دافع ناشطون أمازيغ استقبلوا أخيرا وفدا من الطلبة الباحثين الإسرائيليين عن حقهم فيما قاموا به، مبررين ذلك بالصبغة الثقافية للوفد الذي يتشكل من 18 طالبا وأساتذة جامعيين، فيهم أمريكيان وفلسطيني، والباقي يحملون الجنسية الإسرائيلية، عقدوا لقاءَات بالرباط، فاس، مرزوكة ثم تنغير.. الناشطون الأربعة المعنيون بهذا الحدث الذي أثار الكثير من الردود، اتصلت بهم هسبريس، وكانت لهم نظرة من زاوية أخرى للموضوع. عصيد: المُطبّعون الحقيقيون مع الدولة العبرية لا يذكرهم أحد الباحث الأمازيغي أحمد عصيد، وهو أحد الذين تباحثوا مع الوفد الإسرائيلي، قال في تصريحات لهسبريس إن هدف هذا الوفد كان هو التعرف على التجربة المغربية في قضية التنوع الثقافي واللغوي، ومشكلة الوفد المذكور أن ضم طلبة وباحثين إسرائيليين مع آخرين أمريكيين وفلسطينيين، وهذا جعل بعض المناضلين من التيار القومي العربي، والتيار الإسلامي التابع لحزب العدالة والتنمية يشنون حملة ضدنا، لكنها لا تعدو أن تكون زوبعة في فنجان بسبب عدم وجاهة الموقف الذي عبروا عنه، كما أن أهدافهم الحقيقية مكشوفة، وهي تصفية الحساب مع الفاعلين الأمازيغيين المعارضين للإسلام السياسي والقومية العربية منذ عقود طويلة". وفيما يتعلق باعتبار الزيارة تطبيعا مع الكيان الصهيوني، رد عصيد بالقول "نحن لا نتفق على معنى التطبيع الذي يريد أن يفرضه علينا هؤلاء الإيديولوجيون، إنهم يريدون أن نعتبر اللقاء مع يهودي من أصل مغربي قادم من بلد من بلدان العالم، أو من إسرائيل تطبيعا مع الدولة الإسرائيلية، أي مع جيشها ومع سياستها الاستيطانية ومع قتل الفلسطينيين"، مشيرا إلى أن هذا نوع من التحريف والتزوير لا نقبله من هؤلاء، لأننا نلتقي باليهود المغاربة الأمازيغ الذين يعبرون عن تشبثهم بانتمائهم المغربي الأمازيغي، ولا نتفق مطلقا مع السياسات الإسرائيلية، ونقف موقفا مبدئيا بجانب الحق الفلسطيني". والغريب في هذا الأمر، يُكمل عصيد، أن المطبعين الحقيقيين مع إسرائيل من المغاربة لا يذكرهم أحد أبدا، ويوجدون في البرلمان المغربي ومجلس المستشارين، وفي الأحزاب السياسية المختلفة، ومن رجال الأعمال والهيئات العليا، والمحيط الملكي أيضا، وحتى من حزب العدالة والتنمية نفسه الذي استقبل أحد أطر الدولة العبرية في مؤتمره". وفيما يتعلق بمن يعتبر هذا الأمر استقواءً بالخارج، أوضح عصيد أن "الاستقواء بالخارج هو العمل على جلب الأموال من العشائر النفطية، مثل السعودية وقطر، من أجل عرقلة الانتقال نحو الديمقراطية بالمغرب، ومحاربة المساواة بين الجنسين، ونشر قيم الظلامية والكراهية باسم الدين، أما نحن فقد استطعنا انتزاع مكتسباتنا بنضال سلمي دام أزيد من 45 سنة لم نعتمد فيه إلا على أنفسنا وإرادتنا، وهزمنا خصومنا السياسيين ولم يكن لنا تمويل لا من الداخل ولا من الخارج". وحول موقف الباحث الأمازيغي من المطالبة بسن قانون يجرّم التطبيع مع إسرائيل، أجاب عصيد: "لم نطلع على فحوى هذا المقترح، والطريقة التي صيغ بها، فإذا كان الهدف منه هو تكريس معنى "التطبيع" كما يروج له الإسلاميون والقوميون العرب، فسيكون شبيها بالقانون الذي حاول تمريره حزب الاستقلال سنتي 2008 و 2010 والذي كان يُدعى "مقترح قانون من أجل تعريب المحيط والحياة العامة"، والذي كان يهدف إلى الحكم بعشرة آلاف درهم غرامة "على كل من استعمل لغة أخرى غير العربية"، أي أننا باستعمالنا للغتنا الأمازيغية سيحكم علينا بالغرامة في وطننا وعلى أرضنا". وأردف المتحدث "حاربنا هذا القانون المهزلة إلى أن ألقي به في سلة المهملات، وسيكون مصير هذا القانون نفس الشيء إذا أصر أصحابه على أن يفرضوا من خلاله فكرتهم الإيديولوجية على جميع المغاربة، وأن يحولوا دون أية زيارة ليهود مغاربة إلى وطنهم، ويحدثوا قطيعة بيننا وبين الدياسبورا اليهودية الأمازيغية الموجودة في العالم، فسيكون قانونا مجحفا يجعلنا نحتج عليه ونواجهه. "وأما إن كان القانون مصاغا بطريقة تجعل "التطبيع" هو التعامل مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية أو مسئوليها السياسيين أو العسكريين أو الاقتصاديين، أو اتخاذ موقف موال للسياسة الإسرائيلية في الاستيطان أو قمع الفلسطينيين، وعدم اعتبار التطبيع هو أي لقاء مع مواطن يهودي من أصل مغربي قادم من إسرائيل أو من أي دولة من دول العالم، فهذا شيء لن نعتبره مجحفا ولن نعارضه" يؤكد عصيد. وحمل الناشط الأمازيغي الدولة المغربية مسئولية تجهيل الأجيال المعاصرة من المغاربة في موضوع البعد اليهودي في الحضارة المغربية، حيث لا تعرف الأجيال الحالية مدى تجدر المكون اليهودي في الثقافة المغربية عبر العصور، ولهذا يخلط بعضهم بين اليهود وإسرائيل بقدر كبير من الجهل والأمية الثقافية"، مشيرا إلى أن "اعتراف الدستور المغربي بالبعد اليهودي لهويتنا الوطنية منطلق للتصحيح عوض سن قوانين تؤدي إلى خلق محاكم التفتيش والمواجهات العدمية بين المغاربة". مريم الدمناتي : لا نساند سياسة إسرائيل العسكرية والتوسعية ومن جهتها دافعت الناشطة الأمازيغية، مريم دمناتي، عن استقبال ومجالسة هذا الوفد الذي زار المغرب، حيث أكدت ل"هسبريس" أن الغرض من تلك الزيارة كان سياحيا، فضلا عن التعرف على بعض جوانب القضية الأمازيغية، ولقاؤنا بهم جاء لتعريفهم بتطورات الملف الأمازيغي بالمغرب منذ بداياته إلى ترسيم الأمازيغية". الدمناتي دافعت عن "شرعية " اللقاء بطلبة يهود وباحثين وجامعيين إذ أفادت بأنه "لا علاقة لنا بدولة إسرائيل ولا بمؤسساتها، كما لا نساند سياساتها العسكرية والتوسعية، وموقفنا من القضية الفلسطينية هو موقف القوى الديمقراطية في البلاد، وهو موقف المساندة، وأما التطبيع تستطرد المتحدثة فهو التعامل مع مسئولي الدولة العبرية، وليس مع اليهود المغاربة الأمازيغ الذين لا يمكن أن ننكر انتماءهم لوطنهم المغرب". أما بخصوص ردها على من يعتبر ربط هذه العلاقات "استقواء" بالخارج، قالت الدمناتي "لسنا بحاجة إلى الاستقواء بالخارج ما دمنا قد نجحنا في حل مشاكلنا وطنيا وبشكل سلمي، وسنواصل بنفس النهج عملنا إلى أن تتحقق الديمقراطية الشاملة، وتترسخ في بلدنا مبنية على احترام جميع المكونات". وعن موقفها من المطالبة بسن قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل تجيب الناشطة ذاتها بأن هذا المطلب "فيه تطرف كبير وعدم اعتبار لموقف الآخرين وعدم احترام لهم، فنحن نختلف في معنى "التطبيع" ولا يحق للإسلاميين أو للقوميين العرب الذين يريدون احتكار القضية الفلسطينية أن يفرضوا رأيهم عبر قوانين..". مشيشي : للملك مستشار يهودي.. فهل نعتبر ذلك تطبيعا؟ الفاعل الأمازيغي رجب مشيشي، أحد الذين استقبلوا هذا الوفد في تنغير، ورافقه في تحركاته، قال في تصريحات ل"هسبريس" بأن للزيارة أهداف أكاديمية علمية، وسياحية استكشافية في إطار التواصل وتكريس ثقافة الإيمان بالاختلاف بين الشعوب والحضارات، بالإضافة إلى تجدير قيم التعايش والتسامح، كما جسده أباؤنا وأجدادنا بالمنطقة، ولعل فيلم ' تنغير جيروزالم؛ أصداء الملاح" لمخرجه كمال هشكار خير حجة وإجابة". وعمّا إذا كانت هذه الزيارة تدخل في إطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما يقول معارضون لها، أووضح مشيشي بالقول "التطبيع مفهوم غامض وفضفاض، والإسلامويون يتخذونه ذريعة وآلية لشرعنة مشروعهم القومي الفاشل في التصدي للخطاب الحداثي الديمقراطي والمنفتح على ثقافات وأديان العالم". وتابع المتحدث، جوابا على موقفه من المطالبة بسن قانون ردعي يجرّم التطبيع مع إسرائيل، بالتساؤل عن أية شرعية مدنية تطالب هذه الجهات بسن قانون لتجريم التطبيع؟، فقد اختار الملك نفسه مستشارا يهوديا، هو أندري أزولاي، فهل نعتبر ذلك تطبيعا " يشير النشاط الأمازيغي. كجي: أستقبل يهودا مغاربة.. وأرفض وصاية الآخرين وعلى غرار من سبقه من الناشطين الأمازيغ، لم ينفِ منير كجّي عقده لقاءَات مع وفد إسرائيلي زار المغرب، موضحا "بالطبع استقبلت مجموعة من الباحثين، وهم إسرائيليون يهود من أصول مغربية، وأصولهم من آسفي، ومكناس، وفاس، والرباط، وأرفود، ومن بينهم ثلاث باحثين ولدوا في المغرب. والهدف من الزيارة، يضيف كجي، سياحي وثقافي حيث زاروا أصولهم وأصول آبائهم وأجدادهم، كما زاروا مدنا مغربية مثل الرباط، الدارالبيضاء، مكناسفاس، تنغير، الراشيدية، مرزوكة، ورزازات، ومراكش. وزاد كجي بالقول إنها "ليست هذه أول مرة ألتقي فيها يهودا مغاربة جاؤوا من إسرائيل، فالأمر يحدث منذ سنوات، واشتغلت مع باحثين من إسرائيل يهتمون بالمسألة الأمازيغية، وليس لدي أي حرج في لقاء أي يهودي، فالأمر طبيعي لأن البعد اليهودي مكون في الهوية المغربية، والدستور الأخير أشار إلى ذلك"، متابعا بأن من يعتبر الأمر تطبيعا فهو يملك نظرة اختزالية للأمور، ولم يتحرر بعد من الأوهام البعثية الإسلاموية. وشدد المتحدث على أنه ليس من حق أي فرد، سواء السيد خالد السفياني أو حزب العدالة والتنمية أو العدل والإحسان، أو أي هيئة أخرى، أن يمنع أي فرد في زيارة أية بقعة في العالم، لأن حرية التنقل مضمونة، مبرزا "أن هؤلاء الذين افتعلوا هذا النقاش ليس من حقهم فرض الوصاية على أحد" ، على حد تعبير كجي. وبخصوص موقفه من المطالبة بسن قانون تجريم التطبيع، أجاب الناشط بأن هذا "أمر سريالي وخيالي، لأن الإحصائيات الرسمية تفيد أن 35 ألف مغربي زاروا إسرائيل في السنة الماضية، ثم المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل كبيرة جدا خاصة في المجال الفلاحي، وبالتالي فالأمر مضحك جدا أن ينادي أحد بتجريم التطبيع مادامت للدولة علاقات مع إسرائيل".