولة من 31 حقيبة وزارية إلى 39 حقيبة وزارية،كما ان النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران اتسمت بحضور واضح للوزراء التكنوقراط ،الذين ارتفع عددهم إلى 8 وزراء عوض 5 وزراء في النسخة السابقة،كما عرفت هذه الحكومة الثانية ارتفاع تمثيلية المرأة من واحدة في الحكومة السابقة،إلى 6 في هذه النسخة الثانية من الحكومة. بالإضافة إلى تقسيم بعض الوزارات وخلق كتابات الدولة تابعة لبعض القطاعات هذا كله يفيد بأننا أمام حكومة جديدة يفرض على رئيسها أن يقدم تصريحا أمام البرلمان وفق ما ينص عليه الدستور. ثانيا : الأساس الدستوري للنسخة الثانية للنسخة الثانية لحكومة عبد الإله بنكيران إذا كنا في النقطة الأولى تطرقنا إلى السياق العام الذي سبق تشكيل النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران ،وخلصنا من خلال تحليلنا لأهم العناصر التي ميزت هذا السياق أو تلك التي طرأت على بنية الحكومة والتي تفيد مما لا يدع مجالا للشك أننا أمام نسخة ثانية من حكومة عبدالإله بنكيران وليس أمام تعديل وزاري بسيط.وإذاكنا انطلاقا من التحليل الذي أفردناه في النقطة الأولى أوصلنا إلى هذه النتيجة،فإنه يجدر بنا الأمر أن نطرح الأساس الدستوري لهذه النسخة الثانية لحكومة السيد عبد الإله بنكيران. فإذا رجعنا إلى المادة 47 من دستور 2011 الفقرة الخامسة منه نجدها تنص على ما يلي:"لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر ،من أعضاء الحكومة ،بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية.." كما أن الفصل 88 من دستور 2011 ينص على مايلي"بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ،يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ،ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه .ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به ،في مختلف مجالات النشاط الوطني ،وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. يكون البرنامج المشار إليه أعلاه ،موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين ،يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ،المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم،لصالح برنامج الحكومة. كما أن الفصل 103 من الدستور ينص على أنه يمكن لرئيس الحكومة ،أن يربط لدى مجلس النواب ،مواصلة الحكومة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة،أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه................. يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية. انطلاقا من تحليلنا لهذه النصوص الثلاثة ،وبعد رجوعنا لمقتضيات الفصل 47 ،نجد أن هذا الفصل ينص بشكل صريح ،كيف يتم تعيين أعضاء الحكومة وكيف يتم إعفاؤهم،ولكن لم يشر كيف يتم تعويض عضو أوأكثر من أعضاء الحكومة، الذين طلب رئيس الحكومة إعفاءهم بناء على استقالتهم،بناء على انسحاب حزبهم من التحالف الحكومة كما هو الحال للحالة التي نناقشها ، وبالتالي يبقى الأمر قابلا للتأويل ومرتبطا في نظرنا بطبيعة التعديل،فإذا كان التعديل يمكن اعتباره تعديلا تقنيا ،فإن الأمر هنا لا يعدو أن يكون تعويض بعض الوزراء الذين تم إعفاؤهم لسبب أو آخر، بآخرين من نفس التحالف الذي يشكل الحكومة ،وهنا التعديل في نظرنا يكون تعديلا تقنيا، وحتى حينما يقترح رئيس الحكومة الأسماء التي ستعوض الوزراء الذين تم إعفاؤهم ،فالتعيين من طرف الملك في نظرنا يقتصر فقط على هؤلاء الوزراء ،وو الأمر الذي لا يمكن ان نطبقه على الحالة التي نحن بصدد مناقشتها لأن الأمر مختلف بشكل جذري. أما إذا كان التعديل يشمل جوهر الحكومة ،وذلك انسحاب حزب كامل منها كان يشكل اللبنة الأساسية لها، فانسحابه منها افقدها أغلبيتها وأصبحت معه مضطرة مطالبة بالبحث عن تحالف جديد، يرتكز بالأساس على توافق على برنامج حكومي جديد ،وبنية حكومية جديدة ،خصوصا إذا كان الحزب الذي سيشكل هذا التحالف في المعارضة وصوت ضد البرنامج الحكومي،هنا نكون أمام حكومة جديدة يطبق عليها نفس ما طبق على الحكومة الأولى من تنصيب مزدوج يهم الملك والبرلمان تقدم الحكومة أمامه برنامجها الجديد.وعليه فإن النسخة الثانية من حكومة السيد عبد الإله بنكيران ربما عرفت مشاورات أكثر من النسخة الثانية ،بحيث النسخة الأولى عرفت شهرا من المشاورات ،في حين النسخة الثانية عرفت ثلاثة شهور كاملة،كما أن بنية الحكومة عرفت تغييرا جذريا مس أغلب الحقائب الوزارية،كما أن عدد حقائبها ارتفع من 31 حقيبة إلى 39 حقيبة وزارية،بالإضافة أن المشاورات مع الحزب الملتحق بالتحالف الجديد لم تشمل الحقائب الوزارية ،بل شملت حتى البرنامج الحكومي الذي سيتم الاشتغال عليه،كما أنها تم استقباله من طرف الملك كلها وقام بتعيينها ،وأدت القسم أمام جلالته،مما يؤكد لنا أننا أمام حكومة جديدة ،وإلا لماذا استقبل الملك كل أعضاء الحكومة وعينهم ،فإذا كان الأمر يقتصر على تعديل جزئي بسيط لاستقبل الملك فقط الأعضاء وزراء الجدد وعينهم وأدوا القسم أمامه،لكن الأمر يتعلق بنسخة ثانية من حكومة عبد الإله بنكيران يجب أن تخضع لكل ما تخضع له أي حكومة جديدة. وانطلاقا من هذه المعطيات وبناء على هذه الحجج التي أدلينا بها ،وهي حجج دامغة تزيل كل اللبس الذي يمكن أن يحصل، أننا أمام حكومة جديدة ،مطالبة بعد تنصيبها من طرف الملك بناء على الفصل 47 من الدستور.أن يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان،ويعرض برنامجه الحكومي الجديد الذي يعتزم تطبيقه،ويكون هذا البرنامج موضوع مناقشة من طرف مجلسي البرلمان ،ويصوت عليه من طرف مجلس النواب ،حتى تصبح الحكومة منصبة دستوريا،ويمكن أن تمارس مهامها ،تطبيقا لمقتضيات الفصل 88 من الدستور. *أستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي