قبل سنوات، خير مسؤول محلي رفيع النخب السياسية والجمعوية والثقافية بين أن تصبح الدار البيضاء شبيهة بالمدن الأوروبية، أو أن تتحول إلى نسخة طبق الأصل لحواضر بعض دول أمريكا اللاتينية. وتجد الدار البيضاء، سنوات على هذا التحذير، نفسها أمام مفترق طرق خطير، إذ في الوقت الذي تم فيه الإعلان عن مشاريع ضخمة في المدينة، فإنها بالمقابل ما تزال تعيش في كنف المشاكل القديمة، التي تحول حياة البيضاويين إلى جحيم يومي. «المساء» نبشت في أهم الملفات التي تعد وصمة عار في جبين العاصمة الاقتصادية. الملف 1 النظافة.. دار لقمان على حالها
قبل 2003 كان الاعتقاد السائد لدى البيضاويين أن الجماعات الحضرية لم تعد قادرة على جمع نفايات المدينة وأن الخلافات السياسوية بين الأحزاب السياسية ساهمت بشكل فظيع في انتشار الأزبال في أرقى الأماكن بالعاصمة الاقتصادية، ولا حل إلا باختيار أسلوب التدبير المفوض، لأنه الحل الأنجع، لكي تتخلص المدينة من الصورة التي التصقت بها. وحينما طرح العمدة محمد ساجد فكرة منح شركات خاصة التدبير المفوض لقطاع النظافة، لم يجد معارضة قوية في المجلس ضد هذه النقطة، لأن الجميع أدرك أن قطاع النظافة يسير من سيئ إلى أسوأ، لكن المفاجأة كانت بعدما بدأت هذه الشركات في العمل، ليكتشف المتفائلون من هذه الخطة أن دار لقمان ما تزال على حالها، ولتبدأ لعبة تبادل الاتهامات حول الجهات التي تغض الطرف عن مراقبة عمل هذه الشركات. اللجنة التي اختار مجلس مدينة الدارالبيضاء إحداثها ضمن بنود ميثاق الشرف الموقع بعد البلوكاج الذي شهده المجلس في سنة 2011، وقفت على مجموعة من الإكراهات، من بينها الخصاص الكبير في اليد العاملة وتكسير القمامات وسرقتها ورمي مخلفات مواد البناء وتفشي ظاهرة الباعة المتجولين ومشكل العمال الجماعيين. وأوصت لجنة قطاع النظافة، التي حرصت على إنجاز هذا التقرير، على القيام بافتحاص تقني ومالي للمطرح العمومي الموجود بمديونة وتزويد مصلحة النظافة بحوالي 50 موظفا بدل 10 موظفين الموجودين حاليا، وتفعيل آلية المراقبة والمحاسبة ووضع نظام لجمع وكنس النفايات يستجيب لخصوصيات الأحياء ومعالجة ظاهرة الباعة المتجولين.
الملف 2 استفحال أزمة النقل الحضري
إذا كانت الدارالبيضاء حققت حلم انجاز أول خط ل «الطرامواي» بعد أزيد من ثلاثين سنة من الانتظار، فإن هذا المشروع وباعتراف مسؤولين كثيرين في المدينة لن يكون بمقدوره حل الإشكالية المرتبطة بالنقل الحضري، على اعتبار أنه لا يغطي جميع مناطق المدينة، إضافة إلى أن الحالة التي توجد عليها مجموعة من حافلات النقل الحضري والطاكسيات من الحجم الكبير والصغير تجعل قضية النقل من أهم المشاكل التي تؤرق سكان المدينة. ففي 2004 اختارت العاصمة الاقتصادية التدبير المفوض لقطاع النقل الحضري، وكان هذا القطاع ثالث قطاع يتم تدبيره بعد قطاعي الماء والكهرباء والتطهير السائل والنظافة، ومنذ الأيام الأولى من بداية عمل الشركة بدا ظاهرا أن سكان المدينة لن ينعموا بنقل جيد، فالحافلات المستقدمة من باريس لم تكن جيدة، ودليلهم أن العديد منها سقط في فخ الأعطاب التقنية أسابيع قليلة على انطلاقتها. وتعتبر مصادر كثيرة أن المشاكل التي تعرفها الدارالبيضاء على مستوى النقل الحضري تستدعي فتح نقاش عمومي من أجل إنجاز مشاريع مخطط التنقل الحضري، والذي تحدث عن ضرورة إحداث مجموعة من خطوط الطرامواي، إضافة إلى قطار جهوي وميترو في أفق 2030. ويؤكد مصدر «المساء» أن النقل في الدارالبيضاء ليس ذا طابع محلي، بل لابد أن تتدخل الحكومة بشكل كبير من أجل توفير السيولة المادية لإنجاز جميع المشاريع المتعلقة بالنقل، لأن الدارالبيضاء تتوسع في كل الاتجاهات.
الملف 3 البيضاء.. مدينة تختنق
منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي، بدأ يظهر أن الدار البيضاء ستعيش أزمة خانقة على مستوى حركة السير والجولان، وأن المدينة ستدخل في خانة المدن التي تختنق بسكانها، الأمر يرجع حسب بعض العارفين بهذا الملف إلى غياب مخطط لمواكبة المتغيرات المتعلقة بالسير، والذي يجب أن يراعي مجموعة من الأمور المرتبطة بتنظيم أماكن وقوف السيارات، إضافة إلى المسألة المتعلقة بحركة الشاحنات الكبرى وسط المدينة وغياب التنظيم الخاص بالمدارات، ويمكن أن نحل المشكل بضرورة الاهتمام بالنقل الحضري، لأنه إذا كان هذا النقل منظما، فإن السكان سيستعملونه، وهذا من شأنه أن يخفف بعض العبء. وتضاعف عدد السيارات في الدار البيضاء بشكل لافت في السنوات الأخيرة، فقد كان عددها في سنة 2001 حوالي 300 ألف سيارة، في حين أن عددها حاليا يتجاوز مليونا و200 ألف سيارة، وهذا ما يعني أنه مهما كان عرض الشوارع كبيرا، فإنها لا يمكن أن تستوعب كل هذا العدد. و قال مصدر ل»المساء» «إنه لتجاوز مشكلة النقل والتنقل في الدار البيضاء لا بد من معالجة شمولية تستحضر مشكل مرائب السيارات والحافلات التي تجوب الشوارع، إضافة إلى الحركة التجارية في بعض الشوارع». المشاكل التي تعرفها الدارالبيضاء على مستوى حركة السير والجولان لم تعد تقتصر فقط على مركز المدينة والمناطق المحيطة به، بل وصل الأمر إلى الكثير من المناطق الضاحوية، الأمر الذي يستدعي التفكير، اليوم قبل الغد، في حل قبل أن يحل يوم لن يكون بمقدور سكان سيدي معروف زيارة أقاربهم في اسباتة أو عين الشق بسبب هذا المشكل، على رأي أحد المسؤولين الحكوميين.
الملف 4 احتلال الملك العمومي
مباشرة بعد الأحداث الدامية التي هزت مدينة الدار البيضاء ليلة 16 ماي، خرجت حكومة إدريس جطو عن صمتها وقررت تبني خطة لاستئصال ظاهرة الباعة المتجولين في عموم المغرب وفي الدار البيضاء على وجه الخصوص. الخطة تقوم على أساس بناء أسواق نموذجية للباعة المتجولين. شهور قليلة على إحداث بعض الأسواق النموذجية في مجموعة من المقاطعات في العاصمة الاقتصادية، أظهرت أن هذه الخطة ستكون عاجزة عن احتواء ظاهرة «الفراشة»، حيث نمت من جديد أسواق عشوائية محيطة بهذه الأسواق، مما جعل الكثير من متتبعي هذه القضية يطالبون بالتفكير في صيغ جديدة للتعامل مع ظاهرة الباعة المتجولين. ورفع مجموعة من الباعة المتجولين أصواتهم احتجاجا على طريقة توزيع المحلات التجارية، مؤكدين أنها لم تكن من نصيبهم. سنوات على هذه الخطة، قررت السلطات أن تواجه الباعة المتجولين بسياسة العصا والجزرة، حيث قررت أن تحارب هذه الظاهرة عن طريق تمكين الباعة من وقت محدد، الخطة وإن كانت في بدايتها، فإنه يشوبها بعض الخلل، على اعتبار أن هناك من الباعة المتجولين من لا يحترمون الوقت المحدد. ويطالب مجموعة من البيضاويين بتحرير الشارع والأزقة من هؤلاء الباعة، الذين حولوا أجزاء كبيرة من الدار البيضاء إلى أسواق عشوائية، بالمقابل يعتبر الكثير من الباعة أنهم ليسوا ضد قرار التنظيم، شريطة ألا يتم المس بمصدر رزقهم، لأن الظروف الاجتماعية الصعبة هي التي دفعتهم إلى هذا المجال.
الملف 5 تفشي الجريمة يرعب المواطنين
لا يكاد يمر يوم في مدينة الدارالبيضاء دون سماع خبر وقوع جريمة خطيرة في هذه المنطقة أو تلك، لدرجة أن أخبار الجرائم أصبحت على صفحات الكثير من الجرائد الوطنية. الشعور بتفشي الجريمة في الدارالبيضاء لدى الكثير من المواطنين، أصبح يثير الكثير من علامات الاستفهام، إذ في الوقت الذي يؤكد فيه مجموعة من المواطنين أن هذا الأمر لم يعد محتملا، فإن مصالح الأمن في العاصمة الاقتصادية تعتبر المسألة أمرا عاديا مقارنة مع مجموعة من المدن العالمية الأخرى. وسجلت مصالح الأمن في ظرف سنة أزيد من 14 ألف قضية، وتمت معالجة 9260 منها، وتم تسجيل 31 قضية قتل عمد، وتمكنت مصالح الأمن من فك ألغاز 38 قضية، على اعتبار أنه تم حل 7 قضايا كانت متأخرة. وبخصوص التهريب الدولي، قال عبد اللطيف مؤدب، والي أمن الدار البيضاء، في الذكرى 57 لتأسيس الأمن الوطني، أن مصالح الأمن تمكنت من إحباط مجموعة من عمليات التهريب الدولي للمخدرات، والتي اتخذت الدار البيضاء معبرا لها، حيث تم حجز 10 أطنان و343 كيلوغراما من مخدر الشيرا، و18 كيلوغراما و863 غراما من الكوكايين، و3 كيلوغرامات و277 غراما من الهيرويين، وأضاف أن محاربة المخدرات تجري على مستويين، ويتعلق الأمر بالتهريب الدولي للمخدرات عبر النقاط الحدودية للمدينة كمطار محمد الخامس والميناء. وأوضح المتحدث ذاته أن مصالح الأمن في مدينة الدار البيضاء موصولة بحوالي 59 كاميرا، مؤكدا أن هناك سعيا من أجل تعميم التجربة على كافة المحاور الطرقية. وقال إن «النسيج الاجتماعي للدار البيضاء أصبح مزركشا بأفواج المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الساحل والصحراء، الذين كشفت مصالح الأمن تورط أعداد منهم في جرائم مختلفة».
