الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية للحزب    نقابة الكونفدرالية بالمحمدية تطالب بعقد اجتماع عاجل مع السلطات الإقيليمية لإنقاذ عمال مجموعة "الكتبية"    أزيد من 220 عاملًا بشركة "أتينتو Atento" بتطوان يواجهون الطرد الجماعي    وزارة الأوقاف: تأشيرات السياحة أو الزيارة لا تخول أداء مناسك الحج    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    أخبار الساحة    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    الوداد يمنح موكوينا عطلة استثنائية ويكشف موعد الانفصال عنه    مشروع مستشفى بالقصر الصغير في طي النسيان منذ أكثر من عقد يثير تساؤلات في البرلمان    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    هلال يكشف لمجلس الأمن تزييف الجزائر للحقائق حول قضية الصحراء المغربية    استعادة التيار الكهربائي تنهي ساعات من العزلة والصمت في البرتغال    البطولة.. أربعة فرق تحاول تجنب خوض مباراتي السد وفريقان يصارعان من أجل البقاء    البرلمان الكولومبي يجدد دعمه للوحدة الترابية للمملكة المغربية    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    أرسنال يستضيف باريس سان جرمان في أولى مواجهتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مهرجان كان السينمائي.. لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش وعضوية ليلى سليماني    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    المكتب الوطني للمطارات يعلن عن عودة الوضع إلى طبيعته في كافة مطارات المملكة    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    بعد انقطاع كهربائي غير مسبوق.. هكذا ساعد المغرب إسبانيا على الخروج من "الظلام"    "الجمعية" تحذر من انفلات صحي واجتماعي بالفقيه بن صالح    كيوسك الثلاثاء | بنعلي تعلن قرب تحقيق الأهداف الطاقية قبل أربع سنوات من الموعد المحدد    الصين: تسليط الضوء على دور القطاع البنكي في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين والمغرب    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    منظمة العفو الدولية: "العالم يشاهد عبر شاشاته إبادة جماعية مباشرة في غزة"    وزير التعليم يربط تفشي العنف المدرسي بالضغط النفسي    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    انقطاع كهربائي واسع في إسبانيا والبرتغال يربك خدمات الإنترنت في المغرب    كندا.. الحزب الليبرالي يتجه نحو ولاية جديدة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية    فاطمة الزهراء المنصوري: عدد الطلبات الاستفادة من الدعم المباشر بلغ 128 ألف و528    طقس الثلاثاء .. أجواء حارة في عدد من المدن    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    عودة الكهرباء بنسبة 99 % في إسبانيا    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الدستورية تحدد قواعد العمل البرلماني
نشر في هسبريس يوم 31 - 08 - 2013

عرف مجلس النواب على مدار سنة كاملة جدلا متناميا أثارته فرق المعارضة، وأدى هذا الجدل إلى إدخال المؤسسة البرلمانية في متاهات عدة تتعلق بطرق اشتغل الفرق البرلمانية وبالعلاقات بين الأغلبية والمعارضة من جهة، وبين البرلمان والحكومة من جهة ثانية، وعاشت المؤسسة البرلمانية خلال الأشهر الأخيرة خروقات دستورية بالجملة من قبل فرق المعارضة التي وصل بها الأمر لعرقلة اشتغال البرلمان، ودخلت في عملية ابتزاز غير مسبوقة بعد أن قاطعت جلسات مساءلة رئيس الحكومة.
وقد شكلت محطة مراجعة النظام الداخلي لمجلس نواب مناسبة لتمارس فرق المعارضة مزيدا من الضغوط وصلت لحد الابتزاز السياسي في مواجهة الأغلبية والحكومة على حد سواء، وكانت عدد من المحاور التي تضغط المعارضة لإدراجها في النظام الداخلي لمجلس نواب تثير الدهشة بسبب إصرار المعارضة على خرق الدستور والحصول على حقوق سياسية ومؤسساتية مخالفة للدستور ومتناقضة مع مبادئ التمثيل الديمقراطي.
وكان الفصل العاشر من الدستور يتم استعماله بشكل متعسف لخرق فصول أخرى من الدستور، وكانت بعض فرق المعارضة تحاول إلغاء مبادئ دستورية واضحة وتعطيل عدة فصول في الدستور في محاولة للحصول على مكاسب غير قانونية.
وبعد مصادقة مجلس النواب على نظامه داخلي الجديد بالإجماع أغلبية ومعارضة، تمت إحالته بشكل تلقائي على المحكمة الدستورية لفحص مدى مطابقته للدستور وفقا لأحكام الفصل 69 من الدستور، بعدها بأيام قليلة فوجئنا بفرق المعارضة ترسل مذكرة للمحكمة الدستورية تطعن بموجبها في عدد كبير من مواد النظام الداخلي الذي صوتت عليه بالإجماع، وقد أستغربنا لهذا التصرف غير قانوني والمناقض للدستور ولمبادئ العمل السياسي، وهو ما أكده قرار المحكمة الدستورية رقم 922 الذي رفض مذكرة فرق المعارضة واعتبر لجوءها للطعن في النظام الداخلي غير دستوري من أساسه.
أما قرار المحكمة الدستورية رقم 924 ومتعلق بفحص مطابقة النظام الداخلي للدستور فقد جاء مفصلا وغنيا بالمبادئ الدستورية المتعلقة بالعمل البرلماني وبالعلاقة بين البرلمان وباقي المؤسسات والسلط الدستورية.
وقد اعتبر القرار أ ن 33 مادة في النظام الداخلي غير دستورية (من أصل 251 مادة)، في حين أبدت المحكمة الدستورية مجموعة من الملاحظات على 21 مادة اعتبرتها دستورية وسليمة، لكنها تحتاج لتوضيح من قبل محكمة الدستورية كي لا يُساء تفسيرها أو يتم التعسف في تطبيقها خلافا للمبادئ الدستورية الأساسية، كما وضعت المحكمة الدستورية في هذا السياق مجموعة قواعد واضحة لعمل المؤسسات بعيدا عن الابتزاز الذي كانت تمارسه المعارضة داخل البرلمان.
قاعدة التوازن بين السلط
تعتبر من بين أهم المبادئ الدستورية التي تضمن التطبيق السليم للدستور وممارسة السلط والمؤسسات الدستورية لمهامها واختصاصاتها بشكل مطابق لدستور 2011، فالسلط الدستورية الثلاث مستقلة عن بعضها البعض (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ولا يمكن لسلطة أن تمارس اختصاصات السلط الأخرى أو تتدخل في مهامها.
ومقابل فصل السلط، أكد الفصل الأول من الدستور على تعاون وتوازن السلط، وهو ما أكده قرار المحكمة الدستورية الذي اعتبر الإخلال بهذا مبدأ مخالفةً صريحة للدستور.
وتعتبر الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة أهم تجليات الخرق دستوري والإخلال بمبدأ التوازن بين السلط، فالأصل في جلسات مساءلة الحكومة أن يتم اقتسام الحصة الزمنية بين البرلمان والحكومة، على أساس أن يتم تخصيص نفس الحيز زمني لأسئلة النواب وأجوبة الحكومة، وهي القاعدة الدستورية مطبقة على جلسات الأسئلة الشفوية الأسبوعية.
غير أن المعارضة بدأت قبل أزيد من سنة بالمطالبة بحقوق غير دستورية وتفوق بكثير نسبتها في الحصة زمنية، متناسية بأن النظام البرلماني المغربي يقوم على أسس خاصة به، وحاول عدة فرق معارضة تطبيق النظام الإنجليزي على جلسات المساءلة بالبرلمان المغربي، وعلى رغم من أننا كنا نؤكد دائماً على الاختلاف الكبير بين نظامين البرلمانيين إنجليزي والمغربي، إلا أن المعارضة كانت مصرة على ابتزاز فرق الأغلبية وقاطعت في نهاية المطاف جلسات مساءلة رئيس الحكومة رغم أنها تعلم أن مقاطعة جلسة دستورية يعتبر إخلالا فظيعا بأحكام الدستور.
