على الرغم من كون هذه اللمحة الموجزة عن تاريخ الخط المغربي ليست ملمة بكل جوانبه، مثل تقنيات الخط و أداوتها، ومشكل القواعد والموازين، واستيفاء تاريخ أعلامها، فإن الضرورة تدعو إلى إعادة النظر في شؤون الخط المغربي وقضاياه، ومحاولة بعثه حضاريا، كأحد الوجوه التي تعبر عن هويتنا، ذلك أن خمسة عشر قرنا من تاريخ حضارتنا كلها مسجلة بهذه الخطوط اليدوية، وغن معظم طلابنا- ولو أنهم في مستويات متقدمة من التعليم- يجدون عسرا في قراءة الوثائق والمخطوطات ! كما أن دخول الإعلاميات من الحاسوب والانترنيت وآليات الكتابة السريعة إلى حياتنا الثقافية، أكسبت سرعة في الخدمات الكتابية، ولكنها سلبت من هذا الجيل-بالتدريج- حماسا في الكتابة اليدوية والتخطيط، وجعلته زاهدا في قراءة ما أنتجته حضارته من التراث المخطوط. ولتطوير الخط المغربي وتشجيع الإقبال عليه، فإن الأمر يستدعي الاهتمام بالقضايا الآتية : - على مستوى تغذية الجهاز البصري والتذوق الفني، هناك ضرورة ملحة لإدماج الخط المغربي في برامج التعليم ومدارس الفنون الجميلة، وتوظيفه في الإبداعات الفنية والأنشطة الثقافية والحياة العملية، حتى يحتل مكانته اللائقة به في المجتمع المغربي باعتباره أحد عناصر هويتنا الفنية والثقافية والحضارية. - وعلى المستوى البيداغوجي، هناك حاجة ماسة إلى "تقعيد الخط المغربي"، على غرار الخطوط العربية في المشرق، ويجري البحث اليوم لوضع قواعد وموازين تضبط الخطوط المغربية وتسهل تعلمها، ويراعى في هذه القواعد أن تحافظ على جمالية الخط المغربي وتسهل تذوقه فنيا ووظيفيا. وتسهم في إشعاعه خارج المغرب في أرجاء العالم العربي وغيره، إغناء للخط المغربي ونشرا للثقافة الفنية المغربية، ولا شك في أن عملا مثل هذا لا بد أن تتجند له طاقات الخطاطين والباحثين. وكان المرحوم العلامة محمد المنوني رحمه الله قد نبه غلى أهمية هذه المسألة وشجع عليها، وأثمر تشجيعه قيام بعض الخطاطين بإنجاز صيغة أولية لتقعيد الخط المبسوط، على أن يتم تقعيد بقية الخطوط لاحقا بإذن الله. - من أجل الحفاظ على الخط المغربي وإنقاذا للتراث المخطوط الذي تزخر به الخزانات المغربية، فالضرورة تدعو بكثير من الإلحاح لإنشاء معهد خاص للخط العربي والزخرفة الإسلامية، للاهتمام بثرواتنا الوطنية المخطوطة ونشرها بين الأجيال، من أجل التعريف بها وترسيخ حمولتها من القيم الحضارية. وعلى العموم فقد ظلت الخطوط المغربية متألقة بقيمتها الحضارية والفنية الجمالية، حيث تزخر الخزانات المغربية بمجموعة من المخطوطات والوثائق، التي يعبر مضمونها الفني الجمالي عن رقي القيم الحضارية والفنية التي تحفل بها بلاد المغرب. لقد استثمر عدد من الفنانين التشكيليين، والعديد من الحرفيين المغاربة مرونة الخطوط المغربية وتنويعاتها الجميلة، التي تتيح إمكانات غير محدودة للإبداع، ووظفوا الحرف العربي عنصرا من عناصر تشكيل لوحاتهم الفنية ورسوماتهم وزخرفتهم ونقوشهم على الخشب والجبس والحجر والمعادن، فخلفوا تحفا فنية ستظل شاهدة على جمال الخط المغربي وتألق قيمه الفنية والحضارية. "الخط المغربي : تاريخ وواقع وآفاق" / تأليف عمر آفا ومحمد المغرواي