تحفل مدينة الدارالبيضاء بالكثير من التحديات متعددة الأبعاد التي تتطلب تحسين أجهزة الحكامة المحلية من طرف المجلس الجماعي المنتخب، الذي يترأسه حزب التجمع الوطني للأحرار، في ظل التوسع الحضري المتنامي الذي تشهده العاصمة الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، وما يترتب عن ذلك من معضلات اجتماعية واقتصادية وبيئية. ويعاني المركز الاقتصادي الرئيسي للبلاد من مشاكل عديدة تربك حركة التنمية المحلية؛ وهو ما دفع نشطاء المدينة إلى المطالبة بتسريع وتيرة إنجاز المشاريع المبرمجة سلفا قصد تحقيق الأهداف التنموية المنشودة، بالموازاة مع خلق مشاريع وبرامج نوعية تبتغي تسهيل ظروف عيش "السكان البيضاويين". أزمة النقل الحضري أولى المشاكل التي تواجه العاصمة الاقتصادية للمغرب هي صعوبة التنقل بين شرايينها؛ وهو ما عبر عنه يونس فراشين، المنسق الوطني للجبهة الاجتماعية المغربية، بقوله إن "المجلس الجماعي مطالب بتحسين البنيات التحتية، خاصة ما يتعلق بالنقل العمومي؛ حتى يتسنى للمواطن التنقل بين المناطق السكنية بكل أريحية". وقد حرص المجلس الجماعي المنتهية ولايته على معالجة معضلة التنقل بشكل تدريجي، وإن كان المشكل ما زال مطروحا، باقتنائه ل700 حافلة حديثة بمواصفات تقنية عالية، حيث شرعت الشركة المفوض لها تدبير قطاع النقل في العمل منذ أشهر بأسطول يتجاوز 450 حافلة، في انتظار دخول بقية الحافلات الجديدة حيز الخدمة في الأشهر المقبلة. وأعرب المهدي ليمينة، فاعل مدني مهتم بالشأن المحلي، عن أمله في إيجاد حل لأزمة النقل بالدارالبيضاء، موردا، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المواطنين عانوا كثيرا مع الحافلات المستعملة التي استُبدلت بنظيرتها الجديدة؛ لكن ينبغي العمل على زيادة أعداد الحافلات الحديثة مستقبلا". معضلة التدبير المفوض إحدى المشاكل التي يشتكي منها سكان القطب المالي للمملكة تتمثل في إكراهات التدبير المفوض، الذي طالته انتقادات كثيرة من لدن "البيضاويين" في الموسم الماضي بسبب عدم قدرة البنيات التحتية على استيعاب الزخات المطرية التي غمرت المحلات التجارية والمباني السكنية طيلة أيام متتابعة. وبالنسبة إلى عبد اللطيف المتوكل، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد والمتتبع للشأن التدبيري بمدينة الدارالبيضاء، فإن "المركز المالي للمغرب يعاني من معضلة التدبير المفوض بكل أشكاله منذ سنوات عديدة، خاصة بمجالي النقل والنظافة". لذلك، دعا المتوكل، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، المجلس الجماعي المقبل إلى "الانكباب على إيجاد حلول عملية لمسألة التدبير المفوض في المدينة، عبر ابتكار صيغ تدبيرية جديدة من شأنها إنهاء معاناة المواطنين مع وسائل النقل وتراكم النفايات". هشاشة اجتماعية المشكلة الثالثة تتعلق بتفشي البطالة في صفوف السكان المحليين، لا سيما فئة الشباب، وهو ما يتسبب في تزايد أعداد المتسولين والمتشردين سنة تلو أخرى؛ ما يؤدي إلى تفاقم المعضلات الاجتماعية للمدينة التي تحتضن مئات المشاريع الاقتصادية الضخمة. وعاد يونس فراشين إلى تسليط الضوء على هذه الأزمة الاجتماعية قائلا: "يجب البحث عن استثمارات مالية جديدة بغية توظيف الشباب العاطل عن العمل بسبب الجائحة"، مؤكدا أن "البطالة ارتفعت بشكل مضاعف في المجال الحضري؛ ما يتطلب ضرورة إعادة إنعاش الاستثمار الخاص والعمومي بغية استيعاب تلك الأفواج التي تتخرج من المعاهد والجامعات كل سنة". وفي تعليقه على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالقطب المالي للمملكة، انتقد عبد اللطيف المتوكل "السياسات العامة المتخذة من طرف الأحزاب السياسية، بما في ذلك تلك التي ستترأس المجلس الجماعي في الفترة المقبلة"، لافتا إلى أن "العديد من الميزانيات الضخمة صرفت على المدينة منذ سنوات؛ لكنها لم تنعكس على الحياة اليومية للمواطنين". مشاريع مفتوحة لطالما شكلت المرافق العمومية محل انتقادات كثيرة من لدن الفعاليات المدنية والحقوقية بالدارالبيضاء، بسبب ما يعتبرونه "تأخرا" في وتيرة إنجاز الأشغال العمومية، لا سيما المشاريع المتموقعة بوسط المدينة؛ وهو ما تسبب في ازدحام حركة السير خلال أوقات الذروة. وتوجد العديد من المشاريع المتوقفة التي تجاوزت المدى الزمني المحدد لها في دفاتر التحملات، ناهيك عن بطء أشغال تأهيل الطرق والمحاور الكبرى التي خصصت لها ميزانية تبلغ 2480 مليون درهم؛ ما جعل المدينة تعرف ارتباكا على صعيد الجولان. ومن وجهة نظر المهدي ليمينة، فينبغي على "المجلس أن يتولى هذا الملف بما يتطلبه الأمر من متابعة دورية إلى حين انتهاء الأشغال"، مبرزا أن "تأخر إنهاء المشاريع المبرمجة يسبب تعثر الجولان فقط، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تصاعد حوادث السير". تمدد عمراني عشوائي المشكلة الخامسة التي تواجه المدينة تتجلى في التمدد العمراني العشوائي بجوانبها، ما أدى إلى تكاثر أحياء الصفيح بالمناطق الشعبية؛ وهو المعطى الذي تحدث عنه فراشين، منسق الجبهة الاجتماعية المغربية، بإيراده أن "الهوامش تعاني من مشاكل عويصة على مستوى التهيئة العمرانية، خاصة بالمدخل الجنوبي الذي تبدو فيه الآفة العمرانية بادية للعيان". فيما يرى عبد اللطيف المتوكل، القيادي داخل الحزب الاشتراكي الموحد بجهة الدارالبيضاء-سطات، أن "التصميم العقاري يشهد مشاكل كثيرة لا بد من التدخل لوضع حد لها"، مستدلا في ذلك ب"الأحياء المهمشة المحيطة بالجهة الاقتصادية طيلة السنوات الأخيرة". "ويطرح هذا التوسع العمراني العشوائي مشاكل بيئية جمة، نتيجة قلة المساحات الخضراء والحدائق، وبناء المنشآت الصناعية وسط المدينة؛ وهو ما يؤدي إلى رفع نسب التلوث الهوائي"، بتعبير فراشين، الذي دعا إلى "التفكير في إحداث منتزهات وحدائق خضراء لمحاربة التلوث". "إنعاش" البنيات الثقافية تحدٍ آخر يواجه المجلس الجماعي المنتخب يتصل بالبنيات الثقافية في مدينة الدارالبيضاء، حيث تنادي الفعاليات المدنية بترميم وصيانة المباني الآيلة للسقوط وصياغة سياسة ثقافية واضحة بشأن اشتغال دور الشباب والسينما والمسارح وغيرها. وفي هذا الصدد، أوضح يونس فراشين أن "المدينة تحتاج إلى إحداث مركبات ثقافية جديدة بمختلف المناطق السكنية"، مستغربا "عدم إنجاز أي منشآت ثقافية ببعض المقاطعات، أو إغلاق أخرى لمدة طويلة بسبب الإصلاحات التقنية". وسجل المهدي ليمينة بدوره "غياب الجانب الثقافي في العاصمة الاقتصادية للمملكة، بسبب الاهتمام الكلي بعالم المال والاستثمارات؛ بينما لا تولى الأهمية الكبرى للسياسات الثقافية"، خاتما بأن "الثقافة تلعب دورا كبيرا في معالجة المشاكل الاجتماعية".