انتهت فترة الراحة الصيفية و قرعت طبول المشجعين معلنة انطلاق موسم رياضي جديد من أطوار البطولة الاحترافية لكرة القدم بكل ما يرافقه من حماس جماهيري و مقابلات ملتهبة و منافسة شديدة على لقب البطل. و ككل موسم، تتوجه أنظار متتبعي المستديرة في بلادنا إلى المستطيل الأخضر و تتحول أحيانا لتتأمل اللوحات التي يصنعها الجماهير في المدرجات ما يضيف نكهة خاصة للبطولة المغربية. إلا أن مشاهد الفرحة و الاحتفالية و التشجيع الحضاري تتلطخ أحيانا ببعض أعمال الشغب التي تكون بمثابة فعل أو ردة فعل من طرف الجماهير و لا يمكن حصر أسبابها لأنها تمتد إلى الجانب الأخلاقي و الإجتماعي و الاقتصادي أو النفسي و الديني في بعض الحالات. و لعل التاريخ الكروي يزخر بفيض من حوادث شغب مأساوية تخدش بسمعة المستديرة و تجعلنا نعيد التفكير في الهدف الذي أنشأت لأجله مثل هذه الرياضات و إلى أي حد تتوفق الرياضة في نشر قيم التسامح و الإخاء بين جماهير الأندية و المنتخبات. و لا يمكن استثناء الملاعب الوطنية من لائحة هذه الأحداث، حيث يشهد كل موسم وقوع العديد من الاشتباكات بين جماهير الفرق الوطنية فيما بينها أو مع جماهير الفرق العربية التي تترحل مع فرقها إلى المدن المغربية، و يصاب عدد كبير من الشباب و المراهقين في هذه الاصطدامات و يفقد البعض أرواحهم فيما عاد يسمى بحرب الملاعب. و لظاهرة شغب الملاعب في المغرب أسباب عديدة و متفرعة و أشكال كثيرة، ولا يمكن حصرها في شغب الجماهير و عصبيتهم بل إن شغب اللاعبين أو المسيرين قد يكون أشد وطأة و أكثر ضررا على السير العادي للدوري . فبجرد بسيط للأسباب، يجب أن نقف عند البيئة التي ينشأ فيها جمهور كرة القدم باعتبارها عاملا مهما و يصعب تجاهله، حيث لا يجب أن نغفل أن تركيبة جماهير كرة القدم في المغرب تشبه نظيرتها في أمريكا الجنوبية، لأن أغلب من يرتاد الملاعب هم في الغالب من الطبقة المتوسطة و الفقيرة، التي تنشأ في ظروف صعبة يطغى عليها الجهل و الانحراف و التهميش من طرف الدولة، ما يخلق لدى هؤلاء حالة من الاحتقان و الحقد على الوضعية المزرية التي ترعرعوا فيها و يجدون في الملاعب الرياضية خير ملاد لإبداء رفضهم و تفريغ كبتهم أو إسماع صوتهم، فيظهر هذا جليا في الشعارات التي تصيح بها حناجر الجماهير طوال أطوار اللقاء و الرسائل الملغومة التي تتضمنها أهازيجهم. فبالاعتماد على معيار التنشئة الاجتماعية يمكن القول بأن جماهير الكرة في المغرب يشبهون قنبلة موقوتة تعبر عن صوت الطبقات المسحوقة و المقموعة في البلاد و قابلة للانفجار بفعل أبسط احتكاك. عامل آخر من العوامل المسببة الندلاع ثورات "الشغب" في الملاعب هو التحكيم الرديء في المغرب و ما يمكن أن يمكن أن يسببه قرار تحكيمي جائر في حق فريق وراءه أنصار سئموا الظلم و التحيز التحكيمي في بعض المقابلات. كما يمكن اعتبار الإعلام إحدى أهم الوسائل التي تضيف الزيت إلى النار لتأجج لهيبها بتحليلات بعض الإعلاميين و المحللين أو المعلقين المتحيزة لطرف معين أو اكتفاء المنابر الإعلامية المغربية -التلفزية و الإذاعية و الورقية- بتغطية أنشطة فرق دون أخرى و خاصة قطبي الدارالبيضاء-الرباط، ما يؤجج مشاعر جماهير الفرق الأخرى التي ترى أنها لا تحضى بنفس الاهتمام الذي تفرده وسائل الإعلام لأندية معينة. في كثير من الأحيان كانت تصرفات بعض اللاعبين و المدربين أو مسيري الفرق الطائشة و استفزازاتهم المتعمدة لجماهير الفرق المنافسة سببا في عرقلة سير المباريات و عاملا رئيسا في خلق غليان في صفوف الجماهير و لعل المواسم السابقة شاهدة على كثير من الأمثلة المشابهة. و يبقى أخطر عامل من بين كل العوامل التي سبق ذكرها، هو العامل الأمني. فلا تخلو ذاكرة كل مرتاد لملاعب كرة القدم في المغرب من حادثة اعتداء مبررة أو غير مبررة من طرف رجال أمن، حيث يمكن تحميلهم حظا وافرا من مسؤولية إثارة الشغب و كهربة الأجواء في صفوف الجماهير قبل بداية اللقاء حتى. فالمشجع المغربي يعتبر رجل الأمن عدوا له بسبب تشدد رجال الأمن في بعض الإجراءات و تسلطهم في بعض الأحيان، و يكونون بفضل معاملة بعضهم اللاإنسانية للجماهير سببا في إشعال شرارة الغضب و الاحتقان في المدرجات، بل إن العديد من المباريات في السنوات الأخيرة شهدت اشتباكات بين جماهير فرق معينة مع رجال الأمن أكثر من المواجهات التي تدور بين جمهور و آخر. ولا يمكن القول بأن الجماهير بريئة و ضحية التعسف الأمني دائما و لكن الاستعمال المفرط للقوة من طرف الأمن يولد عنفا مضادا في كثير من الأحيان يمتد مداه إلى خارج جدران الملعب و يلحق ممتلكات الدولة و سيارات و محلات المواطنين أو أرواحهم. و لعل من أنجع الحلول للقضاء على شغب الملاعب أو التخفيف من وطأته، هي التي سبقتنا إليها الدول الغربية التي كان لها تاريخ دموي مع هذه الظاهرة و سرعان ما تمكنت من تلجيمها عبر سن مجموعة من القوانين الصارمة و الإجراءات الضرورية لضمان سير عادي للمباريات. حيث يجب العمل على إنشاء فرق أمنية خاصة بالملاعب كما في الدول الأوروبية، و اللجوء إلى الفصل بين الجماهير عبر تخصيص ركن خاص بالجماهير الزائرة لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف من الظروف، و منع تنقل عدد كبير من الجماهير يفوق عدد المقاهد المخصصة لهم في الملعب، كما يجب محاربة بيع التذاكر في السوق السوداء و منع تسلل الجماهير إلى الملعب دون الحصول على تذكرة الولوج إضافة إلى عدم السماح بدخول عدد من الجماهير يفوق الطاقة الاستيعابية للملاعب و حظر إدخال مواد حادة أو قوارير زجاجية أو حجارة للملاعب لأنها تشكل خطرا على سلامة الحاضرين و أخيرا و ليس آخرا، تأمين رحلات و تنقلات الجماهير في الطريق خارج و داخل المدينة المستضيفة للمقابلة و داخل الملاعب و بعد نهاية المقابلة لتجنب أي احتكاك بجماهير الفرق المستضيفة. كل هذه الحلول تبقى غير كافية ما لم ترافقها توعية و تأطير للجماهير أو تحرير للإعلام و تنزيهه، و القضاء على الحيف التحكيمي و محاربة شغب اللاعبين و المسيرين و سن عقوبات قاسية في حق كل من يتجاوز هذه القوانين.