نشأ التشكيليُّ والناقد شفيق الزكاري، إبان ستينيات القرن الماضي، في بيت مغربي راقٍ، موريسكي الهندسة، مزخرف ومنقوش، له زليج ملون، وأبواب أندلسية عتيقة، ومكتبة كبيرة، وأثاث نحاسي وآلة بيانو، مما كان له تأثير واضح على توجّهه الفني، حسب ما أورده خلال سرده لجزء من سيرته في كتاب "مبدعون في حضرة آبائهم" لمعدّه المصطفى الإدريسي. هذا الفنانُ الإنسانُ خرّيج المدرسة العليا للفنون الجميلة بديجون في فرنسا، له تجربة تشكيلية ونقدية مهمة، تكشف عن شخصية فنية فيها من السخاء في الإبداع، ما يجعل صاحبها شفيق الزكاري، يكاد يتجرّد بالمطلق من ذاتيته وهو يكتب عن الآخرين تشكيليات السرد أطلّ شفيق الزكاري على قرائه حديثا بكتاب "سرديات تشكيلية" الحافل بالسّير والمسارات والمواقف والأساليب، مقدّما حكايات وانشغالات الفنانين التشكيليين المغاربة والأجانب. ويأتي هذا الكتاب الجديد، مرورا بعتبة المؤلف، بمضامين فنية تدعو إلى التساؤل وتؤسس لمرحلة جديدة في المشهد التشكيلي، سواء على المستوى المغربي أو العربي أو العالمي، ويجمّع أسماءً إبداعية يراهن الزكاري بقوّة على ما تختزنه من حكايات مطمورة في خلفياتها المختلفة فكرا وإنجازا. نجد بين دفّتي كتاب "سرديات تشكيلية" ما يربو على الخمسين حكاية فنية، موزّعة على فصلين، إضافة إلى ما يعادلها من صورٍ للوحات فنية تشكيلية، تربط بين مبدعيها وبين ما تناوله الزكاري عنهم في مقاربته لتُحفهم، وذلك من أجل تقريب تجاربهم من ذهن المتلقي. حكايات الفن نقرأُ لشفيق الزكاري في مقطع من حكايته الفنية العربية "الواسطي، ومقامات الحريري": "إن ابتعاد التشكيليين العرب المسلمين عن التشخيص في فترات معينة، كان صراعا فكريا له مرجعية دينية كما كان عليه الحال في جميع ديانات التوحيد، فمنهم من اتخذ من التجريد والخط العربي والتوريق والهندسة... موضوعا لإبداعاته إيمانا منه بتحريم الصورة، ومنهم من اشتغل في نفس الاتجاه، لكن في إطار البحث عن الهوية العربية الإسلامية، للانسلاخ من رواسب النمطية الفلكلورية التي عمل الغرب على تشجيعها وتكريسها". ونقرأ في مقطع آخر من حكايته الفنية الغربية "سالفادور دالي، ومعركة تطوان": "تعتبر لوحة 'معركة تطوان'، من بين الأعمال الكبيرة التي أنجزها الفنان سالفادور دالي سنة 1962، تأريخا لهذه الواقعة التي دمغت بانتصارها ذاكرة الإسبانيين وبانهزامها ذاكرة المغاربة". لقد اختار شفيق الزكاري، الفنان التشكيليّ والناقد، مواضيع سردياته من نماذج فنية عالمية على ارتباط وثيق بأحداث تاريخية وثقافية توثق صيرورة الفن، ويعتبر إنجازه هذا نتاج انفتاحه على الساحة التشكيلية العالمية، ومراكمته البحث الفني نقداً وتحليلاً وممارسةً وإنتاجاً. المتأّمل للوحته التشكيلية على غلاف كتاب "سرديات تشكيلية"، يكتشف أنها أولى الحكايات الفنية لأنّ مبدعها الزكاري يمتلك ريشة جمالية ومعرفية، تضعه في خانة شخصيات كتابه من التشكيليين الكبار، الذين ما فتئ يرتاد عوالمهم وتجاربهم ومشاهدهم، لكنه في غمار اشتغاله على الاعتراف بفنهم، غالبا ينشغل عن شرعية الإقرار بفنه كنموذج عالمي، وربما كان صديقه الشاعر صلاح بوسريف محقا عندما قال له يوما: "لقد تركتَ مكانك للآخرين".