نَشَرتُ في موقع هيسبريس بتاريخ الجمعة 23 غشت 2013 مقالا بعنوان " الريف الأوسط ..ألف مرة " وكان دافعي لكتابة هذا المقال غيرتي على المنطقة وعلى الحالة المزرية التي يعيشها إقليم الدريوش في مختلف المجالات، ولقد دعوت ملك البلاد، بلسان حال الساكنة، لزيارة هذا الإقليم لإنصافه من الحيف الذي لحقه منذ عقود. وختمت المقال بلوم نواب الإقليم، وتحدثت عن الخذلان الذي ألحقوه بنا، ويبدو أن هذا اللوم، لوم نواب الإقليم، لم يعجب أحد هؤلاء النواب الذي فُرشت له طرق التنافس الانتخابي بالسجاد الأحمر، ليجد نفسه فجأة، وبقدرة قادر، جالسا على كرسي وثير تحت قبة البرلمان، بل يبدو أن ذلك المقال قد استثار حفيظة هذا البرلماني المبجل على نحو غريب وغير مفهوم، وكأنه وحده من يمثل المنطقة من ضمن النواب الثلاثة للإقليم، فأرسل إلي صاحبنا رسالة طافحة بالاستعلاء عبر الفايسبوك ينبهني فيها، بلهجة الحجاج بن يوسف الثقفي، بأنه لا يشبه باقي النواب، وأنه يشكل الاستثناء والنموذج، وأنه يجتهد ويكد لمصلحة الإقليم، ووصف مقالي بأنه لم يكن منصفا بالمرة، وأنني أضع كل البيض الفاسد لنواب الريف الأوسط في سلة واحدة، بينما هناك بيضة ديك رومي ينبغي عدم المس بقدسيتها الانتخابية. ولقد فعل الرجل كل هذا فقط لكوني ختمت المقال بعبارة " لقد خذلونا يا صاحب الجلالة "...وكنت أقصد من اختارهم سكان الإقليم كنواب عليهم في البرلمان. بل زاد على ذلك صاحبنا المختار في الانتخابات بالحظ، أو بالأحرى رامبو المفتول العضلات، أقصد عضلات لسانه، بأن وجه إلي سهما في مقتل الخطاب: اسأل معارفك لتعرف إنجازاتي" لست أدري من كان يقصد ب: " اسأل معارفك " ليخبرني هؤلاء المعارف بنضاله البطولي الذي أجهله، وأمجاده التي لا يمحها التاريخ. ولقد استخدم السيد النائب المبجل، نابه الحادة لكي يقنعني بأنني على خطأ، والخطأ انني طلبت زيارة ملكية للمنطقة، وهذا من حقي كمواطن مغربي، وكرعية من رعايا جلالته. أنا لم أتعود التملق أو التزلف لأحد يا رامبو الرسوم الكرتونية، فأحيانا أخطئ وأتوسم في البعض خيرا، ولكنني أصاب بخيبة أمل كبيرة حين أقف على حقيقة هذا الشخص أو ذاك، وأعرف انه مجرد رجل يلعق أحذية أعيان القبائل وقوادها لأجل تمهيد الطريق له للوصول إلى ذلك الموقع السحري الذي يستطيع من خلاله الجلوس كصنم حجري، سابحا في أفكار هلامية في الغالب، أو في الأغلب يلهو في هاتفه النقال يقضي معظم وقته في عالم الفايسبوك كمراهق يبحث تصيد السمكات الذهبية المزركشة باللون الأرجواني الفاتن، لعبة تثير صاحبها ويصبح مدمنا عليها، متناسيا وقته الثمين الذي ينبغي أن يستغله، فعلا وليس قولا، في صنع تلك الملاحم التي يجيد صاحبنا التحدث عنها ببلاغة يحسد عليها. طلبت من المختار المحظوظ في الانتخابات البرلمانية، فتح قناة تواصل بيننا، بعد رسالته المُوبخة، رسالة مُوبخة نعم، انه رجل سلطة تقليدي، وأحد كراكيز حزب المخزن في الحكومة، أليس كذلك؟! ومن حقه أن يوبخ، أليس هذا منطق