زيادات جديدة طالت أسعار عدد من المواد الاستهلاكية خلال الأيام الأخيرة، في غمرة انشغال المغاربة بالحملة الانتخابية، وعاد معها سؤال التوفيق بين احترام مبدأ حرية الأسعار والمنافسة من جهة، وحماية جيوب المستهلكين من جهة ثانية، ليطفو على السطح. المعطيات التي توصلت إليها هسبريس تفيد بأن عددا مهما من المواد الغذائية التي يستعملها المواطنون في معيشتهم اليومية طالتها زيادات صاروخية تتراوح ما بين 25 و50 في المائة، كما هو الحال بالنسبة ل"السميدة"، التي ارتفع سعرها بثلاثة دراهم ونصف، منتقلا من 7 دراهم إلى 10.5 دراهم للكيلوغرام. وعرفت أسعار المعجنات بدورها زيادة كبيرة، تراوحت ما بين 1.70 درهما ودرهمين للكيلوغرام الواحد، بينما ارتفع سعر العدس بدوره بثلاثة دراهم ونصف، منتقلا من 12 درهما إلى 15 درهما ونصف، وارتفع سعر الكيلوغرام من الشاي بنسبة 7 في المائة. الارتفاعات الصاروخية التي شهدتها عدد من المواد الغذائية طالت أيضا زيت المائدة، التي سبق أن عرفت زيادات مهمة قبل أسابيع فقط، ما أثار موجة غضب في صفوف المواطنين، إذ قفز سعر اللتر بالجملة من 12 درهما إلى 16 درهما. ووفقا للمادة الثانية من القانون 104.12 فإن أسعار السلع والمنتجات والخدمات تُحدد عن طريق المنافسة الحرة، عدا السلع والمنتجات والخدمات التي تحدد قائمتها بنص تنظيمي بعد استشارة مجلس المنافسة. ورغم أن قانون حرية الأسعار والمنافسة يجعل رفع الأسعار بدون سقف، فإنّ هذا الخيار الاقتصادي الذي اختاره المغرب يبقى إيجابيا، حسب بوعزة الخراطي، رئيس جمعية حماية المستهلك، لكنه أكّد أن الإشكال يكمن في اتفاق الشركات على تحديد الأسعار التي تريدها. وأوضح الخراطي، في تصريح لهسبريس، أن المواطنين يشتكون عند كل زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية من غياب مراقبة السلطات المختصة، في حين أنّ هذه الأخيرة لا يمكنها أن تراقبَ الأسعار في ظل وجود حرية تحديدها التي يتيحها القانون، فتراقب فقط مدى الالتزام بإشهار ثمن البيع. واعتبر الخراطي أن اعتماد حرية الأسعار والمنافسة، الذي شُرع في تطبيقه منذ سنة 2000، "منهج اقتصادي جيد، لكن الذي ليس مقبولا أن تتفق الشركات على زيادة عدد من أسعار المواد الاستهلاكية في ذروة انشغال المغاربة بالحملة الانتخابية". من جهته قال عيسى أشوط، الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالرباط، إن الزيادات المتتالية في الأسعار تتطلب تدخل الإدارة من أجل الحيلولة دون اتفاق الشركات في ما بينها على السعر الذي تبيع به منتجاتها في السوق. ولفت أشوط، في تصريح لهسبريس، إلى أن هناك إشكالا آخر يساهم في ارتفاع الأسعار، ويتعلق بمحدودية الشركات التي يُرخص لها استيراد المواد الاستهلاكية من الخارج، وهو ما يجعلها تطبق الأسعار التي تريد، في ظل غياب المنافسة، داعيا إلى فتح المجال أمام شركات الاستيراد وتذليل العقبات أمامها، من أجل إبقاء المنافسة، وبالتالي استقرار الأسعار. وحسب ما جاء في المادة 4 من قانون الأسعار والمنافسة فإن الإدارة يمكنها القيام، بعد استشارة مجلس المنافسة، باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين، دون أن تزيد مدة تطبيق التدابير المذكورة عن ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة. ولتجاوز إشكال اتفاق الشركات على رفع الأسعار، أكد رئيس جمعية حماية المستهلك أن الحل يوجد بيد وزارة الاقتصاد والمالية، عبر مديرية الحكامة والمنافسة التابعة لها، التي من صلاحياتها القيام بالتحريات لضبط المخالفين، مضيفا أن المديرية المذكورة لديها من الوسائل ما يجعلها قادرة على معرفة الشركات التي تخرق قواعد المنافسة بهدف توحيد الأسعار. وأصبحت أسعار المواد الاستهلاكية تعرف زيادات صاروخية، على غرار الزيادة التي طالت سعر بيع زيت المائدة، الذي وصل إلى درهمين في اللتر، بينما زاد سعر ثمن خمسة لترات بعشرة دراهم دفعة واحدة، وباتفاق بين الشركات العاملة في القطاع. وإذا كان القانون يتيح حرية الأسعار والمنافسة فإنّ المواطن المغربي لا يعاني الأمرّين جراء ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية فحسب، بل يعاني أيضا من ارتفاع أسعار الخدمات المقننة، مثل النقل الطرقي للمسافرين. في هذا الإطار قال بوعزة الخراطي إن أغلب الشركات المالكة لحافلات نقل المسافرين بين المدن عمَدت إلى مضاعفة تسعيرة النقل، بداعي خفض عدد الركاب في إطار إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، رغم أنها لا تطبق هذه الإجراءات، ومازالت تشتغل بالطاقة الاستيعابية العادية. الارتفاعات الصاروخية التي تطال المواد الاستهلاكية بشكل يكاد يكون مسترسلا لا تضرّ فقط بجيوب المواطنين، بل بالتجار أيضا، إذ ينقص هامش ربحهم، علاوة على تأثر علاقتهم مع المواطن، الذي يعتقد أن التاجر هو المسؤول عن رفع الأسعار، بينما ترتفع من المنبع، حسب ما أوضح عيسى أشوط.