إن الصلاحيات المحدودة المخولة الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، التي تم إحداثها سنة 2009، كمرصد موضوعي لملامسة قضايا الفساد، لم يسمح لها باتخاذ أي موقف مؤسساتي فاعل إزاء قضايا الفساد بتحريك البحث والتحقيق في هذه القضايا لإطلاق المتابعة أو للتبرئة، فهي صلاحيات لا تسمح بها وضعيتها القانونية لماقبل دستور2011 التي تظل في مجملها وضعية وقائية. وفي انتظار خروج الإطار القانوني الجديد للهيئة، يمكن القول أن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة توجد حاليا في مرحلة تعزيز المكتسبات في مجال مكافحة الرشوة وتخليق الحياة العامة. و رغم الانخراط التدريجي للمغرب، خلال العقد الأخير في إرساء أسس المنظومة الوطنية للنزاهة، من خلال اعتماده عدة إصلاحات قانونية ومؤسساتية تراجع المغرب على مستوى محاربة الفساد، إذ احتل المغرب المرتبة 85 من 119 دولة في مؤشر ادراك الرشوة برسم 2010 والمرتبة التاسعة عربيا من أصل 17 دولة عربية. إن الاختصاصات التي خولت للهيأة والآليات القانونية التي وضعت رهن إشارتها لم تكن كفيلة بتشييد منظومة وطنية حقيقية للنزاهة، ومواكبة للإصلاحات الدستورية والسياسية الاقتصادية التي يشهدها المغرب. ويعتبر أحمد المومني، إطار إداري وباحث في القانون العام، أنه بالرغم من أن هناك إرادة معلنة من أعلى سلطة بضرورة مكافحة الفساد، بعد أن أصبح مؤكدا أن هذه الآفة تشكل عقبة أساسية أمام اختيارات المغرب التنموية وانفتاحه المتواصل واستقرار وأمن بلادنا. إلا أن هناك صعوبة الإشراف والتنسيق بالنسبة لهذا الورش الحيوي، فالحكومة لم تتجاوب مع أغلب المقترحات، واكتفت بتحيين برنامج عملها وفق مقاربة لا تستوعب مقومات البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، ولا تدرج ضمن أولوياتها المقترحات الأساسية ذات الأثر الفوري والمباشر على الرأي العام، والمرتبطة على الخصوص بتفعيل آليات إنفاذ القانون، وتحصين الجهاز القضائي بالاستقلالية والتخصص اللازمين للاضطلاع بدوره الأساسي في مكافحة الفساد والمفسدين، ولا تكرس مقاربة قطاعية وتشاركية فعالة، ولا تدرج ضمن برامجها البعد الجهوي ومستلزمات الحكامة الترابية. لقد جاء دستور 2011 ببعض التحولات في هذا الاتجاه، حيث تم تغيير اسم الهيئة من «الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة» إلى تسميتها ب «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها». وهذا في مسعى للانتقال بالهيئة من صلاحيات الوقاية إلى وظيفة الوقاية والتتبع ومحاربة الرشوة. فالفصل 36 من دستور 2011 نص على إحداث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. وذلك في إطار محدد لعمل الهيئة يحدد الفصل 167 بعض تفاصيلها فيمايلي: تتولى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، على الخصوص، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة. وتكمن خارطة عمل الهيئة في سياق قانوني مفاده: أن القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي. كما أن على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. كذلك يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية. ويرى عز الدين أقصبي، نائب الكاتب العام لترانسبارنسي المغرب، أن تفعيل دورالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، رهين بوجود إرادة سياسية حقيقية تهدف إلى تطويق الفساد وردع المفسدين، وتعزيز المساءلة وإعطاء الحساب، ومكافحة الإفلات من المتابعة، ومكافحة الإفلات من العقاب، ومحاربة الريع السياسي، ومنع تحقيق الامتيازات، وتخليق القضاء وترسيخ دوره في مكافحة الفساد، وضمان حق وأمن المواطنين في التبليغ عن الفساد ومعاقبته، والنهوض بقدرات المكافحة لدى الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد في إطار الاضطلاع بالمهام المخولة لها بمقتضى مرسوم الإحداث. ويضيف أقصبي أن مراجعة الإطار القانوني المنظم للهيئة سيمكنها من الاضطلاع بمهامها الموضوعية والفعالية المطلوبتين. مراجعة ينبغي أن تشكل انطلاقة جديدة ، تكون فيها الهيئة قادرة على مكافحة الفساد وليس فقط الوقاية منه، وقادرة أيضا على التحري والإحالة على القضاء بدل الاكتفاء بإبداء الرأي الاستشاري.