أمثاله؟! طلبت التواصل لأشرح له موقفي بالدقة المطلوبة، ولكنه، بعنجهية حديث النعمة، رد بأن لا حاجة له للتواصل معي، وهنا أدركت بأن المختار في الانتخابات من طرف الساكنة في إقليم الدريوش، البطل الأسطوري رامبو، ليس له عضلات مفتولة وقوية في لسانه فقط، بل لديه ناب من عاج ثمينة، وأخرى مغلفة بذهب خالص، ولا بد أنه قد تصيدهما من إحدى جولاته الانتخابية التي تشبه جولات بعض الفرق المسرحية التهريجية التي تجوب الأسواق الأسبوعية، ولهذا فهمت، وللمرة الأولى في حياتي، ويا للمهزلة كم كنت ساذجا، بأن كلمة نواب ما هي في الواقع إلا اشتقاقا سيئا من كلمة ناب، ولن نستغرب حين نلاحظ كثرة " الناب " في البرلمان، والثرثرة الفارغة التي أصبحت فرجة تلفزيونية يستمتع بها المواطن المغربي، في غياب برامج ومسرح ومنتوج إبداعي متميز يلبي حاجة المتلقي من خلال شاشته التعيسة، شاشته الوطنية التي تكشر في وجهه كل مرة نابا من نواب الأمة ليتحفنا هذا المختار بإرادة الشعب، أو بدونها، بآخر تخريجة يتفتق عنها ذهنه الموهوب. الكثير من الذين شاهدوا على الأقل فيلما واحدا من أفلام رامبو في حياتهم، وهي أفلام على كل حال رخيصة تعتمد الإثارة والحركة والبطولة المزيفة، سيدركون في الأخير أن الأمر مجرد تمثيل ممتع، وإذا كان الأمر على هذا النحو في السينما، فانه ولا شك سيكون مقبولا طبعا، ولكن أن يتحول نائب أمة تحت قبة البرلمان إلى رامبو مزيف يحاول بقبضته الكرتونية، وبعضلاته المرتخية، أداة لمحاولة إخافة مواطن مسالم لمجرد كتابة مقال بسيط، فذلك أدعى للشفقة على هذا الرامبو البائس، ولكم سيبدو صغيرا جدا وهو يصور نفسه وقد وصل عنان السماء، لمجرد ان الصدف وحدها خدمته لدخول ذلك المكان سيئ السمعة عند المغاربة، ذلك المكان المدعو بالبرلمان. ولن يكون من الصعب معرفة مدى الاحترام الذي يحظى به هؤلاء في الشارع، لأن " أكثريتهم " مثار سخرية واستهزاء، ومن يضحك لهم فهو في الواقع يضحك عليهم. وبالطبع مع كامل التقدير للكثير جدا من النواب المحترمين الذين فرضوا قيمتهم داخل المجتمع، وفرضوا سمعتهم النظيفة التي لا تشوبها شائبة، ولم يكونوا في حاجة ليتحدث عن أمجادهم وأفعالهم أحد، لأن هذه الأمجاد والأفعال هي من تتحدث عن صاحبها، وصاحبها ليس في حاجة ليطلب من أحد أن يسأل الناس عن أفعاله، كما طلب مني النائب رامبو مفتول عضلات اللسان أن أفعل. في الأخير أرغب في التحذير من ناب النائب الطائشة، فإلى جانب كونها حادة، فهي تبرز بوضوح أكثر خارج قبة البرلمان عكس ما ينبغي. احذروا النواب الذين هم على شاكلة رامبو، فلهم عضلات مفتولة، ولكنها، ويا لخيبة الشعب المغربي، وبالضبط خيبة ساكنة إقليم الدريوش، فان النائب المختار من قبل المصوتين قد انحرفت عضلاته عن مكانها، لتستقر في اللسان، ولعمري ان هذا النوع من الألسنة لهو أكثر أنواع الألسنة مدعاة للسخرية والشفقة في الوقت نفسه، لأنها مجرد ناب من مادة السليكون الأحمر، لا أكثر. *كاتب مغربي مقيم في هولندا