يزخر إقليمالصويرة بمؤهلات كبرى قادرة على تعزيز جاذبيته من خلال تنمية ترتكز على الثقافة والفنون كرافعة للنمو، وهو خيار ناجح للغاية في زمن تتوجه فيه الصناعة السياحية إلى استثمار المعطيات الثقافية لإنتاج باقة من العروض تضمن لهذه الوجهة السياحة حضورها، وتمكن من تعزيز ميزانية جماعات الإقليم الذي يشكو الهشاشة. وإذا كان الفاعلون بالقطاع السياحي والمسؤولون عن قطاع الثقافة بلغوا درجة من الوعي بما للرأسمال الثقافي من دور في تأسيس صناعة سياحية جذابة ومستدامة الربح والخير على المستثمرين والمدن والجماعات الترابية القروية التي تتوفر على مآثر تاريخية وكهوف يعود عمرها إلى ما قبل التاريخ، فإن سؤال العناية بهذا الرأسمال يطرح نفسه ويؤخر عجلة التنمية بإقليمالصويرة. من هذه المؤهلات، معلمة "تكمي ن لوضا" التاريخية بالجماعة الترابية القروية أسميمو، فما قصة هذه "القصبة"؟ وما دورها في تاريخ المغرب؟ وهل وضعها الحالي يليق بما عرفته من أحداث مفصلية في استقلال المغرب؟ وإلى أي حد تحضر في برنامج وزارة الثقافة لتصنيفها كتراث وطني؟ وكيف يمكن ضمان راهنية هذا الجزء من تاريخ المغرب حاضرا دون إقامة نصب تذكاري لضحايا معركة "لوضا" من طرف المندوبية السامية للمقاومة؟ الثقافة دينامية السياحية تعرف مدينة موكادور بحاضرة الفن والإبداع، وتتميز جماعات الإقليم بمعطيات طبيعية وثقافية يمكن أن تشكل خارطة للسياحة الثقافية من أجل خلق الثروات وتوفير فرص الشغل والاندماج الاجتماعي لساكنة دواوير كثيرة تنتشر بإقليمالصويرة تعاني من الهشاشة والعوز الاقتصادي، ما يوضح أهمية ربط الثقافة بمفهوم التنمية بإقليم يملك رأسمالا من ذهب، إلى جانب الشواطئ والغابات، يتكون من مآثر مادية ولا مادية، وفق تصريحات متطابقة لمثقفين وفاعلين بالقطاع السياحي لهسبريس. حكاية قصبة لوض تقع "تيكمي ن لوضا" على مشارف جبال الأطلس الكبير الغربي لإقليمالصويرة، ويعود تاريخ بنائها إلى أواخر القرن 18م وبداية القرن 19م، على يد مؤسسها الحاج علي القاضي الحاحي، وسمي المكان "لوضا"، الذي يحمل معنى جغرافيا، للدلالة على انبساط الأرض؛ هكذا شرع محمد أبيهي، ابن المنطقة الباحث في تاريخ المغرب المعاصر، يروي قصة معلمة تنتظر تدخل الجهات المعنية. وعن تاريخ هذه المعلمة، قال أستاذ تاريخ المغرب المعاصر: "بدأ إشعاع أسرة علي القاضي الحاحي بقبيلة اداويسارن الحاحية العريقة، وأصبحت هذه القصبة مصدر تدبير شؤون فرقة اداوكضل، ما جعل السلطان الحسن الأول يعينه قائدا على اداويسارن لمدة قصيرة، بعد تجاذب قيادة اداويسارن بين الكيلوليين والنكنافيين، ولكن كان لأشياخ أسرة الحاج علي القاضي سلطات واسعة بين القبائل رغم وجود زعامات مهيمنة خلال هذه المرحلة". وفي حديث لهسبريس، أوضح محمد أبيهي أن هندسة هذه القصبة، التي تشرف على السهول والربى المجاورة للطريق الرئيسية بين الصويرة وأكادير، وكانت مقرا لتدبير شؤون القبيلة وفك الخلافات القائمة آنذاك، تتكون من أبواب رئيسية وأخرى فرعية، كما توجد بها محكمة عرفية، تمزج في أحكامها بين العرف والشرع، وتتكون كذلك من مخازن جماعية لتأمين الموارد الغذائية في أيام القحط، وفق الرواية الشفوية. وأضاف الباحث في علم التاريخ أن "تكمي لوضا عرفت أحداثا تاريخية مجيدة؛ ففي بداية الاحتلال الفرنسي قصدتها الجيوش الفرنسية للاستقرار بها مؤقتا، ما استنفر أسرة الحاج علي القاضي التي قامت بحصار الكتيبة الفرنسية المستقرة بالقصبة في دجنبر 1912م، بتنسيق مع المقاومة الحاحية للقبائل المجاورة، والحصيلة مقتل 70 جنديا فرنسيا". وواصل محمد أبيهي قائلا: "خلال بداية القرن 20م، شكل القائدان محمد أنفلوس وعبد الرحمان الگيلولي بعد استمرار اتصالهما السري مع ألمانيا وأحمد الهيبة، خطورة على سلطات الحماية الفرنسية بالصويرة"، موردا: "كان القائد الگيلولي مرتبطا بالألمان عبر الحماية القنصلية التي منحت له حين وجهت القوات الفرنسية حملاتها العسكرية إلى جنوبالإقليم لمواجهة خطر