يحشد أنصار الحكم المدني في السودان قواهم في الشارع السبت لإثبات قدرتهم على تحدّي انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وإعادة البلاد إلى عمليّة التحوّل الديمقراطي رغم القمع الدامي للاحتجاجات خلال الأيّام الخمسة الأخيرة. ويراقب العالم رد فعل العسكريّين على هذه التظاهرات التي وعد منظّموها بأن تكون "مليونيّة". وتعالت الأصوات عشيّة الاحتجاجات، محذّرة السلطات العسكريّة من استخدام العنف ضدّ المتظاهرين. وقالت الناشطة من أجل الديمقراطيّة نهاني عباس لوكالة فرانس برس: "العسكريّون لن يحكموننا، هذه رسالتنا"، وأكّدت أنّ التظاهرة "المليونيّة" التي دُعي إليها السودانيّون السبت على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى جدران الخرطوم "ليست إلا خطوة أولى". ففي بلد يحكمه عسكريّون بشكل شبه مستمرّ منذ استقلاله قبل 65 عاما، قرّر الشارع أن يقول "لا" السبت للفريق أوّل عبد الفتّاح البرهان، الذي حلّ الإثنين كلّ مؤسّسات الحكم في البلاد، واعتقل غالبيّة المسؤولين المدنيّين، ليستأثر العسكريّون بالسلطة. صباح السبت كانت خطوط الهواتف مقطوعة في الخرطوم، مع إمكان الاتصال من الخارج فقط بالهواتف السودانية. كذلك، كانت شبكة الإنترنت مقطوعة. وانتشرت قوات الأمن بكثافة في شوارع الخرطوم، وأغلقت الجسور المقامة على النيل التي تربط مناطق الخرطوم ببعضها؛ وأقامت أيضا نقاط مراقبة في الشوارع الرئيسية، حيث تقوم بتفتيش عشوائي للمارة والسيارات. وناشد الموفد البريطاني للسودان وجنوب السودان روبرت فيرواذر قوات الأمن السودانية "احترام حق وحرية" المتظاهرين في التعبير عن أنفسهم، وكتب في تغريدة أن "التظاهر السلمي حق ديمقراطي أساسي وستتحمل أجهزة الأمن وقادتها المسؤولية عن أي عنف تجاه المتظاهرين". والشعار الأساسي لهذه التظاهرات هو "الردة مستحيلة" بعد عامين على الانتفاضة التي استمرت شهورا وانتهت بإسقاط عمر البشير في أبريل 2019، وتشكيل سلطة انتقالية من المدنيين والعسكريين، مناط بها إدارة شؤون البلاد إلى حين تسليم الحكم إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا عام 2023. سلاح السلمية فور إطاحة البرهان بالمدنيّين قبل 5 أيّام، دخل السودانيّون في "عصيان مدني" وأقاموا متاريس في الشوارع لشلّ الحركة في البلاد. وفي مواجهتهم، انهمر الرصاص الحّي والمطاط والقنابل المسيلة للدموع، ما أسفر عن سقوط تسعة قتلى بين المتظاهرين، حسب لجنة الأطباء المركزية السودانية. لكنّ الناشطين مصرّون رغم كل شيء على أن تكون "المواكب" سلميّة، لأنّ "سلميّتنا هي سلاحنا الوحيد وقد نجح من قبل"، حسب نهاني عباس. فالمتظاهرون الذين يعِدون أيضًا بمسيرات في الشتات يرون في ما يحدث تكرارا ل "ثورة" 2019 التي استمرّت خمسة أشهر وسقط خلالها 250 قتيلاً. عيون العالم حذرت منظمة العفو الدولية "القادة العسكريين من الحسابات الخاطئة"، مؤكّدةً أنّ "العالم يتابعهم ولن يسمح بمزيد من الدماء". وحضّت الولاياتالمتحدة الجمعة الجيش السوداني على عدم قمع تظاهرات السبت. وقال مسؤول أميركي كبير لصحافيّين: "نحن قلقون فعلاً حيال ما سيحصل غدا (السبت)"، مضيفا: "سيكون الأمر اختبارا فعليا لنوايا العسكريين". كذلك، حضّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجيش السوداني على "ضبط النفس" خلال تظاهرات السبت، وقال خلال مؤتمر صحافي في روما: "أدعو العسكريين إلى إظهار ضبط النفس وعدم التسبب في سقوط مزيد من الضحايا. يجب أن يُسمح للناس بالتظاهر سلميا". والخميس طالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه العسكريين في السودان ب"عودة حكومة انتقاليّة يديرها مدنيّون"، مبديا "قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة". وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "رسالتنا معا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون"، وأكّد أن "الولاياتالمتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفي للمضيّ قدما نحو أهداف الثورة السودانية". ومازال العدد الأكبر من القادة المدنيّين معتقلين منذ خمسة أيّام أو قيد الإقامة الجبريّة. وكانت قوات عسكرية أوقفتهم فجر الإثنين واقتحمت كذلك مقرّ التلفزيون الرسمي الذي أعلن من خلاله الفريق أول البرهان بعد ساعات حلّ كلّ المؤسّسات السياسيّة للمرحلة الانتقاليّة في البلد الذي يعدّ واحداً من الأفقر في العالم. وأعلنت مؤسّسات حكوميّة ونقابيّة عدّة الانضمام إلى "العصيان المدني" الذي حوّل الخرطوم إلى مدينة أشباح منذ خمسة أيام. وتتوالى الدعوات إلى التظاهر، من نقابات وأحزاب، وحتى من بعض الوزارات ومسؤولي الولايات. ويريد الناشطون أن تكون الشوارع السبت مليئة بالمتظاهرين أكثر من أيّ وقت مضى، وهو تحدٍّ في ظلّ اعتقال كثير من وجوه المجتمع المدني. لكن، يفيد خبراء بأن الناشطين أكثر تنظيما الآن بفضل تجربة 2019، وهم يحظون بدعم المجتمع الدولي الذي فرض عقوبات على العسكريين؛ فالولاياتالمتحدة والبنك الدولي جمّدا مساعداتهما للسودان الذي يعاني الفقر والغلاء المتزايد. كذلك، قرّر الاتّحاد الإفريقي تعليق عضويّة الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتّجاه العودة إلى مؤسّسات الحكم الانتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيّون. وقال عبد الجليل الباشا عشية التظاهرات لوكالة فرانس برس: "السبت سوف نستعيد مكاسب الثورة" ضد البشير.