محمد السادس تصفه بعض الجرائد المتملقة بملك الفقراء وبملك الرسائل التي كثيرا ما انتفع بها المعطلون والمكفوفون لإيجاد عمل حينما كان وليا للعهد قبل أن يصبح ملكا للبلاد والعباد . "" وصفه عبد الهادي بوطالب في شهادته على قناة الجزيرة بأنه" أطيب خلق الله ".
ووصفه الصحافي الإسباني بيدروكناليس : " بالملك الذي لا يستطيع تحمل مسؤولية العرش ".
استلم محمد السادس مقاليد البلاد وهي على شفا حفرة من النار أو كما سماها أباه" بالسكتة القلبية", تاريخا مثقلا بسنوات الرصاص والألوان الرمادية التي حجبت الرؤية ولم تسمح للملك في غياب معارضة حقيقية أن يقود البلاد إلى ما كان يأمل إليه : البناء الديمقراطي .
في الجانب الآخر دوت فضائح : نهب المال العام وقناص تارجيست وبعدها فضيحة سيدي إيفني وبعدها فضيحة الكولونيل التريكي ... وفي كل مرة يتم تشخيص الداء بالداء دون اللجوء إلى أن المسؤولية يتحملها الملك الشاب وبعده الجنرال حسني بنسليمان ...
هذا الجنرال الذي جاء كحارس لكرة القدم ليتحول عبر وخلال سنوات الرصاص لجنرال كبير للمغرب بسواحله وأسماكه وبصحرائه وكرئيس للمخابرات العسكرية المغربية .
بين الملك والجنرال هو نظام في جبة نظام أو بنية مغلقة داخل بنية لا يمكن فك ألغازها إلا بالعودة إلى التاريخ المغربي المعاصر .
ما عاشه الملك الشاب خلال الانقلابين كطفل صغير إبان سنوات السبعينيات كأمير سيترك لا محالة نذبا حقيقية في نفسية الأمير الصغي رعن قوة الآلة العسكرية وقدرتها وقوتها الضاربة في خلخلة النظام الملكي بالمغرب , لذلك كانت وصية الملك الراحل بالتعامل مع هذا الملف بنوع من الليونة واللباقة .
كيف سيتعامل الملك مع لوبيات من جنرالات أوصاهم الملك الحسن الثاني بالالتفات إلى التجارة وترك السياسة . وداخل هذه البنية المعقدة التي يلتف حولها الفعل السياسي بالمخابراتي بالاقتصادي لتذوب في إطار الصراعات الداخلية والخارجية وخاصة قضية الصحراء والأطماع الأجنبية المتربصة بمغرب ما بعد الحسن الثاني .
في هذه السيرورة تحول الجنرال حسني بنسليمان من حارس كرة قدم هاو إلى لاعب محترف بشؤون الإستخبارات وبالتجارة وبقضايا أعالي البحار .
أخطبوط امتدت شبكته ونفوذه القوي داخل رجالات الدرك والاقتصاد والدليل على هذا قضايا سرقة معونات الجيش وقضية القبطان أديب وأخريين كلها أحيلت إلى الرفوف وخرج منها الجنرال أكثر قوة وأكثر نفوذا وكأن الملك الشاب ينتظر شيئا من اثنين :
تقاعد الرجل أو موته كما هي حالة إدريس البصري الذي خرج إلى فرنسا وظل يلوح بالمذكرات التي كانت ستخدش وتلحق أضرارا بليغة في الجسد المتهاوي .
إذا كان الإجماع الشعبي والحزبي قد أجل برحيل البصري وبعزله فإن حسني بنسليمان ظل في عرشه شامخا حتى بعد قرار القاضي الإسباني " غاستون "وقبله قرار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والأحداث الصادمة التي هزت المملكة والتي تورط فيها رجال الدرك بصفة خاصة سواء في منطقة تارجيست حيث أشاح القناص عما يختلج جهاز الدرك من فدحات ألحقت الأذى بالمواطن المقهور وبسمعة المغرب .
