رفضت السلطات العليا بالجزائر، في يوليوز الماضي، الاستجابة لطلب منظمة الكونكريس العالمي الأمازيغي بعقد مؤتمرها الخامس فوق أراضي الجارة الشرقية، وتحديدا بإحدى المدينتين بجاية أو تيزي وزو اللتين تحتضنان ساكنة أمازيغية مهمة كما هو معلوم. لم تعلل حينها السلطات الجزائرية هذا الرفض، إلا أن تقديرات الناشطين الأمازيغية ذهبت في اتجاه القول بأن الرفض يتضمن انتقاما جزائريا رسميا من منظمة الأمازيغ الدولية على خلفية التقارير الدورية الكثيرة الفاضحة التي أنجزتها حول واقع حقوق الإنسان بها والتي بعثت بها إلى مختلف المنظمات الدولية ومنها الاتحاد الأوروبي، هذا الأخير الذي تربطه والجزائر اتفاقية شراكة وتعاون منذ سنة 2005 وتشير في مادتها الثانية إلى ضرورة احترام الجزائر للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. "" أمام هذا الوضع، لم يجد الكونكريس العالمي الأمازيغي بدا من اللجوء للمغرب لعقد محطته التنظيمية الخامسة، خاصة سيما وأنه سبق له أن نظم مؤتمره الرابع وبنجاح في مدينة الناضور صيف 2005.
ظلال الهمة
حسم إذن الكونكريس العالمي الأمازيغي عبر مجلسه الفيدرالي بشأن مكان انعقاد مؤتمره الخامس بالمغرب، بعد أن وجد الأبواب الجزائرية موصدة في وجهه. ولحسن حظه فقد آزره الصراع الإقليمي غير المعلن القائم بين المغرب والجزائر، وهكذا فقد وجد أمامه ثلاث طلبات لاحتضانه تقدمت بها كبريات الجمعيات الأمازيغية، ومن بينها إحدى الجمعيات التي يرأسها أحد أقارب إلياس العمري المعروف عنه قربه من الحركة لكل الديمقراطيين لصاحبها فؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب السابق في الداخلية والبرلماني حاليا عن منطقة الرحامنة. إلا أن خوف الأمازيغيين المغاربة من وقوع منظمتهم العالمية من الوقوع في قبضة هذه الحركة الناشئة واحتوائها له، أمر جعل مجموعة من القيادات والجمعيات الأمازيغية تبعث برسالة عاجلة شديدة اللهجة إلى القيادة الحالية للكونكريس الأمازيغي محذرة إياها من إسناد تنظيم المؤتمر للجمعية المحسوبة على العمري. هكذا، سيتم إبعاد هذه الجمعية بواسطة عملية التصويت وتتم الموافقة على طلب جمعية " أسيد" بمكناس لتنظيم المؤتمر العالمي أواخر أكتوبر المقبل. وهي خطوة رأى فيها بعض الناشطين الأمازيغيين نوعا من انتصار حسن أوريد على خصمه السابق بالقصر الملكي فؤاد عالي الهمة، اعتبارا لكون وجود أوريد على رأس ولاية مكناس يعتبر معطى أساسيا من شأنه تسهيل تجاوز بعض عراقيل السلطات المحلية في تعاملها مع مؤتمرات مثل هذه.
بداية باريسية وتخوف جزائري
وكانت منظمة الكونكريس العالمي الأمازيغي قد عقدت مؤتمرها التأسيسي الأول في شتنبر 1995 بالعاصمة الفرنسية باريس. وهو منظمة دولية يوجد مقرها الحالي بفرنسا وتجمع عددا كبيرا من الهيئات والفعاليات المدافعة عن الحقوق الأمازيغية بمختلف دول شمال إفريقيا وببلاد المهجر كذلك نظرا لوجود جالية ناطقة بالأمازيغية بها. وهو ما جعلها تتعاون مع مختلف الهيئات الدولية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وتنميتها مثل: هيئة الأممالمتحدة ومنظماتها الموازية، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي، عدد من منظمات وجمعيات المجتمع المدني، كما شاركت في جل التظاهرات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
وبالرغم من كون الجزائر قد رفضت الترخيص لعقد مؤتمر الكونكريس العالمي الأمازيغي، فقد شنت مجموعة من الصحف المقربة من النظام الجزائري هجوما عنيفا على بعض القيادات الأمازيغية بالمغرب متهمة إياها بالتخطيط للإطاحة بالتواجد الجزائري على رأس المنظمة الدولية للأمازيغ حيث دعت الجزائريين الذين سيشاركون في المؤتمر للتعبئة من أجل انتخاب الأمازيغي الجزائري بلعيد أبريكا الذي يعتبر الرئيس المؤسس لتنسيقية العروش بالجزائر على رأس الكونكريس، والذي ينافسه مواطنه الجزائري فرحات مهني المغني القبائلي المشهور ورئيس حركة الحكم الذاتي لمنطقة القبايل إضافة للمغربيين خالد الزيراري ورشيد الراخا . وتعرف جل هذه الأسماء لدى المتتبعين لتطورات الملف الأمازيغي بتوجهاتها الراديكالية في تناول ملف الأمازيغية.
هذا وسبق لخالد الزيراري، نائب الرئيس الحالي، أن قال في تصريح له إن المؤتمر الحالي يأتي في وقت يطلق فيه العقيد القذافي خطابات مناهضة للأمازيغية، وتمنع فيه الجزائر مؤتمر المنظمة ويعتقل فيه المغرب طلبة من نشطاء الحركة الأمازيغية منذ حوالي 15 شهرا دون محاكمة.