الملف 6 السكن العشوائي.. معضلة دون حل
يوجد في الدار البيضاء حوالي 20 في المائة من السكن غير اللائق وتضم المدينة وحدها 50 في المائة من الاشكالية المرتبطة بالسكن العشوائي على المستوى الوطني، وأصبحت القضية المرتبطة بالدور المهددة بالانهيار على مستوى العاصمة الاقتصادية تشغل بال الكثير من المواطنين الذين يقطنون في المناطق المهددة بالانهيار. وشهدت المدينة القديمة ومنطقة درب السلطان في الشهور الأخيرة سلسلة من الانهيارات التي خلفت الكثير من الضحايا في الأرواح، وقال مصدر ل «المساء»: «لحد الساعة ليس هناك أي جديد بخصوص طريقة تدبير ملف الدور الآيلة للسقوط، حيث إن وتيرة ترحيل السكان ضعيفة بالمقارنة مع حجم الطلبات». وانكبت مصالح الوكالة الحضرية سنة 2012 على دراسة 21 مشروعا تتعلق بإعادة إسكان قاطني دور الصفيح، منها 8 عمليات بسيدي مومن على مساحة 88 هكتارا بمنتوج يصل إلى 2575 بقعة مجهزة و13 عملية في إطار البرنامج الجهوي لإعادة إيواء قاطني دور الصفيح، منها 11 عملية تم الترخيص لها، في حين توجد العمليتان المتبقيتان في طور الترخيص. ويهدف البرنامج الجهوي لإعادة إيواء قاطني دور الصفيح إلى إعادة إسكان 43765 أسرة موزعة على 14 عملية، 13 عملية منها على شكل تجزئات لإعادة إيواء 41651 أسرة (بقعة لأسرتين) ، حيث تم الترخيص ل 12 عملية منها، في حين توجد عملية واحدة في طور الترخيص و عملية أخرى على شكل مجموعات سكنية على مساحة 15 هكتارا من أجل إعادة إيواء 2164 أسرة.
تصل مسافة شوارع وأزقة العاصمة الاقتصادية إلى 5500 كيلومتر، وهو الأمر الذي يحتاج، حسب مصدر «المساء»، إلى حوالي 700 مليون سنتيم بشكل سنوي، وذلك في حالة إذا ما أرادت الدار البيضاء أن تكون جميع شوارعها وأزقتها في أحسن حلة. وكشف مصدر ل «المساء» أن «هناك حاجة ماسة حاليا إلى تدخل وزارة الداخلية من أجل تخصيص غلاف مالي جديد من أجل تعبيد الشوارع وأزقة المدينة كما وقع قبل سنتين»، وأضاف أنه لا يمكن من خلال الفائض المالي تخصيص أي مبلغ لفائدة تعبيد الشوارع، لأن ذلك يدخل ضمن الميزانية العامة للمجلس. وأوضح المصدر نفسه أنه من الواجب أن تصبح جميع الصفقات المتعلقة بالتعبيد مراقبة من قبل وزارة التجهيز والنقل، والتي تتوفر على خبراء في هذا المجال، لأن الطريقة التي يتم بها تعبيد الكثير من الشوارع أصبحت تثير استياء الكثير من المواطنين على صعيد جهة الدارالبيضاء. وفي الوقت الذي تشهد فيه الدارالبيضاء كوارث كثيرة في شوارعها بسبب انتشار الحفر، فإنه لم يتم تخصيص أي درهم من الفائض المالي للمدينة لمعالجة الإشكالية المتعلقة بالحفر، والتي تتسبب في كثير من الأحيان في وقوع حوادث سير خطيرة، إضافة إلى تعرض السيارات إلى الأعطاب التقنية. ومن بين المؤخذات المسجلة على ملف تعبيد الشوارع في الدار البيضاء أن الصفقات لا تتم وفق دراسة ميدانية علمية لمعرفة المناطق التي تحتاج إلى تدخل عاجل.