يختلف فقهاء القانون الدستوري المغربي حول أثر التنصيب البرلماني للحكومة، بين من يرى فيه شكلا من أشكال الثقة البرلمانية يكون موضوعها حكومة استكملت شروط التشكيل الدستوري، ومن يعتقد أنه بمثابة عقد ازدياد الحكومة. أي أن جوهر الخلاف يتعلق بالوجود القانوني للحكومة وأهليتها لممارسة كامل اختصاصاتها الدستورية. يندرج هذا النقاش في إطار تمييز الفقه الدستوري بين نظامين أساسيين، نظام رئاسي على الشكل الأمريكي، مبني على فصل السلط، ونظام برلماني على الشكل البريطاني، يشترط فيه دعم السلطة التنفيذية من الأغلبية البرلمانية. وبين هذين النظامين ينتصب نظام شبه رئاسي يتميز باقتسام السلطة التنفيذية بين جهازين (bicéphalisme): رئيس الدولة، ويستمد السلطة من الشعب وغير مسؤول أمام البرلمان، والحكومة، وتستمد سلطتها من البرلمان وتظل مسؤولة أمامه. وقد كان النظام المغربي منذ الاستقلال يصنف ضمن الأنظمة شبه الرئاسية كما هو الحال في فرنسا. غير أن صدور دستور 2011 والتنصيص على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية برلمانية وعلى العديد من المقتضيات المكرسة للطابع البرلماني للنظام الدستوري المغربي، أدى إلى فتح نقاش دستوري حول العديد من القضايا ذات الصلة بالموضوع، ومنها مسألة التنصيب البرلماني للحكومة، وطبيعتها وآثارها القانونية على الحكومة المعينة. وللتفصيل في الموضوع سنتطرق إلى ثلاث مراحل أساسية في التشكيل الدستوري للحكومة: مرحلة تعيين رئيس الحكومة، مرحلة تعيين أعضاء الحكومة، ومرحلة تنصيب الحكومة، لنتطرق بعدها لتوضيح مفهوم تصريف الأمور الجارية (expédition des affaires courantes) ككتلة من الصلاحيات التي تمارسها الحكومة في مراحل انتقالية. 1- تعيين رئيس الحكومة ينص الفصل 47 من الدستور على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. وتختلف مسطرة تعيين رئيس الحكومة المغربي في جوهرها عن المسطرة المتبعة في غالبية الأنظمة شبه الرئاسية والأنظمة البرلمانية. فبخصوص الصنف الأول، غالبا ما تكون يد رئيس الدولة مطلوقة في تعيين رئيس الحكومة دون اشتراط الانتماء لحزب سياسي معين. أما في الأنظمة البرلمانية (إسبانيا مثلا)، فتنحصر سلطة رئيس الدولة في مرحلة أولى في اقتراح مرشح لرئاسة الحكومة، ولا يحق له تعيينه في هذا المنصب إلا بعد عرض برنامجه السياسي أمام مجلس النواب وموافقة هذا الأخير عليه. من الواضح إذن أن مسطرة تعيين رئيس الحكومة المغربي أخذت بعين الاعتبار الوضعية الدستورية لرئيس الدولة بصفته ملكا وأميرا للمؤمنين من جهة، وكذا الطابع البرلماني للنظام كما نص عليه الدستور من جهة أخرى. ونود أن نشير إلى أن هذه المسطرة، وإن كانت لا تطرح إشكالا معينا في حالة تعيين رئيس حكومة مباشرة بعد إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب، فإن تأويلها قد يكون محل خلاف في حالة تعيين رئيس حكومة بعد استقالة أو وفاة رئيس حكومة سابق، خاصة إذا وقع ذلك بعد مرور مدة زمنية طويلة من تنظيم انتخابات المجلس المذكور وتدحرج الحزب السياسي المتصدر إلى درجة ثانية أو أدنى منها (بسبب الاستقالات والطعون الانتخابية والوفيات). ومن جهة أخرى، نشير إلى أنه لم تتكلف أية مادة قانونية أخرى بتحديد صلاحيات رئيس الحكومة المعين قبل تشكيل فريقه الحكومي. غير أن الظاهر من الفصل الدستوري المذكور أن صلاحياته تقتصر خلال هذه المرحلة على اقتراح أعضاء الحكومة على الملك بعض إجرائه المشاورات السياسية الضرورة لضمان أغلبية مساندة له في مجلس النواب. وفي حالة ما كان رئيس الحكومة المعين عضوا في الحكومة المنتهية ولايتها، فلا شيء يمنعه من الاستمرار في ممارسة مهامه بهذه الصفة، تحت رئاسة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، في إطار تصريف الأمور الجارية إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة. 2- تعيين أعضاء الحكومة طبقا لمقتضيات الفصل المذكور أعلاه، يعين الملك أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. وتتألف الحكومة من رئيسها ومن الوزراء. كما يمكن أن تضم كتابا للدولة كما جاء في المادة 2 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة. هنا يطرح السؤال المحوري في هذا الموضوع، هل يعتبر التعيين الملكي للحكومة بمثابة تشكيل نهائي لها(constitution définitive du gouvernement)؟ وهل يحق لها ممارسة كافة صلاحياتها الدستورية؟ وهل يعلن تعيينها النهاية الفعلية لمهام الحكومة المنتهية ولايتها؟ قبل صدور القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، كانت المسألة موضوع جدل كبير بين المختصين والسياسيين. بين تأويل رئاسي للدستور يجعل من التعيين الملك تشكيلا للحكومة، وتأويل برلماني يشترط التنصيب من لدن مجلس النواب كشرط أساسي في التشكيل الحكومي النهائي. وهنا وجبت الإشارة إلى أنه في ظل دستور 1996 لم يكن الجدل حول هذا الموضوع بهذه الحدة. إذ كان التعيين الملكي هو لحظة ميلاد الحكومة الجديدة وإعلان النهاية الفعلية لمهام الحكومة المنتهية ولايتها. كما كان إخضاع البرنامج الحكومي للتصويت البرلماني خاضعا لقواعد الثقة البرلمانية ولم يذكر بتاتا مفهوم التنصيب البرلماني. 3- التنصيب البرلماني غير أن دستور سنة 2011 كرس قواعد ومفاهيم جديدة في هذا المجال. حيث أقر نظام الملكية البرلمانية، واشترط تعيين رئيس الحكومة داخل الحزب السياسي المتصدر لانتخابات مجلس النواب، كما تم استعمال مفهوم التنصيب مقرونا بمفهوم الثقة البرلمانية. حيث جاء في الفصل 88 أنه "يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه... يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبه تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي". كل هذه الاعتبارات دفعت العديد من المختصين إلى اعتبار التنصيب البرلماني شرطا أساسيا في التشكيل النهائي للحكومة. وبعد صدور القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، تم تكريس التأويل البرلماني وجعل صلاحيات الحكومة المعينة قبل التنصيب البرلماني تقتصر على تصريف الأمور الجارية وإعداد البرنامج الحكومي وإصدار التفويضات اللازمة لاستمرار المرافق العمومية (المادة 38). أي أن التعيين الحكومي يعلن النهاية الفعلية لمهام الحكومة المنتهية ولايتها، غير أن الحكومة الجديدة تظل ناقصة الأهلية إلى حين تنصيبها من لدن مجلس النواب. تصريف الأمور الجارية طبقا لمقتضيات المادة 37 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، يقتصر تصريف الأمور الجارية على اتخاذ المراسيم والقرارات والمقررات الإدارية الضرورية والتدابير المستعجلة اللازمة لضمان استمرارية عمل الدولة ومؤسساتها، وضمان انتظام سير المرافق العمومية. وتستثني نفس المادة من تصريف الأمور الجارية الالتزام بصفة دائمة ومستمرة، وخاصة المصادقة على المشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية وكذا التعيين في المناصب العليا. يذكر أن المجلس الدستوري بمناسبة مراقبة دستورية هذه المادة (قرار 2015/955 بتاريخ 04/03/2015)، أقر أنه "ليس فيها ما يخالف الدستور، إلا أنه يتعين في إعمالها مراعاة ما قد تستلزمه حالة الضرورة من اتخاذ تدابير تشريعية أو تنظيمية لمواجهتها". ما يعني أنه يجوز لحكومة تصريف الأمور الجارية المصادقة على مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية التي تستلزمها حالة الضرورة. على الرغم من الوضوح النظري للمادة أعلاه وملاحظة المجلس الدستوري بخصوصها، فإن الحسم في اندراج إجراء معين ضمن تصريف الأمور الجارية من غيره قد يكون موضوع خلاف من الجانب العملي، خاصة في ما يهم التكييفات المتعلقة بالاستعجال، والديمومة وحالة الضرورة. غير أن الإشكال الجوهري المطروح بهذا الخصوص يرتبط بزمنية تصريف الأمور الجارية. أي بتحديد بداية ونهاية هذا الوضع الدستوري. ففي ما يتعلق بالحكومة المنتهية ولايتها، لئن كان تاريخ نهاية تصريفها للأمور الجارية محددا في تاريخ تعيين الحكومة الجديدة، فإن الإشكال يطرح بخصوص تاريخ بدايته. فالدستور حدد مدة ولاية مجلس النواب، لكن مدة ولاية الحكومة تظل غير محددة زمنيا. هذا الغموض يفتح المجال على العديد من الفرضيات بخصوص تاريخ نهاية الولاية الحكومية: تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية، أو إعلان نتائجها؟ تاريخ افتتاح دورة أكتوبر من السنة الخامسة من الولاية التشريعية (نهاية مدة انتداب أعضاء مجلس النواب)؟ تاريخ تعيين رئيس الحكومة الجديد؟ يصعب الحسم في هذه الفرضيات في ظل الفراغ التشريعي وغياب اجتهاد قضائي في الموضوع. أما بخصوص الحكومة الجديدة التي تباشر تصريف الأمور الجارية بمجرد تعيينها من طرف الملك وإلى غاية تنصيبها من طرف مجلس النواب، فنهاية تصريف الأمور الجارية غير محددة بدقة لعدم تحديد سقف زمني للحكومة الجديدة لتقديم برنامجها الحكومي قصد تنصيبها من طرف مجلس النواب. وهنا أيضا يتعلق الأمر في نظرنا بفراغ دستوري قد تكون له آثار سلبية على تدبير الزمن الحكومي.