وخلال مناقشة مواد النظام الداخلي لمجلس النواب، كانت فرق المعارضة تلح بشكل غريب على الحصول على نصف المدة الزمنية المخصصة للجلسات الشهربية لمساءلة رئيس الحكومة، على أن يخصص النصف الآخر للأغلبية وللحكومة مجتمعة، وهو منطق غريب يضرب أهم القواعد والمبادئ الدستورية، فكيف يعقل أن يخصص لرئاسة الحكومة ربع الحصة الزمنية المخصصة لجلسة مساءلته؟
ورغم أننا أكدنا عند مناقشة النظام الداخلي أن مبدأ التوازن بين السلط يتناقض مع هذا الطرح، إلا أن المعارضة بقيت مصرة على موقفها الغريب، وفي نهاية المطاف تنازلت فرق الأغلبية عن مواقفها ضمانا للتوافق مع المعارضة حول باقي بنود النظام الداخلي، وتم التوافق على اقتسام الحصة الزمنية بين الحكومة والأغلبية والمعارضة بموجب ثلث الحصة لكل طرف.
لكن بالموازاة مع ذلك أكدنا تحفظنا على صياغة هذا الاتفاق معتبرين أن البرلمان لا يمكنه أن يمس في نظامه الداخلي بحقوق رئاسة الحكومة كسلطة ومؤسسة مستقلة.
وقد جاء قرار المحكمة الدستورية بهذا الخصوص ليؤكد صواب موقف الأغلبية وليعيد الأمور إلى نصابها، وليضع القواعد الدستورية موضع تطبيقها السليم، واعتبر قرارها أن مقتضيات المادة 207 من النظام الداخلي غير دستورية لمخالفتها لمبدأ التوازن بين السلط المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور.
فقد أكدت المحكمة الدستورية بهذا الخصوص على ضرورة اقتسام التوقيت الزمني مناصفة بين البرلمان والحكومة، وعلى تخصيص نفس الحصة الزمنية للبرلمان ولرئيس الحكومة، عكس ما كانت تطالب به المعارضة التي ملأت الدنيا صارخا بمطالبتها المناقضة لأحكام الدستور.
قاعدة النسبية في العمل البرلماني:
كان الجدل يثار دائماً بشكل مبالغ فيه بخصوص قاعدة النسبية في حقوق وواجبات الفرق والمجموعات البرلمانية، وكانت عدد من فرق المعارضة، وحتى بعض أطراف الأغلبية، تحاول إلغاء هذه قاعدة وحصرها فقط في تشكيل هياكل المجلس (عضوية المكتب ورئاسة اللجان الدائمة)، وكان الهدف الأساسي من تعطيل هذه القاعدة محاولة منح بعض الفرق حقوقا أكثر من حجمها ومن عدد أعضائها.
وعلى الرغم من أن قاعدة التمثيل الديمقراطي تجعل جميع النواب متساوين في الحقوق والواجبات والمهام التشريعية والرقابية، فإن عددا من الفرق النيابية كانت تحاول إلغاء هذه القاعدة وعدم تطبيقها على حصص الفرق في المداخلات وحقوقها التشريعية والرقابية، وعدد الأسئلة المخصصة لها.
فقاعدة النسبية تعني أن كل فريق برلماني يحصل على الحقوق والامتيازات بحسب عدد نوابه البرلمانيين، وهي قاعدة تجسد بشكل واضح قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين النواب.
وقد حرصنا عند مناقشة مشروع النظام الداخلي على تطبيق هذه القاعدة في جميع المقتضيات المتعلقة بالمهام التشريعية والرقابية وفي مجال الدبلوماسية البرلمانية، كما في مجال الحقوق المادية والبشرية للفرق والمجموعات النيابية، إلا أن عددا من الفرق البرلمانية كانت تنتقد باستمرار إصرارنا على تطبيق قاعدة النسبية وكانت تطالب بحقوق أكبر من عدد أعضائها.
وبعد هذا اللغط الكبير الذي عرفه مجلس نواب خلال هذه السنة، جاء قرار المحكمة الدستورية رقم 922 المذكور أعلاه والمتعلق بفحص مدى دستورية مواد النظام الداخلي ليضع حدا لهذا الجدل، وليؤكد على قاعدة النسبية خلال فحصه لمقتضيات المادة 33 من النظام الداخلي، وأكدت المحكمة الدستورية على "ضرورة العمل بقاعدة النسبية فيما يخص حقوق وواجبات الفرق والمجموعات النيابية بحسب عدد أعضائها اعتمادا على مبدأ التمثيل الديمقراطي المنصوص عليه في فصل الأحادي عشر من الدستور".
قواعد ضمان حقوق المعارضة:
شهد البرلمان المغربي على مدى سنة كاملة جدلا حادا بخصوص مكانة المعارضة وحقوقها، ووصل الأمر حد مقاطعة جلسة مساءلة رئيس الحكومة خلال دورة أبريل الأخيرة.
وكانت فرق المعارضة تطرح مبادرات غريبة تروم السطو على المجلس التشريعي وتحاول الاستفراد بممارسة مجموعة من الحقوق بالبرلمان، ورغم أننا كنا نؤكد دائماً على أن البرلمان يشتغل بمنطق تمثيل نسبي للفرق ومجموعات النيابية التي تعتبر أساس التمثيل الديمقراطي، إلا أن فرق المعارضة كانت دائماً تلجأ للمزايدات السياسية وتتعرف في قراءة النص الدستوري.
وقد اضطرت فرق أغلبية البرلمانية في نهاية المطاف للتنازل عن حصتها في مجموعة من حقوق والمهام البرلمانية لضمان حد أدنى من التوافق، وجاء قرار محكمة الدستورية ليضع حدا لهذا التعسف المناقض والمخالف لدستور 2011.
فقد قضت المحكمة دستورية، في قرارها المذكور أعلاه، بعدم دستورية مجموعة من المواد التي تعطي للمعارضة حقوقا أكبر من تمثيليتها الديمقراطية، فقد اعتبرت أن "منح المعارضة حقاً خاصا بها دون أن يمنح أيضاً للأغلبية" أمر مخالف للدستور وفيه مسٌّ واضح بمبدأ نسبية وبقاعدة المساواة في التمثيل الديمقراطي بين جميع نواب الأمة. فلا يمكن التمييز بين النواب في ممارسة حقوقهم الدستورية ومهامهم البرلمانية بسبب انتمائهم لفرق نيابية دون أخرى.
فقد اعتبرت المحكمة الدستورية بالتالي الفقرة "د" من المادة 41 غير دستورية لأنها تمنح المعارضة حقاً بشكل حصري في الممارسة البرلمانية، ويتعلق الأمر بالإحالة على محكمة الدستورية في حالة النزاع المرتبط بالتشريع.
كما اعتبر القرار أيضاً أن الفقرة الأولى من مادة 42 غير دستورية لأنها منحت بدورها للمعارضة اختصاص تحديد الحيز الزمني لمداخلتها في الجلسة العامة مخصصة لمناقشة ملتمس الرقابة.
وبمقابل ذلك رفضت المحكمة الدستورية ما تضمنته المادتان 43 و 122 بخصوص انفراد المعارضة بالترشيح في منصب عضوية المحكمة الدستورية، وأكد قرارها بالتالي على شرعية التمثيل الديمقراطي وقاعدة المساواة بين النواب.
وتعتبر جلسات مساءلة رئيس الحكومة خير مثال على الابتزاز والمزايدة السياسية، فقد كانت فرق المعارضة تطالب بنصف الحصة الزمنية المخصصة لها على أن تنال فرق الأغلبية مجتمعة ربع الحصة الزمنية والربع الآخر لرئيس الحكومة، إلا أن المحكمة الدستورية قامت بتوجيه صفعة لفرق المعارضة، ورفضت جميع مطالبها واعتبرتها مخالفة للدستور، بل إن قرارها اعتبر أن الصيغة التوافقية غير دستورية طبقا لقاعدة التوازن بين السلط، بحيث أكدت المحكمة الدستورية أن ضمان حقوق المعارضة لا يمكن أن يسير ضد دستور أو أن يمس بالمبادئ والقواعد الدستورية ومن بينها قاعدتي التوازن بين سلط والنسبية التي تجسد المساواة بين النواب على أساس التمثيل الديمقراطي.
