كثر الوباء وانتشر معه الفزع فرقا من الموت، واعتاد الناس ذكره بجانبه المظلم، واقترن عندهم بنهاية الأشياء كلها، وللموت جوانب أخرى جميلة، فهي بداية حياة وليست نهاية، قد تريح الإنسان وتسعده، وتكون خيرا للنفس والغير، قد تزيل داء عضالا وهما دائما، تشعرك بالعدل والاستواء بين الناس جميعا، قد تمدك بابتسامة حين تظلم الدنيا في عينيك، فأنت ترحل ويبقى أثرك الجميل، يكثر زوارك، وتتنزل عليك الرحمات، وتهدى لك الصدقات، يتذكرك من كان لك ناسيا في الحياة، يختارك الله لجواره لترتاح من نصب الدنيا وغمومها، قد تكون في جوار سيء فيختارك الله لجوار حسن، قد تكون في حياة مللت منها فيريحك الله منها، وقد تكون مشتاقا للقاء أحبة رحلوا فيعجل الله بلقاء بعد ألم فراق، قد يختار الله لك الموت ليهب لك الحياة. هموم الحياة تتكرر مرات، والموت لا تذوقه إلا مرة واحدة، بالموت تلقى الله ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وموت معه رحمة خير من حياة فيها عذاب، قد تكون حياتك انطفأت فيها أشياء جميلة فيأتي الموت ليضيء لك حياة أخرى هي أسعد وأبقى. بالموت قد توهب لك الحياة، فقط لا تتمن الموت ولكن قل "اللهم احييني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي" موتك راحة لنفسك، فإن لم يكن فهو راحة للناس "مستريح أو مستراح منه" ومن منحك الحياة هو الذي منحك الموت فارض بالثانية كما رضيت بالأولى، الموت ليس نهاية حياة بل انتقال من حياة فانية إلى حياة باقية، الموت عروج من الأرض إلى السماء، واستمسك بالحياة ما استطعت، وإذا نزل بك الموت فهو اختيار الله لك. بعد الموت ستجد في النعيم أرواحا طاهرة، ونفوسا طيبة، لا تحمل لك غلا ولا حقدا، ولن تحمل هم وباء ولا بلاء ولا فقر ولا مجاعة، لن تفوتك طائرة، ولن تتأخر عليك حافلة، لن تنقلب بك سيارة، لن ترسب في مبارة، ولن تفجع بفراق، فتلك أشياء انقضت بانقضاء الحياة التي كنت مستمسكا بها، خير العقلاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خيره ربه بين الحياة والموت فاختار ما عند الله. رحيلك إن أبكى أحبة فقد يفرح آخرين لحقت بهم، ومهما خشيت عقاب ربك على أفعالك فإنه لا يبقى في النار أحد ممن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله...