قال شفيق الزكاري، ناقد فني فنان تشكيلي، إن "المكتبة المغربية فقيرة فيما يتعلق بالفنون التشكيلية" في سياق حديثه مساء الخميس في متحف بنك المغرب بندوة حول تعابير وجماليات الخط العربي. وأضاف الزكاري أن الحرف العربي ارتبط تاريخيا بالمعمار، خصوصا مع الأماكن المقدّسة الخاصة بالعبادة، وهو جزء أيقوني يعكس نظرة موحدة للثقافة العربية الإسلامية في بعدها الشامل؛ وهو ما دفع الفنانين إلى الاهتمام به، بعد خروج الاستعمار، لمتحِهِ من الهويّة في بعدها الوجودي. هذا الاهتمام الذي عرفه الحرف العربي بعد خروج الاستعمار ليس وليد الحاضر، حسب الناقد الفني المغربي، بل سبق أن استلهمه مجموعة من الفنانين مثل فناني المنمنمات مثل الواسطي؛ الذي كان يراه مكمّلا للّوحة في منظورها السردي ومحقّقا للتوازن المرئي. ويذكر شفيق الزكاري أن الاهتمام بالحرف العربي كانت له امتدادات في الزمن مع الشيرازي والدّؤلي، ثم مع المعاصرين، فكوكبة التشكيليين الذين سخّروا الحرف العربي في تجربتهم التشكيلية؛ وهو ما يرى الباحث أنه اهتمام دعت إليه "الضرورة الوجودية"، بعدما وُضِع التشكيليون في مفترق الطرق مع استقلال بلدانهم بسبب تكوينهم مزدوجِ اللغة والثقافة، وتفكيرهم في سبل للتعبير عن الموروث، والخروج من مأزق التبعية. وقال جون فرانسوا كليمون، باحث متخصّص في الأنثروبولوجيا المغربية، إن ما يُرى قطيعةً في الاستعمال الفني للخط العربي يحمل دلالات على الاستمرارية، على الرغم من توقيع الخطاطين اليوم أعمالهم، وتغير الأدوات باستعمال البعض الريشة أو خلق بعض الخطاطين آلاتهم الخاصة، واستعمال جلد الخروف وأثواب أخرى بدل الورق. وتحدّث الباحث، الذي كتب وأشرف على مجموعة من الكتب حول الإبداع الفني بالمغرب، عن الإرادة التي كانت في أواسط القرن العشرين لخلق فن عربي موحّد بعيدا عن تشتت الأوطان، واستبدال الخطوط المستعملة بأحرف تُصَيّرُ تجريدية، ثم التحول في النَّظَر بعد الهزيمة إلى الرغبة في فن إسلامي معاصر. وتوقف جون فرانسوا كليمون عند تحول الخطاطين إلى "حَرْفِيِّين" فنّانين، كما أشار إلى "القطيعة المهمة" التي عرفت قراءات سياسية رأت الخط معارضا للفن الاستعماري، وزاد مقترحا قراءة جمالية للحرف الذي لم يعد حرفا بل إحساسا بالضيق وغير المفهوم والمخفي، ليس له شكل، ويعطي متعة جمالية. وفي سياق حديثه عن التحولات التي عرفها الخط العربي وجعلته خطا تجريديا يحوّل الكتابة المقروءة إلى كتابة غير قابلة للقراءة، عرج الباحث المتخصّص في الأنثروبولوجيا المغربية على "القوة" عند الكتابة التي جعلت كل فنان يخلق دلالته التي يريدها بعدما كان الخطّاط يرتكز في تعلُّمه على "الحركة" وتعلّم الخط بالممارسة المستمرة لها. وذكر أحمد لطف الله، أكاديمي ناقد فني، أن المُنَمْنَمَة العربية جنس عربي وفارسي وتركي، وحصيلة تجانس حضاري ينسب عادة إلى "الفن الإسلامي"، وزاد موضِّحا أن "إسلاميَّة المُنَمْنَمَة" لا علاقة لها بالدين الإسلامي، بل بمجموع ما أنتجته مجموعة من الدول التي دانت بدين الإسلام. ويرى لطف الله أن حضور الكتابة في لوحات المنمنمات، وجمالية الكاليغرافيا والرسم بها وفعل الزخرفة، له هاجس جمالي يعدّ من النوازع المشتركة بين المنمنمات والخط العربي، وزاد مبيّنا أن "الزخرفة الإسلامية" بجذورها في الفن البيزنطي والفارسي تعتمد تقنيات مثل: التكرار، والتكامل مع عناصر مختلفة. وتحدّث الناقد الفني عن القيمة العالية التي كان يولاها الخطاطون؛ وفسّرها لا بطاقَتِهِمُ الفنية التي يمثِّلُها مُنجَزُهُمُ الجمالي، بل باختصاصهم بكتابة القرآن الكريم. وزاد مستشهدا بالكاتب المغربي محمد أديب السلاوي ليخلص إلى أن اللجوء إلى الحرف العربي كان لِما يتمتّع به من مسحة جمالية وطهرانية ومغالبته الروح أكثر من العين. من جهته، تحدّث محمد قرماد، فنان تشكيلي وخطاط عمل بالتلفزيون المغربية، عن "تجربته الصعبة والمريرة مع الخط"، منذ حصوله على الباكالوريا العلمية وانتقاله إلى الميدان الفني ودراسته ببلجيكا، وطوافه العالم بقارورة حبر وقلم. ثم عرج الخطاط المغربي على مجموعة من المواقف الصعبة التي لقيها في مسيرته من كتابة أسماء المشاركين في البرامج، وإعداد الرسوم المتحرّكة، والطباعة المستعجلة للكتب المدرسية في إسبانيا مع أحمد بوكماخ، وأكبر خطأ فني في سهرة كان يشاهدها كل المغاربة، وصولا إلى التحديات التي تواجه الخطّاطين اليوم مع التطوّر الرقمي.