تعيق سلسلة اعتداءات دامية ينفّذها عناصر في تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" مساعي طالبان لإعادة إرساء الاستقرار في أفغانستان. والأيام الماضية شهدت قتل عشرات الشيعة في تفجير انتحاري استهدف مسجدا في قندوز، خلال صلاة الجمعة، في محاولة يبدو أن الهدف منها تأجيج الكراهية الطائفية وتقويض الحكم. وجاءت العملية بعد مرور أسابيع قليلة على تفجير انتحاري أسفر عن مقتل أكثر من مئة أفغاني، و13 جنديا أميركيا، خلال عمليات الإجلاء التي كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تجريها في غشت. "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" تأسس تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014، حين "بايع" مقاتلون سنة متشدّدون في العراقوسوريا أبا بكر البغدادي "خليفة للمسلمين". وسيطر التنظيم على مساحات شاسعة من العراق وشرق سوريا، لكنّه فقدها لاحقا، إلا أنه كان قد تمدد إلى أنحاء أخرى من العالم بما فيها "خراسان"؛ وهي منطقة تضم أنحاء من أفغانستان وإيران وباكستان وتركمانستان. ويصف جان-لوك ماريه، المحلل في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية الفرنسية، تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" بأنه "تكتّل لمنظمات جهادية سابقة، يضم أفرادا من الإثنيات الأويغورية والأوزبكية ومنشقين عن طالبان". وتبنّى تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" التفجير الانتحاري في قندوز ،الذي نفّذه فرد من الإثنية الأويغورية المسلمة المضطّهدة في الصين، ما يسلّط الضوء على الطبيعة الإقليمية للتهديد. وبحسب تقديرات منظمة الأممالمتحدة؛ يضم تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" بين 500 وبضعة آلاف من المقاتلين في شمال أفغانستان وشرقها، بما في ذلك خلايا نائمة في العاصمة كابول. ويُعتقد أن التنظيم يقوده، منذ العام 2020، "شهاب المهاجر" الذي يوحي اسمه الحركي بأنه متحدّر من المنطقة العربية، إلا أن أصله لا يزال مجهولا حتى الآن. ومن المرجح أن "شهاب المهاجر" كان قياديا في تنظيم القاعدة، أو عضوا سابقا في شبكة حقاني؛ التي تعد حاليا أحد أقوى الفصائل وأكثرها تهديدا لحركة طالبان في أفغانستان. خطورة التهديد إلى العام 2020، كان تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" يخسر نفوذه في ظل سطوة حركة طالبان وحملة الغارات الجوية الأميركية ضد التنظيم، لكن يبدو أن وصول القائد الجديد غير المعادلة. ووفق عبد السيدن الباحث في مرصد المواقع المتطرّفة "إكستراكت"، فقد جدّد شهاب التركيز على أهمية "حرب المدن والعنف ذي الرمزية". وقال سيّد: "على الرغم من أن طالبان هي هدفه الرئيسي، اختار التنظيم أهدافا سهلة على غرار الأماكن الدينية والمؤسسات التربوية والأماكن العامة مثل المستشفيات ... لبث الخوف من إرهابه". وطالبان جماعة سنيّة متطرّفة على غرار تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان"، إلا أن الحركة تعهّدت، في إطار إرسائها نظاما جديدا في كابول، بحماية الأقلية الشيعية، في حين يعتبر التنظيم أن الشيعة "مرتدّون". وعلى غرار ما حصل في العراق، حيث استهدف تنظيم الدولة الإسلامية الشيعة لإثارة حرب طائفية، يهدد تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان. بداية الخصومة كثرة من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" سبق أن قاتلت في صفوف طالبان، أو جماعات موالية لها، أو يأتون من حركات تمرّد تستلهم مبادئها من تنظيم القاعدة. لكن استراتيجيات الفصيلين اختلفت. تسعى طالبان في العام 2021 إلى حكم أفغانستان وفق تفسيرها للشريعة الإسلامية، فيما تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" متمسّك ب"مبايعة خليفة المسلمين". ويصف المتحدّث باسم طالبان تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" بأنه "تكفيري"، فيما يعتبر التنظيم ذاته أن الحركة الماسكة بزمام الحكم في أفغانستان عميلة للأميركيين. لكن، على الرغم من الخطاب التحريضي بين الفصيلين، يبقى ممكنا انتقال العناصر من ضفة لأخرى؛ وفقا لمواقف القادة والفرص السانحة. وبحسب باربرا كيليمن، محللة في مركز "دراغونفلاي" للاستخبارات الأمنية، فقد "سبق أن نجح تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان في تجنيد عناصر مستائين من طالبان، أو يعتبرون الحركة كثيرة الاعتدال". وأضافت باربرا: "بإدخال طالبان ما يبدو أنها إصلاحات لجعل حكمها أكثر اعتدالا، أصبحت هناك أرجحية كبيرة لأن يسعى التنظيم للاستفادة من موقفه، بصفته مجموعة الرفض الأساسية في أفغانستان، لتجنيد مزيد من المنشقين في صفوف مناصري طالبان، ولشن هجمات ضد الحركة". هل الأفضلية لطالبان؟ يقول مايكل كوغلمان، محلل في مركز "وودرو ويلسون"، إن "فحوى الرسالة الأساسية التي توجّهها طالبان إلى السكان في أفغانستان، منذ 15 غشت الماضي، أنها أعادت إرساء الاستقرار بوضعها حدا للحرب". لكنّ المحلل نفسه حذّر من أن "هجمات إرهابية، على غرار تلك التي وقعت في قندوز، تقوّض هذه الرسالة بشكل كبير". وتلقّت الحكومة الأفغانية المطاح بها، التي كانت مدعومة من أمريكا، مساعدات عسكرية بمئات مليارات الدولارات ومساندة من قوات غربية، لكنها عجزت عن التغلّب على طالبان أو تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان". لا تحظى طالبان في مواجهة خصمها، حاليا، بمساعدة خارجية تذكر ولا بدعم استخباري واستطلاعي عسكري أميركي، لكن الحركة تعرف عدوّها والميدان. والأسبوع الماضي أعلنت القضاء على خلية لتنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان" في كابول، عقب تفجير انتحاري استهدف ثاني أكبر مسجد في المدينة. كما تحظى الحركة الحاكمة أفغانستان بدعم محتمل من مجموعتين تعرفان جيدا تكتيكات تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان"، بينما جاء في تقرير لمركز "صوفان"، ومقرّه الولاياتالمتحدةالأمريكية، أن "طالبان ستعتمد في مقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان على شبكة حقاني والقاعدة، وأطراف أخرى، للحصول على الخبرات القتالية والمؤازرة اللوجستية".