حدود الاختصاصات الرقابية للبرلمان:
جاء قرار المحكمة الدستورية مليئا بالمفاجآت فيما يتعلق بالمهام الرقابية للبرلمان، خاصة المقتضيات الجديدة التي تضم اختصاصات هامة ذات طابع جديد ومتقدم مقارنة مع مهام الرقابية الكلاسيكية التي يمارسها البرلمان. فالنظام الداخلي الجديد تضمن مقتضيات هامة تتعلق من جهة بتقييم وتتبع السياسات العمومية وجعلها أساس وجوهر المهام الرقابية للبرلمان.
كما تضمن النظام الداخلي مقتضيات جد متقدمة تهم استحداث لجنة تتكلف بمراقبة الإنفاق العمومي الذي تقوم به القطاعات الوزارية، وهي اللجنة تي عرفت بدورها نقاشا عميقا بين مكونات برلمان المغربي.
كما رفضت المحكمة الدستورية للمرة الثانية إعادة صيغة السؤال المفاجئ أو ما يعرف بالإحاطة علما (المادة 104 من النظام الداخلي).
وقد تفاجأ مجلس النواب بموقف المحكمة الدستورية من لجنة الإنفاق العمومي، إلا أن تعميق النقاش في حيثيات القرار يسمح باستخلاص مجموعة من القواعد تي تحكم المهام الرقابية للبرلمان وفق أحكام دستور 2011.
فبخصوص تقييم السياسات العمومية (المواد من 211 إلى 217)، وعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية أكدت على أحقية مجلس النواب في ممارسة هذا الدور الرقابي الهام، إلا أنها رفضت ممارسة هذه المهام الرقابية بشكل مشترك مع مجلس المستشارين، وأكدت على ضرورة التقيد بأحكام الدستور وعدم ممارسة الاختصاصات بشكل مشترك مع الغرفة الثانية للبرلمان إلا في حالة منفردة وتتعلق بالمصادقة على مراجعة الدستور طبقا لأحكام الفصل 174 من الدستور.
وهذا القرار بحيثياته يعني أن جميع المهام التشريعية والرقابية يتعين ممارستها بشكل منفرد من قبل كلا مجلسي البرلمان، سواء تعلق الأمر بجلسات تقييم السياسات العمومية أو جلسات مناقشة تقارير مجلس الأعلى للحسابات أو جلسات مناقشة تقارير هيآت ومؤسسات الحكامة.
أما المفاجأة الكبرى في قرار المحكمة الدستورية تتعلق بعدم دستورية البند 9 من المادة 55 التي أحدثت لجنة دائمة لهذا الغرض، واعتبرت أن جميع اللجن الدائمة تقوم بمراقبة الحكومة ولا يمكن حصر الاختصاص الرقابي في لجنة بعينها، وهذه قاعدة هامة تتعلق بتصور عمل اللجان البرلمانية في نظامنا الدستوري، وهي نفس القاعدة التي ارتكز عليها قرار محكمة الدستورية بخصوص عدم دستورية إحداث اللجان الموضوعاتية (المواد 73 إلى 80 من النظام الداخلي).
كما رفضت المحكمة الدستورية المواد 218 إلى 221 من النظام الداخلي التي تفصل في إجراءات مراقبة إنفاق العمومي على مستوى اللجنة المحدثة وعلى مستوى الجلسات العامة، وهي مقتضيات جد متطورة وتؤسس لمنهج جديد في العمل الرقابي البرلماني.
فمن جهة أولى اعتبر قرار محكمة الدستورية أن مراقة الحكومة المنصوص عليها في الفصل 70 من الدستور لا يمكن أن تمتد لمراقبة قطات الوزارية لأن أمر يتعلق باختصاص مؤسسة دستورية أخرى هي المجلس أعلى للحسابات.
ومن جهة ثانية أكد القرار على أن مقتضيات النظام الداخلي المتعلقة بهذا المجال تعتبر إخلالا بأحكام الفصل 89 من الدستور الذي يضع القطاعات الحكومية تحت تصرف ووصاية وإدارة الحكومة ورئيسها وليس البرلمان.
وبخصوص المهمة الرقابية الأساسية المتعلقة بالأسئلة الشفوية، فقد رفضت المحكمة الدستورية للمرة الثانية إدراج أية آلية رقابية لا تحترم قاعدة التوازن بين البرلمان والحكومة، واعتبر القرار بالتالي أن الإحاطة علما مخالفة للدستور.
فحيثيات هذا المقتضى في قرار المحكمة الدستورية تؤكد على عدة قواعد دستورية في العمل البرلماني وفي علاقة ساللطتين التشريعية والتنفيذية.
فمن جهة أكد القرار على المساواة بين جميع النواب البرلمانيين ولا يوجد لأي استثناء أو امتياز لنائب على آخر في ممارسة المهام التشريعية أو الرقابية، وبالتالي اعتبر القرار أن إفراد رؤساء الفرق بالحق في المداخلة غير دستوري.
ومن جهة ثانية اعتبرت المحكمة الدستورية إدراج مداخلات في إطار الإحاطة علما مخالفة للدستور، لأنها تمس بمبدأ دستوري أساسي يقوم على التوازن بين السلط، فإدراج إحاطة دون الاتفاق المسبق مع الحكومة يخل بهذا المبدأ.
وبشكل عام، اعتبر قرار أن الجلسة الأسبوعية يجب أن تخصص أساسا لأسئلة النواب وأجوبة الحكومة، وأي مقتضى مخالف يجعل المادة 104 من النظام الداخلي غير مطابقة للدستور.
طرق تنزيل قواعد المناصفة وتمثيلية النساء:
عرف هذا الموضوع بدوره جدلا حادا ومزايدات سياسية غير مسبوقة، أثارتها بعض النائبات البرلمانيات المنتميات لعدد من الفرق النيابية، ووصل الأمر إلى تبادل الاتهامات بين عدد من الفرق بهذا الخصوص، بشكل جعل مبدأ المناصفة المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور مجال التطاحن السياسي وخرق قواعد الدستور عوض أن يكون مجال تشجيع التمثيلية السياسية للنساء بشكل إيجابي.
وعشنا على مدار السنة الحالية مزايدات سياسية محمومة حول مبدأ السعي نحو المناصفة، ورغم أن النظام الداخلي جاء بمقتضيات مهمة جداً بهذا الخصوص، فإن عددا من البرلمانيات انتقدت بشكل حاد ما جاء في المشروع، وتركزت المطالبات على خرق عدد من فصول الدستور.
ورغم التحذيرات المتتالية المثارة حول التعسف في استعمال الفصل 19 من الدستور، فإن الضغوط السياسية التي تقوم بها جزء من الفعاليات النسائية وبعض الفرق التي تدعي الدفاع عن حقوق المرأة بالغت في دفوعاتها واعتبرت ما جاء به النظام الداخلي غير كافٍ في هذا السياق.
وجاء قرار المحكمة دستورية المذكور ليضع قواعد تنزيل النص الدستوري بشكل واضح، وليسطِّر مجموعة من الأسس والقواعد الدستورية المتعلقة بالتمييز الإيجابي وبالسعي نحو المناصفة واعتبر أن مقتضيات المادة 53 من النظام الداخلي مخالفة للدستور.
فالقرار ركز على قواعد تطبيق أحكام دستورية متعلقة بالسعي نحو المناصفة، وبيَّن بجلاء أن المقصود هنا قاعدتين أساسيتين:
- الأولى تؤكد أن سعي نحو المناصفة يتأسس بشكل خاص على "وضع آليات الترشيح لتمكين النساء من الولوج لمناصب المسؤولية السياسية"، لكنه رفض الصيغة المعتمدة في النظام الداخلي، والتي تذهب إلى تخصيص مقاعد في مناصب المسؤولية بشكل حصري للنساء، واعتبر أن هذا التخصيص مخالف للدستور، وفيه "خرق واضح لقاعدة المساواة بين جميع النواب والنائبات الذين يستمدون مشروعيتهم من مبدأ التمثيل الديمقراطي".
- أما القاعدة الدستورية الثانية بهذا الخصوص فتتعلق أساسا باعتماد "مبدأ التناسب بحسب عدد عضوات كل فريق برلماني فيما يتعلق بنسبة الترشيحات"، واعتبر بالتالي أن التمييز الإيجابي المسموح به يهم فقط آليات "تشجيع ترشيح النساء حسب النسبة داخل كل فريق أو مجموعة نيابية"، بمعنى أن الفريق الذي يضم نسبة النساء فيه لا تتجاوز 15% يفترض أن يخصص نفس النسبة على الأقل في ترشيحاته لمناصب المسؤولية وليس في عدد المناصب التي تؤول إليه.
