يرتبط الانتعاش الاقتصادي برسم سنة 2022 بتحسن الوضعية الوبائية بالمملكة، من خلال تعميم التلقيح واكتساب المناعة الجماعية. ومنذ ظهور طفرات جديدة من فيروس كورونا بالمغرب، والتي أصبحت تهدد السلامة الصحية اليومية للمواطنات والمواطنين، اتخذ المغرب، مجددا، مجموعة من قرارات الإغلاق والتي تخص قطاعات الاقتصادية حيوية تشغل فئة مهمة من الشباب والنساء. بحيث ارتفع مجددا معدل البطالة إلى ما يناهز 12.5 بالمائة على المستوى الوطني، كما تمت مراجعة نسبة النمو المتوقعة مع متم سنة 2021 لتبقى في حدود 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وقد تضرر الاقتصاد المغربي من إجراءات حظر التجول الليلي وكذا إغلاق المحلات ونقط البيع في التاسعة مساءا، والتي كان لها تأثير سلبي على مناخ الأعمال، بحيث تراجع رقم معاملات العديد من المقاولات الوطنية وتضررت مجموعة من الأنشطة الاقتصادية كالنقل، والرياضة، والترفيه، والمراكز التجارية، والمقاهي والمطاعم، والحمامات، وغيرها. وفي هذا السياق، يتم التحضير لمشروع قانون المالية لسنة 2022 والذي أعدته الحكومة الحالية المنتهية ولايتها. حيث يتسم المشروع المذكور بغياب الرؤية السياسية المشتركة في ظل جو انتخابي استثنائي جمع، ولأول مرة، بين الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية. وأخذا بعين الاعتبار ضرورة الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية للدولة (عجز الميزانية، مستوى مديونية، عجز ميزان الأداءات...) وكذا السير العادي والاستمرارية لمرافقها، فإن القانون المالي للسنة المقبلة، والذي يتعين أن يشكل أداة فعالة لإعادة التشغيل المقاولات والانتعاش الاقتصادي، لن يتضمن إجراءات سوسيو اقتصادية مهمة لكونه أعد من لدن حكومة تصريف الأعمال المنتهية ولايتها، لاسيما القرارات المتعلقة بالمواكبة التقنية والمالية للقطاعات المتضررة من الموجة الجديدة من وباء كورونا. ومن جهة أخرى، واستنادا إلى القانون المالي لسنة سنة 2021، فإن مجموعة من الإجراءات المالية سيتم الاحتفاظ بها كالإعفاء من الضريبة على الدخل في حالة تشغيل شاب حامل شهادة عليا وكذا التسهيلات المتعلقة بتسوية الوضعية الجبائية لأشخاص المعنويين والذاتيين. حيث تبقى إجراءات مشروع قانون المالية غير كافية لتحقيق انتعاش اقتصادي والانخراط الفعلي في دينامية جديدة مرتبطة ببلورة النموذج التنموي المرتقب. إذ يتعين بلورة إجراءات جريئة وفعالة لإعطاء إشارات اقتصادية واجتماعية قوية برسم السنة المالية المقبلة، كتخفيض الضريبة على القيمة المضافة لتحسين القدرة الشرائية للمواطن وخصم نقطتين من الضريبة على الدخل التي تخص فئة أجور الطبقة المتوسطة، ومع توسيع الوعاء الضريبي لتحسين المداخيل الجبائية (إحداث الضريبة على الثروة، إرساء مساهمة اجتماعية تضامنية لذوي الدخل المرتفع...). وفي السياق نفسه، يتم إعداد مشروع القانون المالي لسنة 2022 في ظروف خاصة مرتبطة بمشاورات تشكيل الحكومة الجديدة من لدن الأحزاب التي اكتسحت الانتخابات التشريعية لسنة 2021 (الأحرار، المعاصرين والاستقلاليين)، والتي لا تتقاسم نفس الرؤية السياسية، في المجالين المالي والاقتصادي، مع حزب العدالة التنمية التي سير رئاسة حكامة لمدة عقد من الزمن. وبالتالي، يمكن للإتلاف الحكومي المقبل اللجوء إلى قانون مالية تعديلي بعد تشكيل الحكومة الجديدة ونيل ثقة البرلمان، قصد إدراج عمليات وإجراءات تتقاطع مع الأيديولوجية المقبلة لحكومة ما بعد انتخابات 2021، خصوصا البرنامج الحكومي التي سيتم التعاقد عليه. حيث يتعين إعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الوطني برسم السنة المالية 2022، قصد بلوغ معدل نمو اقتصادي يناهز 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ومن جهة أخرى، يشكل قانون المالية لسنة 2022 أداة تفعيل القانون الإطار المتعلق بمشروع الإصلاح الضريبي، حيث يتعين بلورة إجراءات تمهيدية، برسم سنة 2022، في المجال الجبائي وكذا برمجة عمليات إصلاحية طيلة الولاية الحكومية المقبلة، مع المحافظة على مستوى المداخيل الضريبية والتي تمول قسما مهما من النفقات الجارية للدولة. وأكثر من ذلك، فإن القانون المالي للسنة المقبلة سيشكل وسيلة أولية لتفعيل مشروع النموذج التنموي المرتقب للبلاد، ومن خلال ميثاق وطني متوافق عليه بين أطراف الأغلبية الحكومية الجديدة وباقي مكونات البلاد (البرلمان، القطاع خاص، التعاونيات المهنية، المجتمع المدني، المؤسسات الاقتصادية المستقلة...). (*) رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير