قال محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إن الفساد في مفهومه العام يعتبر من المعيقات الكبرى للتنمية وأحد أسباب الضعف الثقافي للنموذج التنموي الحالي. وأشار الراشدي إلى أن الفساد تساهم فيه عوامل عدة، من بينها خيانة الأمانة وإساءة استخدام السلطة والزبونية، وهو ما يؤثر سلبا على قدرات الفاعلين الاقتصاديين والمبادرة الفردية، ويشجع الاقتصاد غير المهيكل ويوسع دائرة اقتصاد الريع على حساب الاقتصاد المنتج للقيمة. وأورد المتحدث في ندوة رقمية نظمتها جمعية "ترانسبارنسي المغرب"، الخميس، لتقديم دراسة بعنوان "الرشوة النسقية كعامل ومؤشر للتنمية السيئة"، أن انتشار الفساد ينتج عنه تفاقم للتفاوتات بين المواطنين وتهديد للتماسك الاجتماعي، ويقوض في النهاية أسس دولة القانون. وفي نظر الراشدي، فإن مستويات الفساد دوليا وإقليميا عرفت ارتفاعا بسبب جائحة فيروس كورونا، وهو ما تجلى في عدد من التقارير والمؤشرات. أما وطنيا، فقد سجل المستوى استقرارا، لكن المغرب لم يربح خلال عشرين سنة الماضية إلا ثلاث نقاط في مؤشر إدراك الفساد (ipc). وأكد رئيس المؤسسة الدستورية ذاتها أن المغرب ما يزال يعاني من ظاهرة الفساد، وأورد في هذا الصدد عددا من أوجه القصور ذات العلاقة بالفساد التي تطبع النموذج التنموي الحالي، من بينها عدم الوفاء بوعود دستور 2011 وغياب رؤية لتوجهات السياسات العمومية. وذكر الراشدي من بين أوجه هذا القصور أيضا، استمرار وتفشي اقتصاد الريع، والتركيز الاقتصادي الذي يتجلى في كون أقل من 400 شركة تحقق 50 في المائة من رقم المعاملات في القطاع الخاص، كما أن 50 في المائة من موارد الدولة برسم الضريبة على الشركات تتأتى من 73 شركة فقط. وأضاف المتحدث أن النموذج التنموي الحالي يعاني من استمرار تراجع معدل النشاط وارتفاع معدل البطالة، خصوصا لدى الشباب والنساء والساكنة الهشة، إضافة إلى تعطل المصعد الاجتماعي وتفاقم التفاوتات الاجتماعية والمجالية. وأورد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن المغرب يعاني من ضعف "فاعلي التغيير" مقابل "قوات المقاومة"، ناهيك عن غياب الرؤية على المستوى المؤسساتي في العلاقة بمراكز القرار، وهو ما ينتج عنه غياب التناسق والوضوح. وقال الرشدي في مداخلته إن اقتران أوجه القصور هذه كلها يؤدي إلى "تدهور قيم المواطنة والأخلاق والمصلحة العامة، وبالتالي التأثير سلبا على الثقة"، ودعا إلى العمل على إخراج المغرب من هذه الوضعية التي لا تحافظ على مصالح الأجيال الحالية والمقبلة. ونادى رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في هذا الصدد بوضع المغرب على سكة تنمية شاملة ومستدامة من خلال تشجيع المقاربة التشاركية والابتكار والمنافسة الحرة، وضمان الوصول العادل إلى وسائل الإنتاج، والوضوح في تطبيق القوانين كأساس لدولة الحق والقانون، وضمان توفر المعلومات العمومية.