يطرح توسيع صلاحيات مؤسسات الحكامة، وخصوصا تلك التي نص عليها دستور فاتح يوليوز، وما رافقه من مشاريع قوانين وضعتها الحكومة ومقترحات تقدمت بها الفرق النيابة بالبرلمان، وينتظر أن يشرع قريبا في مناقشتها، سؤالا كبيرا حول إمكانية قضاء هذه الترسانة القانونية الجديدة على فوضى المال العام التي يعرفها المغرب. ونص الدستور المغربي لفاتح يوليوز على دسترة سبع مؤسسات للحكامة قائمة أصلا، وأخرى تم النص على إحداثها، وهي المؤسسات التي يتضمن المخطط التشريعي للحكومة في محوره الثاني 10 قوانين تخصها، منها 7 قوانين لمراجعة النصوص القانونية الحالية، وتهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ومجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فضلا عن 3 قوانين لمؤسسات جديدة هي هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة ، المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي. المجلس الأعلى للحسابات حرص المغرب على غرار الدول، على الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة دستورية تضطلع بدور المساهمة الفعالة في عقلنة تدبير الأموال العامة، وتمارس كليا وظيفتها باعتبارها مؤسسة عليا للرقابة، مستقلة في الوقت ذاته عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. وهكذا أوضح الباب العاشر من الدستور بأن المجلس الأعلى للحسابات يتولى ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية، ويبذل مساعدته للبرلمان والحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون، ويرفع إلى الملك بيانات جميع الأعمال التي يقوم بها في إطار تقريره السنوي. وفضلا عن ذلك، و في إطار سياسة اللامركزية، نص الدستور على إحداث المجالس الجهوية للحسابات المكلفة بمراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها. ولقد تم تتويج المقتضيات الدستورية بإصدار القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية بتاريخ 13 يونيو 2002، “بهدف تأمين ممارسة رقابة مندمجة، وإقامة أفضل توازن في مسؤوليات الخاضعين للرقابة، والوصول بالتالي إلى نظام عقوبات ومتابعات أكثر عدلا وإنصافا لهم”. ويوكل للمجلس في مجال الرقابة أهم الرقابات الممارسة من قبل المحاكم المالية تهم الرقابة القضائية على مدى قانونية العمليات المالية، ومدى مطابقتها للنصوص (البث في الحسابات، التسيير بحكم الواقع و التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية)، ومراقبة التسيير المركزة على تقييم نتائج أداء الوحدات المراقبة من حيث الفعالية والاقتصاد والكفاية. الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ينتظر الرأي العام أن يعرض على البرلمان مشروع قانون بشأن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك في سياق الاستجابة لمقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي صادقت عليها المملكة المغربية بتاريخ 9 ماي 2007، والتي تم بموجبها إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بمقتضى مرسوم للوزير الأول في 13 مارس2007. ويرى مشروع قانون الجديد الذي عكفت عليه الحكومة أن "التوصيف القانوني للهيئة ظل غامضا، نظرا لافتقار الهيئة لمقومات الأهلية القانونية، ولمحدودية استقلاليتها على مستوى التدبير الإداري والمالي، ولعدم توضيح مهام التنسيق والإشراف وتتبع وتقييم تنفيذ سياسات الوقاية من الفساد المخولة لها”. وفي هذا السياق يؤكد المشروع أن "مهام الاستشارة والاقتراح والتقييم والتنسيق والتعاون تصطدم إجمالا بصعوبة الحصول على المعلومات اللازمة، وبمحدودية الانخراط الإرادي للإدارات والهيئات المعنية، وبهشاشة موقع الهيئة في مسار تنفيذ المقترحات والتوصيات، وكذا بصعوبة الحصول على الوسائل المادية الكافية للتمكن من توظيف الكفاءات النوعية المطلوبة". وأثبتت الممارسة عدم قدرة الهيئة المركزية على التجاوب الفاعل مع الشكايات والتبليغات المحالة عليها في غياب امتلاكها لصلاحيات البحث والتحري الكفيلة بالمعالجة الموضوعية لهذه الشكايات ومنحها المآل الملائم، في الوقت الذي أوصت فيه الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، بضرورة توفير الاستقلالية والموارد المادية والبشرية التي يجب منحها للهيئات الوطنية العاملة في هذا المجال، مع اعتبار التدابير الوقائية مسلكا أساسيا لمكافحة الفساد. وفي هذا الاتجاه يرى القائمون على الهيئة في المغرب أن "عوامل نجاح هيئات مكافحة الفساد تظل رهينة بوضوح المهام والإطار الهيكلي وآليات اتخاذ القرار، مع التأكيد على استقلالية التدبير والانفتاح المتواصل على الجمهور، واعتماد حكامة عمومية مترسخة”. وانتهت الهيئة المركزية إلى ضرورة إعادة النظر في إطارها القانوني بهدف تخويلها الإمكانيات القانونية اللازمة للعمل بالفعالية المطلوبة، مع مراعاة الاختصاصات المخولة للمؤسسات والسلطات العمومية الأخرى. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عرضت الحكومة أخيرا على البرلمان مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي سيضطلع حسب مقدمة له بمهام استشارية لدى الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين. وبمقتضى هذا المشروع سيعهد للمجلس تحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وانعكاساتها، وتقديم اقتراحات في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وتيسير التشاور والتعاون بين مختلف الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمساهمة في بلورة ميثاق اجتماعي، وإنجاز الدراسات والأبحاث في الميادين المرتبطة بممارسة صلاحياته. وجاء في مشروع القانون الذي يضم 7 أبواب و40 مادة، أن العضوية في المجلس تتنافى مع المهام المتمثلة في عضو في الحكومة، ومجلس النواب، ومجلس المستشارين، ورئيس مجلس الجهة، ومسؤول دبلوماسي، وقاض. كما ينص المشروع على إجراءات تدبيرية تتمثل بالخصوص في الإجازة لرئيس المجلس تفويض بعض مهامه إلى أعضاء المكتب. وفي هذا السياق قال الوزير المنتدب السابق لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة محمد نجيب بوليف، الذي عرض المشروع، إنه يجسد خطوة هامة في ترجمة المقتضيات الدستورية الجديدة. وأوضح بوليف، في معرض تقديمه لمشروع القانون التنظيمي أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أن هذا المشروع يسعى إلى ترجمة المقتضيات الدستورية وخاصة المادة 153، وفي نفس الوقت إلى استيعاب دروس الممارسة والتجربة التي قام بها المجلس منذ إحداثه والتي تقتضي تطوير إطاره القانوني. ويتعلق الأمر، حسب الوزير، بعدد من المستجدات الهامة بخصوص إبداء الرأي في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة وقضايا البيئة ولجميع القضايا الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بالجهوية الموسعة. وأشار المتحدث إلى أن المشروع يهدف كذلك إلى رفع عدد أعضاء المجلس إلى 104 وذلك من أجل ضمان تمثيل الهيئات المنصوص عليها في الدستور كمجلس المنافسة والهيئة المركزية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وكذا السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، طبقا لمقتضيات الفصل 19 من الدستور. مجلس المنافسة يناقش حاليا في مجلس النواب مشروع قانون يتعلق بمجلس المنافسة، وذلك ترجمة من الحكومة للمقتضيات الدستورية، وخاصة المادة 166 المتعلقة بمجلس المنافسة والمادة 36 المتعلقة أيضا بقواعد المنافسة الحرة والنزيهة، إضافة إلى تنزيل المقتضيات المرتبطة بالبرنامج الحكومي القائمة على تشجيع شروط المنافسة الحرة والمشروعة. ويؤكد المشروع أن المجلس يضطلع باختصاصات تقريرية في مجال الممارسة المنافية لقواعد المنافسة، والمنافسة غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي، كما أن له دور استشاري هام في جميع القضايا المتعلقة بالمنافسة. وفي هذا الإطار حدد المشروع، الجهات التي يحق لها إحالة القضايا على المجلس، والتي تشمل الشركات والإدارة ومجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية وهيأة التقنيين القطاعية وجمعيات المستهلكين ذات المنفعة العامة، بالإضافة إلى المحاكم. وأقر المشروع للمجلس حق النظر بمبادرة منه في كل الممارسات التي من شأنها المساس بالمنافسة الحرة وسلطة القيام بالأبحاث والتحقيق في القضايا وإصدار العقوبات، مشيرا إلى أن المجلس يتشكل من قضاة وخبراء في القانون والاقتصاد وفي مجال المنافسة والاستهلاك، وكذا شخصيات من ذوي الخبرة في عالم الأعمال. ويمثل المشروع حسب مذكرته التقديمية “خطوة من أجل احترام قواعد المنافسة على اعتبار أن مجلس المنافسة هو هيئة مستقلة مكلفة في إطار المقتضيات الدستورية الجديدة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها، والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار”.