فهذه القواعد المتعلقة بتفعيل مبدأ سعي نحو المناصفة تفسر بجلاء مضامين الفصل 19 من الدستور وآليات تطبيقه على مستوى المؤسسة البرلمانية، وهي قواعد تقطع مع المزايدات السياسية بين الفرق وتمنع بشكل صريح محاولات خرق مبادئ وقواعد دستورية واضحة وأساسية، كما يسمح هذا التفسير الذي اعتمدته المحكمة الدستورية بمنع أي تعسف في تأويل القواعد أو المبادئ الدستورية الأخرى مرتبطة به
قاعدة منع لترحال وضبط الانتماء للفرق البرلمانية:
عرفت مادة 32 من النظام الداخلي جدلا حادا داخل اللجنة وخل الجلسة العامة بمناسبة مناقشة المقتضيات المتعلقة بالمصاب قانوني للفرق والمجموعات النيابية، وبإعادة تشكل الفرق خلال منتصف الولاية.
فعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية قد اعتبرت أن مقتضيات المادتين 32 و33 دستورية، إلا أن القرار أكد على قواعد دستورية واضحة مرتبطة بتشكل الفرق البرلمانية ولمنع الترحال تحت أي شكل من الأشكال.
فقد اعتبرت المحكمة الدستورية أن إعادة تشكيل الفرق في منتصف الولاية لا يجب أن يؤدي لترحال نواب أو تخليهم عن الفرق والمجموعات البرلمانية التي انتظموا فيها منذ بداية ولاية التشريعية، وهو ما يعني أن إعادة تشكيل الفرق في منتصف الولاية سيقتصر فقط على تحيين عدد أعضاء فرق البرلمانية نتيجة تنظيم مجموعة من العمليات الانتخابية الجزئية خلال السنتين الأخيرتين.
وبالتالي فإن أية عملية للتخلي عن فريق أو مجموعة نيابية خلال شهر أبريل قادم سيؤدي لتطبيق أحكام الفصل 61 من الدستور الذي يعني تجريد النائب متخيل عن فريقه من منصبه البرلماني وفق المسطرة القانونية.
قاعدة الطابع السري لأشغال اللجان:
خلافا للدستور السابق، جعل الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 عمل اللجان البرلمانية مشمولا بطابع السرية كمبدأ عام، وجعل فتح اللجان أمام العموم استثناء على هذه القاعدة.
ففي ملاحظتها على المادة 72 من النظام الداخلي، أكدت محكمة دستورية أن نشر تقارير اللجان لا يجب أن يمس بمبدأ سرية أشغال اللجان البرلمانية.
وهي القاعدة تي أكدها نفس قرار المحكمة الدستورية بخصوص المادة 129 التي اعتبرتها غير دستورية، بحيث اعتبرت أن الحالات التي يمكن فيها نزع طابع السرية عن أشغال اللجان يجب أن تحدد بتفصيل وبدقة باعتبارها استثناء عن القاعدة، وعدم تحديد هذه الاستثناءات يجعل المادة 129 مخالفة لأحكام الدستور.
إن المحكمة الدستورية بهذا القرار تكون قد بينت شكل تطبيق النص الدستوري على مستوى العمل البرلماني وعلى مستوى العلاقات بين السلط وحدود الاختصاصات الرقابية وتشريعية للبرلمان.
كما وضع قرارها قواعد ومبادئ محددة تؤطر تشجيع التمثيلية النسائية وولوج المرأة المناصب السياسية، وتم التدقيق في حقوق المعارضة كي لا تبقى مقتضيات الفصل العاشر من الدستور مجال المزايدات السياسية والابتزاز الذي شهده مجلس النواب طيلة السنة الحالية.
فالمحكمة الدستورية بهذا القرار تكون قد فسرت بشكل واضح جزءا مهما من دستور 2011، رغم ما يمكن أن يقال عن حيثيات هذا القرار، والذي تبقى مضامينه قابلة للنقاش الأكاديمي والعلمي لاستنباط القواعد الدستورية التي تضبط الممارسة البرلمانية بالمغرب.
*دكتور في القانون
متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.