لعل أهم دروس التاريخ أنه كان وسيبقى الموجه الوحيد لحركة الناس والمجتمع "" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل.... كان أكثرهم مشركين .""سورة الروم""" إن الأزمات والعوائق هي نتاج تطبيق النظر التاريخي و البناء المعرفي على الواقع باعتباره معتطيات متداخلة منها ما ينساق ضمن رؤية البناء المعرفي ومنها ما يضاد مسلمات البناء المعرفي ،وفي لحظة العوائق المعرفية تحدث عملية إعادة التنسيق بين البناء المعرفي ومخرجاته بعد التفاعل الواقعي وكان للعوائق المعرفية الحد الفيصل بين نجاح المخططات وبين تعثرها وتراجعها وكان له كذلك الدور الفعال في التكيف من أجل البقاء والاستمرار لكن الخدعة الفكرية المعرفية هي التي تحاول الاجابة عن لحظة العائق بمنظومة الافكار القبلية دون الانطلاق إلى ما وراء العائق وتجاوزه من لحظة التباطؤ إلى لحظة التجاوز. إن التجربةالمصرية خاصة بما حملته من رصيد مدني صرف خلال تحرك حركة الاسلام المدني وليس السياسي فقط وهوما لم يحظ لحد الان بالبحث المجرد نظرا لحداثة التجربة التي ساهم الانعثاق بعد الربيع العربي في بروزها كتجربة مدنية تتجاوز المطالب السياسية المرتبطة بالسلطة والحكم إلى المطالب المدنية المرتبطة بالحرية والحقوق المدنية وحقوق الأفراد والمجموعات والتي لم يسمح الاستبداد ببروزها أمام تضخم الرؤية المبنية على امتلاك السلطة السياسية باعتبارها فيصلا في عملية التغيير وذلك على اختلاف نسبي بين الفاعلين السياسيين والمجتمعيين خاصة مع اعتبار الاسلاميين أن مهامهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تواجه من طرف الاستبداد السياسي 1-الربيع العربي بين العتق والحرية: حين دعي عنترة لتغيير فئته المجتمعية اعتبر أن استمراره في حياة العبيد لا يسعفه ليكون ضمن فئة أخرى وقال قولته الشهيرة : "العبد لا يُحسن الكرّ, إنما يُحسن الحِلاب والصرّ". في إشارة صريحة لكون العتق لا يحدث بالضرورة حرية بل إن "الانسان المقهور" قد يفضل استقرار نسقه المعرفي على الخوض في تجربة جديدة ليس بامكانه التحكم في نتائجها على وضعيته الاجتماعية إن التحرك المدني الاسلامي في مصر جعل الرؤية جد واضحة على مستوى العالم العربي في أن الاستبداد السياسي أنشأ أركانا أخرى تقوم عليها دولة الاستبداد على المستوى الاقتصادي والثقافي والاعلامي والنخبوي والحالة النفسية التي أنشأها الفعل المدني الاسلامي بمصر هي حالة تحمل من حالة الانعتاق إلى حالة التحرر وهذه الأخيرة هي ذات حمولة نفسية ومعرفية تجعل من الفاعل المدني الاسلامي محركا للمجتمع في اتجاه نسق القيم الذي ينسجه المشروع الاسلامي ويجعل بالتالي من المشروع الاسلامي مشروعا مجتمعيا بعد أن كان مشروع فئة ويجعل من الصمود في مواجهة الاستبداد حركة اجتماعية بعد أن كان حركة سياسية فقط بما يعنيه ذلك من توسع المنخرطين في المشروع والعاملين به ومن أجله 2-الحركة الاسلامية والعمل المدني: كانت الحركة الاسلامية ومنذ انطلاقها حركة مدنية صرفة ، حور الاستبداد السياسي شكلها إلى حركة سياسية صرفة أو على الأقل ساهم في ضمور اختصاصاتها المختلفة سواء منها الاقتصادية أو الثقافية -المعرفية أو الخدماتية . إن تشديد "مرشد الاخوان المسلمين" في الميدان على كون "السلمية أقوى من الرصاص" ليس كلاما جزافيا وإنما هوتحليل لنسق معرفي قديم بني عليه نسق من قواعد النظر التاريخي وبنيت عليه "فتاوى" وخيارات فقه المغالبة والتدافع المنشأة لتوازن الحراك الاسلامي المدني داخل مجتمعه . و بعد كسب معركة التدافع السياسي بما يعنيه ذلك من اكتساب لآلياته والقدرة على مخاطبة جمهوره وامتلاك آليات خلق التواصل معه ، اصبح المطلوب خلق فعل اسلامي مدني بما يعنيه الانتهاء من "تأميم" الفعل والعمل الاسلامي برعاية وإنشاء وتطوير مشاريع مجتمعية تخضع للمشترك المعرفي والثقافي بين أطراف المشروع المختلفة المواجهة للاستبداد والطامحة لتحويل "النظام المعرفي " إلى ثقافة مجتمعية تنخرط في روافد دولة الحرية والعدالة وتعطيها نسقها الواقعي المدني بعد السقوط المدوي لدولة الاستبداد وصولته أخلاقيا وتاريخيا وواقعيا ، حيث أصبح الاستبداد غريبا وسيموت غريبا في دولة الحرية المتمتعة بعمقها المحلي وامتدادها العالمي ،وبعد الوقوف على مرحلة المفاصلة والابتلاء المستمرة في الزمان والمكان والمواقع والتي هي المحرك الحقيقي والدائم لحركة التاريخ المستمرة طبقا للسنن الكونية الفعالة والتي ترسم حركة السير الزمني للتاريخ في تفاعله مع قواعد النظر التي تكتسبها الفئات أو الأفراد في تحركهم الفسيفسائي لاستكمال سننية التدافع الكونية. 3- التنظيمات المغربية "الاسلامية" وغياب المشروع : لعل الملفت للنظر في العمل الاسلامي بالمغرب غياب النمط المحدد لما تدعيه التنظيمات العاملة بشعار الاسلام من "مرجعية إسلامية" حيث تعيش بالاحرى مرحلة التضخم السياسي الناتج عن محاولة الإجابة عن سؤال التعاطي مع قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره العمود الضابط لخيرية الأمة التي أخرجت للناس والمرتبط بالعلاقة مع الاستبداد السياسي وطرق وصفه والتفاعل معه وغاب بذلك الفعل المدني المنفصل عن 'المواقف السياسة' والمتجمع حول المشترك الحضاري والميداني المؤطر لحركة المجتمع نحو التحرر والعدالة وإنشاء الوعي ، فنجد الانفصال بين العمل الدعوي لحركة التوحيد والاصلاح ولجماعة العدل والاحسان لكون العمل الدعوي أصبح موجها في فلسفته و مناهجه بالموقف السياسي وتجلياته حيث اختارت الأولى منهج المشاركة والمدافعة واختارت الثانية منهج الحشد من أجل لحظة القومة وما يرتبط بها من منتظر موعود في الوقت الذي خاضت فيه التوحيد والاصلاح في طين السياسة باعتباره مخالطة للناس ، مما يجعل سؤال العمل المدني الاسلامي يطرح من جديد في ظل الأفق المشتبك للعمل السياسي الاسلامي والذي يراهن المتدافعون مع الخيارات الاسلامية بجعله أكثر اشتباكا وقتامة لنزع "هالة" الاسلامية عن التنظيمات الدعوية والسياسية المتحركة تحت شعارات الاسلام والشريعة . إن الحاجة لفعل مدني إسلامي تجعل الاشتباك بين الخصوم السياسيين ذو مساحة ضيقة بحصرها في دائرة الاجتهاد وجعل المشترك المجتمعي ذو مساحة أوسع في إطار مسيرة الناس التاريخية نحو الانعثاق ثم التحرر بعد انقضاء عهد الرجل الأمة وتقادم عهد الآل وبروز عهد أمة الناس . ""تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانو بفعلون."" صدق الله العظيم *مهندس دولة مسؤول سابق بحركة التوحيد والاصلاح