وبعدها أحداث سيدي إيفني التي اهتز لها الرأي العام المغربي عن الوحشية التي تعامل بها الجنرال ورجاله في إحكام القبضة على المواطنين العزل .
داخل هذه البنية المعقدة طالت انتظارات الملك الشاب في انتظار فرصة سانحة ستمكنه من التخفيف من الحمل الثقيل الذي ورثه والذي لم يتمكن من إزالته وهو يصل لنهاية العقد الأول من حكمه .
والسؤال المطروح لماذا لم يتمكن محمد السادس من تفكيك شبكة العلائق التي يحتمي بها الجنرال خلال عقد من ولاية حكمه ؟
سؤال الاستطاعة أو عدمه ليس ذا أهمية بمقدار النظر إلى رجالات الحكم خلال عشر سنوات وأن الذي حاول تغييره الملك الشاب كان أكثر ثقلا من مغرب الحسن الثاني الأكثر تعقيدا والمتسم بالكثير من التناقضات بين الأصالة والمعاصرة وبين الديمقراطي واللاديمقراطي وبين الأصول الاقتصادية للمخزن العتيق والمتهاوي.
سؤال الاستطاعة أو عدمه في تنحية الجنرال وأطراف أخرى تعتقت بحبر المخزن الاقتصادي وأصبحت ركائز جديدة للعهد الجديد من الصعب فك إحداثياتها بدون جرأة زائدة والتحلي بالشجاعة وسداد الرأي وبدون مجتمع المواطنة . ولكن كيف يمكن بناء المجتمع المدني ودولة المواطنة في إطار ملك يحكم ويسود وإليه تعود مجريات الأمور في بداياتها ونهاياتها ؟
في هذا الإطار نناقش هذا الأمر بعيدين كل البعد عن شخصية الملك المقدسة .
رهان الملكية الدستورية الديمقراطية وتطورها ودمقرطتها في نقاش حقيقي , في كشف العلائق واحترام دستور شعبي يضع لكل اختصاصاته في إطار مواطنة كاملة وفي احترام تام للقوانين .
في إطار استراتيجيته كان محمد السادس واع بمجتمع القراءة الذي أهمله والده لضرورات الحكم ولمتطلبات مرحلة عسيرة من تاريخ المغرب المعاصر . مجتمع القراءة الذي يصعب بناؤه بين عشية وضحاها لا تكتمل صورته فقط بمحو الأمية بل بالمجتمع الواعي لمفهوم المواطنة والثورة الثقافية التي بدونها لا يمكن للمواطن المغربي قهر فيروسات قاتلة من العهد البائد .
لا يمثل الجنرال حسني بنسليمان إلا عينة من هذا العهد القوي والبائد , عينات تشبعت بثقافة اقتصاد الريع والمحسوبية والاغتناء باسم الدولة ونهب المال العام . لو كان الجنرال يملك ذرة من ذرات المواطنة لقدم استقالته سواء أثناء قضية المهدي بن بركة أوفضيحة تارجيست أو بعد فضيحة الكولونيل التريكي أو فضيحة الخسارة المذوية للرياضة المغربية في بكين . فقد حزم حقائبه من الصين وراح في رحلة استجمام بسويسرا وكأن الدولة المغربية برمتها وجب عليها انتظار انتهاء رحلات الاستجمام وعودة الزعيم التاريخي .
بين الحسن الثاني والملك الشاب محمد السادس سنوات ضوئية وفوارق شاسعة على أن زعزعة إرث تاريخي متقادم ومتهالك وجب معالجته بروية وبسنوات ضوئية بالمقابل .
برحيل الجنرال أو عدمه لن يتحقق ما يربو إليه المجتمع المدني ببناء دولة المؤسسات الدستورية وباحترام المغاربة كشعب بعيدا عن تلك النعوت المجانية كالأوباش والبخوش وبالتعالي عن مفهوم المواطنة الكاملة.
أخيرا لماذا يحمي محمد السادس الجنرال بنسليمان وشخصيات أخرى ؟