الزعامات المحلية الموالية للألمان، لتندلع بعد ذلك مقاومة الحاحيين ضد الاحتلال الفرنسي". وتابع بأنه "على إثر رفض الحاحيين بيعة المولى يوسف، أصدر أوامره للجيش المخزني بقيادة كل من القائد الحسين الزعري السلاوي وقائد الشياضمة العربي بن مبارك خبان، ومشاركة فرقة من النكنافيين، ومؤازرة العساكر الفرنسية للقضاء على مقاومة القبائل، راسل الكولونيل مانجان القائد محمد اكيدر الزلضني الحاحي، وأمره باتخاذ مختلف الوسائل للقبض على محمد أنفلوس والگيلولي، وإحضارهما بالقوة بعد تزايد الحصار على القوات الفرنسية في جنوبالصويرة". وزاد المؤرخ ذاته أن "قبائل حاحا عصت الأوامر، وحاصرت القوات الفرنسية بدار الحاج علي القاضي، ووقعت هذه المعركة التي هلك فيها أزيد من 70 جنديا من الفرنسيين، ما زلزل الرأي العام الفرنسي، وخاصة التيار الذي ينادي بضرورة تجنب حرب استعمارية بالمغرب"، مضيفا: "أرسلت كتيبة مدربة لفك الحصار يحرسها أسطول كبير عبر الساحل، وتطويق تكمي لوضا في دجنبر 1912م، فقتل عدد كبير من المقاومين". ضرورة الاعتراف ميلود شاشا، مرشد سياحي واحد ممن رضعوا حليب قبيلة احاحان، أوضح من جهته أن "معركة تيكمي ن لوضا تعتبر من الملاحم التاريخية التي خلدها رجال ونساء احاحان للدفاع عن الأرض والكرامة بقيادة كل من القائد انفلوس والقائد الكيلولي ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1912، فكانت الخسائر فادحة، لهذا وجب استثمار هذه المحطة الخالدة في الذاكرة الجماعية لقبيلتنا في التنمية السياحة المحلية بالصويرة، ولبناء جسر العلاقة بين من صنعوا هذا المجد والأجيال الحالية والمستقبلية". وقد تمت مؤخرا الالتفاتة إلى بعض المآثر التاريخية بمنطقة احاحان، كمصنع السكر الذي بني في العهد السعدي ويعد الأقدم في العالم، يورد المرشد السياحي ذاته الذي طالب "جميع الجهات بأن تولي هذه المحطة التاريخية العناية اللازمة، من أجل تثمين هذا الموروث التاريخي حتى يصبح مزارا سياحيا، ويفتح في وجه الطلبة والتلاميذ والمهتمين بالشأن التاريخي المغربي لتعريفهم بهذه المعركة، ولمساعدة المهنيين بالقطاع السياحي على برمجة تيكمي ن لوضا في المدارات السياحية داخل احاحان لإبراز الأهمية التاريخية لمنطقة احاحان". تذكار معركة خالدة تحتفل عائلات ضحايا معركة " تيكمي ن لوضا" خلال فترة الحماية سنويا بهذه المعركة الخالدة في تاريخ احاحان، كما تعرف المنطقة صمود قبر الجندي المجهول رغم اختفاء المعالم العمرانية لهذه المعلمة، دار لوضا. لهذا، يجمع كل من استقت هسبريس آراءهم بخصوص هذه القصبة على ضرورة بناء نصب تذكاري يخلد لأمجاد هذه المقاومة لأجيال المستقبل، وطالبوا بالبحث عن ضحايا هذه المعركة وجعلها منطلقا للصداقة المغربية الفرنسية، معتبرين أن منها ستنطلق المبادرات التنموية لصالح ساكنة المنطقة المهمشة. المعلمة خارج البرامج يفرض الواقع المتدهور لهذه المعلمة التاريخية تدخل الجهات المعنية لإعادة الاعتبار إليها من خلال تصنيفها تراثا وطنيا من طرف وزارة الثقافة، وإقامة نصب تذكاري لضحايا معركة لوضا من طرف المندوبية السامية للمقاومة. وللوقوف على رأيهما وبرنامجهما لحماية هذه الذاكرة المنسية، ربطت هسبريس الاتصال بكل من المندوب الجهوي لوزارة الثقافة بجهة مراكش-آسفي، ومسؤول المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير. وإذا كان المندوب الجهوي لوزارة الثقافة أكد لهسبريس "غياب أي برنامج يهم هذه القصبة حاليا"، مكتفيا بالإشارة إلى وجود "مشروع لإحداث مركز ثقافي للقرب بالجماعة باشرنا الدراسات الهندسية والتقنية لبنائه"، فإن حسن بن يوسف، ممثل المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير بآسفي، لا يرى مانعا في النصب التذكاري "الذي يحتاج إلى مسطرة إدارية"، موضحا أن "الجماعة هي التي توفر الغلاف المالي"، مضيفا: "لم نتوصل بأي مقترح بهذا الصدد. وإذا تمت مراسلتنا، فإننا سنحول المقترح إلى المصالح المركزية لتنظر فيه".