في وقت انشغل فيه المغاربة بتداعيات جائحة كورونا وبالانتخابات، تزايدت الأسعار في الأسواق المغربية حتى صارت نارا تحرق جيوب المواطنين القادرين وغير القادرين، في ظل غياب الرقابة من الجهات المخول لها قانونا القيام بهذه المهمة. فقد ارتفعت أسعار معظم المواد الغذائية بنسب كبيرة، وشملت الزيادات سبع مواد أساسية، فقد عرف ثمن الزيت ارتفاعا انتقل من 10 دراهم الى 16 درهما للتر الواحد مع إمكانية زيادة 50 سنتيما كل أسبوع حسب بعض التجار والباعة، فيما ارتفع ثمن القطاني خاصة العدس الى 13 درهما بعدما كان لا يتعدى 7 دراهم ونصف، ووصل ثمن الكيلو من الفول الى 10 دراهم وكان ثمنه في السابق 8 دراهم. وقفز ثمن الزيت من 55 درهما الى 85 درهما بالنسبة لخمسة لترات، كما ارتفع ثمن الدقيق من نوع الفينو ب 75 درهما لكيس سعته 25 كيلوغراما و35 درهما للكيس من حجم 10 كيلوغرامات ، وهي زيادات كبيرة وغير مفهومة من لدن المواطن . كما عرفت أسعار المحروقات زيادات صاروخية ساهمت في ارتفاع أسعار الخضر والفواكه ومواد البناء. وعرفت مواد الترصيص والكهرباء زيادات كبيرة شملت كل المواد، إذ ارتفع ثمن الحنفية العادية بمائة درهم أواخر شهر شتنبر الماضي. وحرمت هذه الزيادات ذوي الدخل المحدود و عديمي القدرة على الشراء من قضاء حوائجهم من الأسواق، إذ يعودون إلى منازلهم بقفة فارقة أو بها النزر اليسير من المواد الغذائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ويتساءل المواطنون في حرقة وهم يعرفون الجواب، أين مصلحة الرقابة على الأسعار في السوق بل وأين مجلس المنافسة ؟. وأين المصالح المختصة بالولايات والعمالات والجماعات المنتخبة ومجالس المدن والهيئات الأخرى المسؤولة؟.
وعرفت أسعار المعجنات بدورها زيادة كبيرة، تراوحت ما بين 1.70 درهم ودرهمين للكيلوغرام الواحد، بينما ارتفع سعر الكيلوغرام من الشاي بنسبة 7 في المائة لقد طالت أسعار عدد من المواد الاستهلاكية زيادات جديدة خلال الأيام الأخيرة، في غمرة انشغال المغاربة بالانتخابات وبجائحة كورونا، وعاد معها سؤال التوفيق بين احترام مبدأ حرية الأسعار والمنافسة من جهة، وحماية جيوب المستهلكين من جهة ثانية، ليطفو على السطح. و الغريب ان هذه الأسعار التي تقع بشكل جنوني خلال هذه الفترة تعرف هذه الزيادات بشكل جنوني خلال هذه الفترة بينما السلطات المختصة قائمة والأجهزة المسؤولة عن مراقبة الأسواق من المفترض أنها تمارس عملها والقانون المنظم للرقابة ساري المفعول . فماذا يمنع من ضبط الأسعار من المنبع ومراقبة باعة التقسيط مباشرة والتحكم في عملية البيع والشراء بحيث يفرض احترام القانون بقوة القانون. إن الزيادات المطردة في الأسعار تزعزع استقرار المجتمع ولربما تؤدي إلى الإخلال بالأمن العام على نحو ما ، وهو الأمر الذي يتطلب القيام بمسح عام للأسواق تطهيرا لها من رجس الاستغلال البشع للمواطنين و الربح الحرام على حسابهم. وقالت الشركة المنتجة لزيوت المائدة في المغرب، في بيان لها، إنها "تتفهم القلق والانزعاج اللذين خلفهما ارتفاع أسعار زيوت المائدة بالسوق المغربية خلال الأشهر الأربعة الماضية". واعتبرت أن هذه الزيادة التي "همت جميع الفاعلين راجعة بالأساس إلى ارتفاع مهم في أسعار المواد الزراعية الأولية على الصعيد الدولي. ومنذ مايو 2020، بلغ ارتفاع سعر الصوجا 80 % وسعر عباد الشمس 90%" وحرصاً منها على حماية القدرة الشرائية للمستهلكين المغاربة، فإن الشركة وعدت ببذل قصارى جهدها للتخفيف من أثر تقلب الأثمنة العالمية للمواد الزراعية الأولية.
وتساءل الدكتور بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن كان قطاع زيوت المائدة في المغرب تحرر فعلاً، موضحاً أن المغرب كان يضم 14 شركة قبل التحرير ليتقلص هذا العدد إلى 7 شركات لا غير، واحدة منها فقط هي من تقوم باستيراد الزيت، والبقية تستورد المواد الخام لإنتاج الزيوت، متابعاً "أليس من الغريب أن تنخفض أعداد الشركات بعد تحرير القطاع؟".
ووفقا للمادة الثانية من القانون 104.12 فإن أسعار السلع والمنتجات والخدمات تُحدد عن طريق المنافسة الحرة، عدا السلع والمنتجات والخدمات التي تحدد قائمتها بنص تنظيمي بعد استشارة مجلس المنافسة.
ورغم أن قانون حرية الأسعار والمنافسة يجعل رفع الأسعار بدون سقف، فإنّ هذا الخيار الاقتصادي الذي اختاره المغرب يبقى إيجابيا، حسب بوعزة الخراطي، رئيس جمعية حماية المستهلك، الذي أكّد أن الإشكال يكمن في اتفاق الشركات على تحديد الأسعار التي تريدها. واعتبر الخراطي أن اعتماد حرية الأسعار والمنافسة، الذي شُرع في تطبيقه منذ سنة 2000، "منهج اقتصادي جيد، لكن الذي ليس مقبولا أن تتفق الشركات على زيادة عدد من أسعار المواد الاستهلاكية في ذروة انشغال المغاربة بالانتخابات.
ودعا مواطنون الى تدخل الإدارة من أجل الحيلولة دون اتفاق الشركات في ما بينها على السعر الذي تبيع به منتجاتها في السوق.
ولفتوا إلى أن هناك إشكالا آخر يساهم في ارتفاع الأسعار، ويتعلق بمحدودية الشركات التي يُرخص لها استيراد المواد الاستهلاكية من الخارج، وهو ما يجعلها تطبق الأسعار التي تريد، في ظل غياب المنافسة، داعين إلى فتح المجال أمام شركات الاستيراد وتذليل العقبات أمامها، من أجل إبقاء المنافسة، وبالتالي استقرار الأسعار.
وحسب ما جاء في المادة 4 من قانون الأسعار والمنافسة ، فإن الإدارة يمكنها القيام، بعد استشارة مجلس المنافسة، باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين، دون أن تزيد مدة تطبيق التدابير المذكورة عن ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة.
ولتجاوز إشكال اتفاق الشركات على رفع الأسعار، أكد رئيس جمعية حماية المستهلك أن الحل يوجد بيد وزارة الاقتصاد والمالية، عبر مديرية الحكامة والمنافسة التابعة لها، التي من صلاحياتها القيام بالتحريات لضبط المخالفين، مضيفا أن المديرية المذكورة لديها من الوسائل ما يجعلها قادرة على معرفة الشركات التي تخرق قواعد المنافسة بهدف توحيد الأسعار.
وإذا كان القانون يتيح حرية الأسعار والمنافسة ، فإنّ المواطن المغربي لا يعاني الأمرّين جراء ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية فحسب، بل يعاني أيضا من ارتفاع أسعار الخدمات المقننة، مثل النقل الطرقي للمسافرين.
وفي هذا الإطار قال بوعزة الخراطي، إن أغلب الشركات المالكة لحافلات نقل المسافرين بين المدن عمَدت إلى مضاعفة تسعيرة النقل، بداعي خفض عدد الركاب في إطار إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، رغم أنها لا تطبق هذه الإجراءات، ومازالت تشتغل بالطاقة الاستيعابية العادية. كل هذه الزيادات الصاروخية في المواد الغذائية الأساسية ، تمت خارج الاتفاق بين المنتجين ومجلس المنافسة ، وهو ما يخالف مقتضيات الفصل 166 من الدستور، التي تعتبر أن "مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار".