قد يخال الناس أن جمهورية النيپال إحدى أفقر دول آسيا، أو أدغالا وبيوتا متناثرة هنا وهناك، تتخللها طرقات عبّدتها حوافر الثيران التاركة وراءها سؤرا وروثا يزكم الأنفاس، كما هو الحال في بعض دول قارتنا السمراء، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فجمهورية النيپال الفدرالية هي نتاج خليط تكاد عناصره أن تصير متجانسة لولا التجاذبات السياسية و العرقية وكذلك اللغوية، خصوصا بعد تنازل الملك غيناندرا عن عرش آخر مملكة هندوسية عرفها تاريخنا المعاصر. عُرف هذا البلد الصغير، الذي تزيد مساحته بقليل عن مساحة جهة وادي الذهب الگويرة المغربية، بكونه سقف العالم المحتضن لأعلى قمة جبلية في المعمور وسط أعتى سلسة من الأعلام، إنّها سلسلة الهيمالايا و عريسها الشامخ الإيڤريست، تضاريس خلقت أغرب علم دولة في الدنيا الذي هو علم النيپال الذي ليس له مثيل بمثلث يعلوه آخر، في إشارة للجبال الشاهقة، وكذا لديانتي البلد الرئيستين؛ الهندوسية و البوذية-التِّبِتِيّة، وهما الرمزان اللذان يتخللهما بالراية قرص للشمس المقدسة مع هلال ونصف قرص، في إشارة لتقاسم الحكم بين الملك و وزيره. اللغة النيپالية هي إحدى اللغات ذوات الأصول الهندي-آرية، مشتقة من اللغة السنسكريتية القديمة، مثلها مثل لغة الاردو والهندية، يتكلمها ما يربو عن ال56 في المائة من مجمل سكان الجمهورية، زيادة على اعتبارها لغة رسمية في شمال الهند، بولاية سكييم، ولغة وطنية في مملكة بوثان المجاورة، حيث عرف هذا اللسان تأثيرات من لغات أجنبية منها الفارسية المتأثرة نفسها باللغة العربية. بلغة البلد نجد مثلا لا حصرا: أخبار (صحيفة)، وكيل (محام)، كلم (قلم)، قازي (قاض)، وكانون (قانون).. فيما تتعايش لغات أخرى جنبا إلى جنب مع اللغة النبالية حسب المناطق و الجهات، فمثلا سكان العاصمة كاثمندو الأولون، وهم "النيوار"، ينحدرون من خليط أعراق جامع ما بين مغولي و آري، يتكلمون لغة يصنفها اللسانيون على أنها إشتقاق من اللغة التبتية والبرمانية، مع تأثير واضح للغة السنسكريتية.. إذ تكتب هذه اللغة بحرف الديڤاناگاري، مثل اللغة الهندية ومعهما النيپالية، كرغبة في تسهيل تلقين و تعلم هذا اللسان لشباب الوطن، وقد تكون هذه عبرة للمعهد الملكي للثقافة الامازيغة بالمغرب لاختيار حرف متداول و أصيل. تتعايش العديد من الأديان في هذه الجمهورية الفيدرالية رغما عن وجود رغبة جانحة و متزايدة لدى المواطنين لأجل عودة "الملك/الإله" إلى الحكم و السيادة في تناغم قل نظيره في الدنيا، وهنا نرى المسجد بالقرب من معبد الهندوس، وأمامهما رهبنة البوذيين التبتيّة.. أمّا المسلمون فيشكلون أقلية لا تتعدى نسبة الواحد في المائة، أغلبهم أحفاد تجار منطقة جامو-كشمير، أو من البنغال الغربي المتاخم، مع وجود جيوب مسلمة محدودة في الجنوب للعرق النيپالي من طبقة المنبوذين للهندوسية وهم من اللذين ارتدوا عنها.. وهناك بحوث تأكد أن الإسلام قد أُعتنق من قبل طبقة "كفاءة" للمنبوذين في شبه القارة الهندية، خصوصا في الهند وبنغلاديش وسيرلانكا. يعرف الإنسان النيپالي بكرمه وحسن استقباله للأجانب و سخاءه الذي يمكن أن يعتبر أحيانا بلغ درجة المبالغة غير الإرادية، فالضيف عند الهندوس بمثابة "إله وجب له كل الاحترام و التقدير" عكس ثقافة الإغريق القائلة بعدوانية الضيف و الغريب. مدينة پوكهارا، الواقعة وسط البلاد، هي ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة كاثمندو، وتعتبر بحيرتها إحدى أجمل المناطق السياحية في شبه القارة الهندية لما لها من مؤهلات طبيعية قل نظيرها. ينقطع كل من التيار الكهربائي و الماء الشروب بشكل يومي ولمدة ساعات متواصلة، وذلك على الرغم من أن البلد يتوفر علئ مؤهلات هيدروليكية-سطحية تفوق مؤهلات المغرب والجزائر مجتمعتين، و ذلك راجع لتفشي الفساد وسوء التدبير، زيادة على كون البلد محط تجاذب سياسي بين جمهورية الصين الشعبية الداعمة للشيوعيين الماويين وجمهورية الهند المغدقة على الأحزاب اليمينية المحافظة. بوافر المال. من يرغب في السفر من المغرب إلى النيپال إليه ببعض هذه المعلومات: سحب التأشيرة يتم عند الوصول إلى مطار العاصمة مقابل 40 دولارا أمريكيا، وهي صالحة لمدة 30 يوما، امّا الجو بالبلد فهو دافئ وممكر طوال أيام السنة، فيما تكلف الرحلة، ذهابا و إيابا، ما يقارب ال8500 درهم على متن خطوط خليجية أو تركية، بينما سعر الصرف يجعل درهما مغربيا يعادل 12 روبية نيپالية، وهو ثمن شاي بالحليب في مقهى شعبي، أمّا صحن من أكل "دال مُشكل" يكلف أقل من 25 درهما مع مشروبه بجانبه. يُمكن تكلم اللغة الانجليزية في جميع المناطق الحضرية بالنيپال، أمّا الهواء فهو جد ملوث بالعاصمة كاثمندو، ولذلك يستحسن وضع أقنعة طبية تكلّف 25 روپية للقطعة الواحدة، ولا توجد أي تلاقيح إلزامية عدا أن داء التهاب الكبد الوبائي منتشر بين فئات عمرية محدودة.. أمّا الدولة المغربية فلها بالنيپال تمثيلية قنصلية "فخرية" على مرمى حجر من السفارة الأمريكية، وهي على مدخل حي " ثامل" السياحي، و بقرب من الإقامة الملكية السابقة لبلد شعار ساكنيه "الموت لأجل الوطن خير من ملذات الجنة كلها".