لأول مرة يفك بنكيران عقدة لسانه ويعلن في معرض ترأسه لأول اجتماع للجنة الإشراف على الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الأسبوع الماضي ،بأن تكلفة الفساد من قبيل الرشوة واستغلال النفوذ والإثراء غير المشروع والاختلاس والوساطة والمحاباة وتضارب المصالح والغدر والابتزاز تفوق 2 بالمائة من الناتج الوطني الإجمالي. وان الفساد وفق ما جاء في بلاغ الحكومة حول الاجتماع الأول للجنة الإشراف على الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ،أصبح آفة حقيقية تضرب في الصميم المجهود التنموي وتنعكس سلبا على صورة المغرب دوليا وتؤخر تصنيفه على مستوى مؤشرات النزاهة و تسهيل الأعمال وجودة مناخ الاستثمار . اجتماع يعد الأول من نوعه في عرضه المتكامل لمشروع إستراتيجية محاربة الفساد بأهداف محددة وآجال واضحة ، وتطارحه للقضايا المواكبة لإطلاق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ، من إصدار قانون الولوج إلى المعلومات بمواصفات دولية وتخويل الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة صلاحيات قانونية واسعة وإمدادها بالموارد المالية والبشرية للقيام بدورها وإصلاح القضاء. الأمر الذي يعني أن البلاد أصبحت في مواجهة فساد نمطي يخترق جميع المجالات و جميع القطاعات وإن بدرجات متفاوتة، سياسية و انتخابية ،اقتصادية وإدارية، حسب ما صرح به عبد السلام بودرار رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة خلال منتدى وكالة المغرب العربي للأنباء في معرض مقاربته الجواب حول ضرورة وضع إستراتيجية وطنية من أجل القضاء على الرشوة ، وهذا في الوقت الذي أكد فيه سيون أسيدون، عضو لجنة الإشراف، وأول مؤسس لجمعية "ترانسبارانسي المغرب، سنة 1996، على أن المغرب بلغ لحظة حرجة، باتت تتطلب التسريع بوضع الإستراتيجية على أرض الواقع. وتهدف الخطة الإستراتيجية إلى تقوية مناعة المجتمع ضد التعامل بالرشوة والفساد، وترتكز على ثلاثة جوانب أساسية، تتمثل في التوعية والتحسيس، وتضطلع بهذه المهمة وزارتا التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، بمشاركة بعض الفاعلين الجمعويين المتخصصين في مكافحة الرشوة والفساد. أما الجانب الثاني، فيتعلق بطرق الوقاية من الرشوة، والجانب الثالث، يتخصص في تنفيذ طرق الردع من التعامل بالرشوة، وتعاطي الفساد في مختلف مناحي الحياة العامة. إستراتيجية تقر بضرورة محاربة الرشوة التي تعتبر دوليا ووطنيا من أخطر المظاهر التي تحد من جاذبية الاقتصاد، وتشوه صورة المغرب لدى المستثمرين ووكالات التنقيط الدولية، التي تأخذ بعين الاعتبار كل ماله علاقة بالشفافية في اتخاذ القرارات وخاصة في تدبير الشأن الاقتصادي والمالي ، وهذا خارج استحضار واقع الاقتصاد المغربي الذي يفقد سنويا ما قيمته 20 مليار درهم، على حساب النمو الوطني بسبب اقتصاد الريع الذي يتمظهر في غياب النزاهة وغياب المنافسة الشريفة في السوق الوطني. وبهذا الخصوص ، ومن بين خمس ركائز وقفت عليها الإستراتيجية الوطنية استنادا إلى دراسات المقارنة في ضوء بعض التجارب الدولية الناجحة في تطويق الفساد ،استقر مقترح الحكومة على ركيزة الزجر مرفوقة بآليات التوعية والتحسيس ، فيما أجمعت هيئات المجتمع المدني التي شاركت في اجتماع لجنة الإشراف حول ركيزة الزجر باعتبارها الأداة الناجعة للحد من الفساد وتقليص آثاره الوخيمة على البلاد والعباد. وفي هذا الإطار، شدد البشير راشدي الكاتب العام السابق لجمعية "ترانسبارانسي المغرب" ،في تصريحه لبعض الصحافة ، على ضرورة العمل وفق الركائز الثلاث، التي تتأسس عليها الخطة الاستراتيجية، وإلا لا يمكن الحديث عن مكافحة الفساد والرشوة، أو عن نتائج مرضية لهذه الخطة الاستراتيجية. هذا، وعلى الرغم من توفر المغرب على ترسانة قانونية ملائمة لكنها ، في غياب استراتيجية واضحة لمكافحة الفساد ، تظل غير كافية على مستوى الآليات الزجرية والوقائية، بالإضافة إلى عدم توفر العاملين في مجال التقصي في قضايا الفساد على الوسائل التقنية الكفيلة بالقيام بالمهام المنوطة بهم، علاوة على «وجود إطار مؤسساتي في هذا المجال يفتقد للتناسق»، و «غياب قضاء متخصص في مكافحة الفساد، وعدم تماسك آليات التبليغ عنه.» حسب ما فاه به بودرار لبعض الصحافة العربية الصادرة بلندن . وفي هذا الصدد تثور الإكراهات التي عانت منها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، والتي تتمثل في محدودية التدخل، والذي ينحصر في الأفعال المتعلقة بالرشوة والاختلاس والغدر واستغلال النفوذ، وغياب بعد المكافحة والاقتصار على الجانب الوقائي، وغياب آليات تلزم القطاعات المعنية على الإدلاء بالوثائق اللازمة المساعدة على قيام الهيئة بمهامها. فعلى الرغم من أهمية استرجاع الأموال والمتابعات القضائية ومتابعة المفسدين ، إلا أن هذا يبقى غير كاف ، حسب ما تذهب إليه تقارير هيئات وطنية مختصة ،لأن الأمر يتعلق بظاهرة نمطية أصبحت تستوجب إصلاحا شاملا لمواجهة اتساع رقعة الفساد واكتساحها لمختلف المجالات، حد أن صارت شرائح مهمة من المجتمع تطبع مع الفساد وتقبله كواقع ، وهذا خارج العراقيل التي تواجه محاربة الظاهرة والتي تتمثل في صعوبة الكشف عن حالات الفساد، وضعف حصيلة المتابعات المتعلقة بالظاهرة مقارنة مع المخالفات المرصودة،. لذا وإن كان الانتقال من الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يعد قفزة نوعية في محاربة الرشوة والفساد ، حسب الحكومة، فإن أوساطا حقوقية لم تتردد في إعلان مخاوفها من أن تؤدي الطريقة التي تم بها تعيين أعضاء الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة إلى التأثير على استقلالية الهيئة، المعروض مشروع قانونها على البرلمان . الأمر الذي يسائل الإرادة السياسية الحقيقية للحكومة وعزمها في خوض معركة من أشرس المعارك التي يواجهها المغرب مجتمعا ودولة عبر تبني مشروع قانون يجعل من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها سلاحا فعالا لكسب معركة الشفافية والحكامة وتخليق الحياة العامة، وذلك عبر الإقرار بصلاحياتها القانونية في المبادرة والتصدي التلقائي وحقها غير القابل للتصرف في التدخل الفوري في جميع أفعال الفساد التي تصل إلى علمها ووصولها إلى كل ما يمكنها من القيام بأدوارها من وثائق ومعلومات ومستندات دون تحجج بالسر المهني وتمكينها بامتداد ترابي عبر كل جهات المملكة. ومعلوم أن دستور يوليوز 2011 قد قضى ببعض التحولات في هذا الاتجاه، حيث تم تغيير اسم الهيئة من «الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة» إلى تسميتها ب «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها». وهذا في مسعى للانتقال بالهيئة من صلاحيات الوقاية إلى وظيفة الوقاية والتتبع ومحاربة الرشوة. ذلك أن الفصل 36 من دستور 2011 نص على إحداث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك في إطار محدد لعمل الهيئة يحدد الفصل 167 بعض تفاصيلها التي تنص على تولى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، على الخصوص، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة. وتكمن خارطة عمل الهيئة في سياق قانوني مفاده، أن القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي، كما أن على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات،وإنزال العقوبات على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية. وفي هذا السياق يرى عز الدين أقصبي، نائب الكاتب العام لترانسبارنسي المغرب، أن تفعيل دور الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، رهين بوجود إرادة سياسية حقيقية تهدف إلى تطويق الفساد وردع المفسدين، وتعزيز المساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب، ومحاربة الريع السياسي، ومنع تحقيق الامتيازات، وتخليق القضاء وترسيخ دوره في مكافحة الفساد، وضمان حق وأمن المواطنين في التبليغ عن الفساد ومعاقبته، وترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد في إطار الاضطلاع بالمهام المخولة لها بمقتضى مرسوم الإحداث . لذا، فأن مراجعة الإطار القانوني المنظم للهيئة سيمكنها من الاضطلاع بمهامها الموضوعية والفعالية المطلوبتين، مراجعة ينبغي أن تشكل انطلاقة جديدة ، تكون فيها الهيئة قادرة على مكافحة الفساد وليس فقط الوقاية منه، وقادرة أيضا على التحري والإحالة على القضاء بدل الاكتفاء بإبداء الرأي الاستشاري. وكانت مناظرة طنجة الدولية حول "المنافسة واقتصاد الريع ونظام المرافعة" ،قد سطرت في توصياتها على أن التصدي لكل مظاهر الفساد وتنقية الاقتصاد الوطني من كل الشوائب المضرة بالتنافسية الشريفة كفيل بان يربح المغرب نقطتين في معدل النمو سنويا، معتبرا أن الأولية في إصلاح الاقتصاد الوطني يجب أن تتجه إلى الحد من الاحتكارات بضمان الشفافية والنزاهة والمنافسة المشروعة في سوق الصفقات العمومية، والعمل على الحد من مظاهر الريع المتفشي في المجتمع وخاصة في القطاع العام من خلال وضع آليات وقواعد لتقنين آليات المنافسة. وهذا في الوقت الذي سجل فيه مؤشر الرشوة بالمغرب، حسب مؤشر إدراك الرشوة برسم السنة الماضية، الذي أصدرته منظمة "ترانسبرانسي الدولية" ببرلين، أن المغرب حصل على 39 نقطة على 100، واحتل المرتبة 80 على 175، بعدما احتل سنة 2013 المرتبة 91 ضمن 177 دولة بتنقيط 37 على 100. وتتقدمه في الترتيب 13 دولة إفريقية، و8 دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومعلوم أن الدستور الجديد يشدد في الشق المتعلق بالاقتصاد الوطني على تحقيق النمو من خلال تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي، وذلك عبر العديد من الإجراءات والآليات وعلى الخصوص منها ، ضمان حرية المبادرة الخاصة، ودولة القانون في مجال الأعمال، وتعزيز اختصاصات مجلس النواب، ودسترة التمثيلية المناسبة للهيئات المهنية والمقاولاتية الأكثر تمثيلية في مجلس المستشارين، وترسيخ استقلال القضاء مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، وتكريس مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة، وتعزيز آلياتها، ودسترة مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة.