يعتبر الحديث في موضوع التوجه الإفريقي في السياسة الخارجية المغربية من الأمور التي تتميز براهنية من حيث حيويتها وانفتاحها على الآفاق المستقبلية، حتى نتبين طبيعة هذه العلاقة ومميزاتها ووثيرتها عبر رصد الثابت والمتحول فيها. وعلى هذا الأساس فإن الموقع الجيوسياسي للمغرب يضعه أمام شكل معين في علاقته مع المجال الإفريقي، الأمر الذي جعله معنيا بالقضايا الإفريقية بل فاعلا ومتفاعلا مع الأحداث التي تقع داخل هذه القارة. وأمام هذه المعطيات يعد التوجه الإفريقي في السياسة الخارجية المغربية نابع من علاقات متجدرة في القدم تؤكدها الأحداث التاريخية وخاضع في امتداداته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى هذه الأمور. ترجع طبيعة الاهتمام المغربي بدول جنوب الصحراء، إلى التاريخ المشترك الذي يجمعه بدول هذه المنطقة، وتاريخ المغرب خير شاهد على ذلك. وقد استمر الأمر على حاله خلال الفترة الحديثة والمعاصرة حيث كانت المملكة المغربية في مقدمة البلدان، التي بادرت إلى التضامن مع إفريقيا عبر الانشغال بالقضايا التي تحبل بها هذه المنطقة وكانت دائمة الحضور الفعلي في هذه الدول. أولا: العلاقات المغربية السينغالية. إن الدور الذي لعبه المغرب على الساحة الإفريقية منذ انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية لم يحدد بالمجال السياسي الدبلوماسي، على الرغم من كون الأحداث كانت تنحو نحو هذا المنحى بل وتؤطر العلاقات المغربية الإفريقية في هذا الاتجاه. إلا أن هناك جانب مهم من العلاقات تتمثل في جانب التعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي إذ وضع المغرب مختلف الأدوات لتنظيم التعاون المغربي الإفريقي . فعلى الرغم من ارتباط المصالح الاقتصادية المغربية بشكل كبير بدول الاتحاد الأوروبي حسب الباحث حماد زويتني، إلا أن المغرب لم يكن غائبا عن إفريقيا حيث حرص على بناء علاقات اقتصادية مع عدد من الدول وهو ما أسفر عن التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات التجارية وإنشاء لجان خبرة مختلطة كما منح المغرب خبرته في مجال الصناعة والتعدين لبعض الدول الإفريقية على سبيل المساعدة التقنية إضافة إلى أن هذا التعاون الاقتصادي قد امتد ليشمل مجالي المالي والخدماتي . كما أعطى التوجه الجديد للسياسة الخارجية للمملكة دفعت قوية في تعزيز العلاقات الثنائية بين المغرب وبعض البلدان الإفريقية على أسس ومعطيات تاريخية وسياسية وإنسانية . ومن تم تعددت وتنوعت مجالات العلاقات المغربية الإفريقية شمل المبادلات التجارية التكوين التقني والمهني والتربوي، الصيد، الفلاحة وشمل التعاون أيضا المجال الديني مع بعض الدول الإفريقية المسلمة ومجلات أخرى خاصة بالجانب العسكري والأمني. وفي هذا الإطار وقع المغرب مع دولة ساحل العاج مجموعة من الاتفاقيات ذات الطابع التجاري وهذه الاتفاقيات هي على التوالي: - اتفاقية تجارية بتاريخ 22 شتنبر 1973 وتنص على تنشيط التبادل التجاري بين البلدين. - اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني ي 21 شتنبر 1980 وتدعو إلى انتقال السلع والبضائع. - اتفاقية تجارية في 5ماي1995 تنص على دعم آليات المبادلات التجارية . كما وقع خمس اتفاقيات تعاون مع غينيا ابتداء من 1979 من بينها إحداث الوكالة الغينية المغربية للتعاون. قيمة التعاون المغربي الإفريقي تعكسها حجم المبادلات التجارية بينهما، فإذا كانت قيمة المبادلات قد وصلت سنة 41.6 % من الواردات الإفريقية بالمغرب في حين أن 31.8% من صادراته كانت موجهة نحو بلدان افريقيا وأصبح الغابون وساحل العاج من أهم الموردين الأفارقة للمغرب إذ تعدت نسبته 9.7% سنة 1972 إلى 47.4% سنة 1983 لتستقر في نسبة 23.9% سنة 1984. نفس التطور شهدته المبادلات التجارية مع ساحل العاج إذ تراوحت خلال نفس المرحلة مابين 33% سنة 1972 و63% سنة 1983 في حين بلغت %46 سنة 1984 . غير انه ابتداء من سنة 1984 سترتفع وثيرة العلاقات المغربية الإفريقية. وسيتغير توجهها، لدرجة يمكن وصفها بالواقعية والمرونة، لتعويض سياسة المقعد الفارغ إثر انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية. وهو الشيء الذي انعكس على وضعيته الإفريقية كما أسلفنا الذكر خاصة مع حلفائه الاستراتيجيين كالسنغال مثلا التي قام رئيسها عبدو ضيوف بزيارة للمغرب خلال 11و12 أبريل 1987 بهدف إعادة الدفء إلى العلاقات المغربية السينغالية إذ وقعت أربع اتفاقيات تعاون في المجال الصحي وأخرى في مجال الإدارة العمومية في 27 نونبر 1988 والثالثة والرابعة في 13 مارس 1991 خصت القضايا الاجتماعية وتطوير الصناعة التقليدية نفس المسار عرفته العلاقات المغربية الكامرونية تجسدت في الزيارة التي قام بها الرئيس الكامروني بول بيا للمغرب في 15 أبريل 1987 إذ وقع الطرفان خلال هذه الزيارة اتفاقية لتعزيز وتقوية العلاقة بينهما . حظي الجانب الاقتصادي بنفس درجة الاهتمام التي نالتها القضايا السياسية والدفاعية . فأغلب الاتفاقيات المؤطرة للتعاون الاقتصادي المغربي الإفريقي نصت على أن السياسة المشتركة في المجال الاقتصادي تهدف إلى السعي لتحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية، واتخاذ ما يلزم من وسائل لبلوغ هذه الأهداف لاسيما إحداث منشآت مشتركة وإعداد برامج اقتصادية عامة أو نوعية. لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب استغلال الموارد الطبيعية والمالية والبشرية غير المستغلة وتكثيف استخدامها من أجل دفع عجلة التنمية وتحقيق الرفاهية للمواطنين. وهكذا فالعلاقات التجارية المغربية السينغالية تؤطرها عدد من الاتفاقيات منها الاتفاقيات التجارية الموقعة في 3فبراير 1963 والتي تنص على تسهيل تنقل البضائع والسلع. كما قرر الطرفان إلغاء الرسوم والحقوق الجمركية ذات الآثار المتكافئة بالنسبة للمنتوجات ثم اتفاقيات التعاون التجاري الموقعة ي 23 مارس 1968 والتي ترمي على استفادة السينغال من الخبرة المغربية في مجال التبادل التجاري وأخيرا نجد بروتوكولات تجارية كبروتوكول 29ماي 1971 من أجل وضع إطار قانوني لانتقال السلع بين البلدين دائما.بالإضافة إلى بروتوكولات إضافية أخرى متممة للاتفاق التجاري منها بروتوكول 17دجنبر 1974 وبروتوكول 26 مارس 1981 وعلى الرغم من متانة العلاقات السياسية والتاريخية التي تربط المغرب بالسينغال فإن المبادلات التجارية لا تترجم وضع العلاقات السياسية، فالواردات المغربية عرفت انخفاضا سنة 1991 بمعدل 96.72% ويعزى ذلك التراجع أساسا إلى القطيعة التي أحدثها المغرب مع مطلع التسعينات مح حاجياته من القطن السينغالي. أما في سنة 1995 فقد عرفت الواردات المغربية تطورا ملموسا وذلك بمعدل 224.8% ويرجع سبب ذلك إلى تركيز المغرب على اقتناء منتوجات جديدة كالفواكه والجلود . أما فيما يتعلق بالصادرات المغربية تجاه السينغال، فقد شهدت انخفاضا ملموسا في منتصف التسعينات خاصة سنتي1993و1994 بمعدل 25.21% نتيجة توقف تصدير الأسماك الطرية والمصبرة والتي كانت تأتي في مقدمة المواد المتجهة نحو هذا البلد الإفريقي . وابتداء من سنة 1995 فإن الصادرات المغربية ستلقي انتعاشا بمعدل وصل في 1996 إلى 189.78%. وشهدت سنة 2000 ارتفاعا بلغ حجمه 181.57% مليون درهم بفعل ارتفاع مبيعات المغرب من المواد الأخرى كالألبسة الجاهزة والحوامض والأجهزة الكهربائية والإسمنت . مجالات التعاون الأخرى. إن البعد الاقتصادي في علاقات المغرب مع دول إفريقيا لا ينحصر في الجانب التجاري فقط بل يتعدى ذلك ليشمل جوانب أخرى كالمجال الصناعي والمالي والخدماتي. غير أن هذان المجالان الأخيرين يتميزان بتواضعهما ومحدودية حصيلتهما في حين نجد الدول الإفريقية تسعى جاهدة إلى الاستفادة من الخبرة المغربية في المجال الصناعي خاصة في مجال التعدين وبعض أنواع الصناعات كالصناعة التحويلية، الصناعة التقليدية تسيير المقاولات الصغرى والمتوسطة. ووفق هذا التوجه سارعت دولة السينغال إلى تشجيع الفاعلين الصناعيين المغاربة من أجل تقديم مساعداتهم وخبرتهم للمقاولين السينغاليين قصد النهوض بقطاع النسيج، بالإضافة إلى الاستعانة بالمغرب في مجال التنقيب عن المعادن وعلى رأسها معدن الفوسفاط .كما يشمل التعاون الصناعي المغربي السينغالي أيضا مجال تطوير وإنعاش الصناعة التقليدية عبر تقديم خبرات مغربية للجانب السنغالي لتطوير هذا النوع من الصناعة . وفي هذا الإطار أوضح البلاغ المشترك الذي صدر على إثر الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الله واد إلى المغرب في ماي 2000، ان رئيسا الدولتين قد أكدا إرادتهما في منح العلاقات بين البلدين الأهمية التي تستحقها وجعلها نموذجا لعلاقات التعاون جنوب-جنوب ولذلك تقرر العمل المباشر من أجل إنجاز أنشطة التعاون مختلفة في مجال التعليم عن طريق الرفع من حصة المنح الممنوحة للسينغاليين، والنقل فتح خط بحري بين البيضاء وداكار، والزراعة عن طريق إحداث مزارع رائدة في السينغال بالإضافة إلى المجال الإسلامي تمثل في بناء مقر رابطة علماء المغرب والسينغال. وفي المجال الصحي تبلور في بناء مستشفى محمد السادس بالسينغال. بالإضافة إلى الشبيبة والرياضة ومجال الاتصال . كما قرر البلدان إحداث وكالة للتنمية وتجسيد مشروع "إفريقيا تساعد إفريقيا" وتجدر الإشارة إلى أن السينغال والخطوط الجوية الملكية قد وقعا في يناير 2000 اتفاقا يسمح لهذه الأخيرة بحيازة أغلبية رأسمال الشركة الجوية السينغالية الدولية بعد خوصصة "إير سنغال" نفس الأمر ينطبق على التعاون الصناعي البوركينابي في مجال الصناعة التقليدية حسب ما ينص عليه بروتكول التعاون الموقع بتاريخ 28دجنبر1989. أما الغابون فلم يخف رغبته من أجل الاستفادة من الخبرة المغربية في قطاع تسيير المقاولات الصغرى والمتوسطة الصناعية بغرض خلق مقاولات مماثلة في الغابون . ويؤكد الباحث عبد العزيز بار على أن التعاون المغربي الإفريقي لم يستقر على مجال خاص إذ يشمل المبادلات التجارية، التكوين التقني والمهني والتربوي، الصيد و الفلاحة فإلى غاية1987 وقع المغرب 45 اتفاقية مع بعض الدول الإفريقية الغربية احتلت السينغال المرتبة الأولى ب 15 اتفاقية متبوعة بساحل العاج وغينيا ب 8 اتفاقيات، الغابون ب14 اتفاقية الزايير 10 اتفاقيات متبوعة بجمهورية إفريقيا الوسطى ب 7 اتفاقيات وغينيا الاستوائية ب 6 اتفاقيات . فعلى مستوى اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتقني فقد تم إنشاء لجن مختلطة لتأمين تطبيق وحل كل المشاكل المتعلقة به. أما فيما يخص الاتفاق الثقافي المغربي العاجي فقد تم إحداث لجنة خاصة داخل كل دولة مكلفة بدراسة أجرأة التعاون. وعلى مستوى المساعدات المالية وحسب مصادر وزارة الخارجية فإن المغرب رغم مديونيته فإنه لم يتردد في تقديم مساعدات مالية لبعض الدول الإفريقية الأكثر فقرا ويمكن التمييز في هذا المجال بين مستويين إثنين، المستوى الأول، القروض المباشرة والمستوى الآخر مرتبط بالاستثمار . فعلى مستوى القروض المباشرة قد استفادت دول افريقيا من التمويلات المغربية على شكل قروض وما يرتبط بها من تسهيلات في الأداء في إطار تنمية المبادلات التجارية الثنائية. إذ بلغ مجموع المساهمات المالية زهاء 121 مليون دولار في 31 دجنبر 1998 موزعة على الشكل التالي: 2 مليون دولار بمقتضى اتفاقية الأداء المبرمة في سنتي 1960و1962 مع كل من غينيا ومالي. 119مليون دولار مدفوعة ما بين 1975 و1984 على شكل ودائع وقروض إلى عدد من المستفيدين وتعد موريتانيا والغابون من الأوائل التي استفادت من القروض المغربية بما يقدر ب 40 مليون دولار . كما اتخذ المغرب قرارات وتدابير بإلغاء القروض والفوائد المترتبة عنها لكل من موريتانيا والتشاد بقيمة إجمالية تبلغ 54.36 مليون دولار لموريتانيا و3.61 مليون دولار لتشاد. أما الجانب الثاني من المساعدات المالية فيتمثل في الجانب الاستثماري المغرب في رأس مال عدد من الشركات الإفريقية إذ ساهمت شركة أمنيوم شمال إفريقياONA في رأس مال مجموعة من المقاولات الكاميرونية، وفي ساحل العاج تساهم الشركة في رأس مال الشركة الإفوارية التقنية وتسعى مجموعة أونا إلى وضع إستراتيجية استثمارية في إفريقيا جنوب الصحراء في قطاع التعدين بواسطة فرع "مناجم" إذ سجلت حضورا هاما في قطاع المناجم ولاسيما مناجم الذهب في إفريقيا الغربية وذلك في كل من غينيا ومالي والنيجر، وكذلك في غانا وبوركينافاسو وساحل العاج . كما عمد القرض لعقاري والسياحي المغربي إلى تقديم المساعدة لإنشاء القرض العقاري الغابوني الذي تملك المؤسسة البنكية المغربية نسبة 50% من رأسمالها. كما ساهمت شركة التبغ المغربية وبعض المستثمرين إلى جانب فاعلين اقتصاديين غابونيين في تأسيس شركة لصناعة أعود الثقاب. فالاستثمار في إفريقيا اليوم لهو في حاجة ماسَّة إلى التحفيز من الداخل، ونعني بذلك على الخصوص تدخل الدولة لوضع الإجراءات والتنظيمات الكفيلة بضمان نجاح العمليات الاستثمارية، وذلك: 1- بترشيد الاقتصاد الوطني للدول الإفريقية حتى يتمكن من مسايرة الأنظمة الاقتصادية العالمية وولوج الأسواق ومواجهة المنافسة الدولية، 2- إزالة العراقيل التي تحول دون تحقيق المشاريع الاستثمارية المدروسة وخاصة منها الإجراءات الإدارية المعقدة، 3- اعتماد مبدأ تسهيل المأموريات على المستثمر في إطار تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الإفريقية وقطاعات البنية الأساسية. ولعل العامل الأهم لإرساء الاقتصاد الوطني على قواعد صحيحة ومتينة ولتعزيز التنمية في البلدان العربية والإفريقية هو التخلق بفروض العدل الذي يدعم ويصون الإنسان العربي والإفريقي ويساعد على توسيع قدراته الاقتصادية والاجتماعية. ففي مناخ يطبعه الحكم الصالح، يجد المستثمر الوطني والأجنبي على السواء ضالته واطمئنانه وراحته . لقد نهج المغرب بخصوص تدليل الإجراءات لصالح المستثمرين نهجا قويما، إذ أدخل تدابير عملية تحفيزية جديدة في تشريعاته الوطنية مثل إحداث شباك واحد للاستثمار في المراكز الجهوية يمثل جميع القطاعات المعنية وذلك بهدف تبسيط الإجراءات على المستثمر واعتماد التدابير اللامركزية بخصوص الاستثمار . غير أن وثيرة التعاون المغربي الإفريقي غالبا ما تعتريه مجموعة من العراقيل تحول دون ترجمة بنود الاتفاقيات علة الوجه الأكمل. نذكر منها العراقيل الهيكلية تتمثل في طبيعة الأنظمة الاقتصادية للدول الإفريقية وتبعيتها للسوق الفرنسية من جهة وطبيعة المواد المنتجة والموجهة نحو التصدير من جهة ثانية بالإضافة إلى عدم قدرة المغرب على تلبية الطلبات المتزايدة لشركائه الأفارقة . العراقيل التقنية: تتمثل في مشكل المواصلات البرية والبحرية، بالإضافة إلى وجود عملات متعددة . كما أنه على الرغم من وجود مشاكل كثيرة مازالت تفرض نفسها وتؤثر بالسلب، فإن هناك تقدما حدث في عدد من الدول الإفريقية عن طريق إرساء نظم تتجه نحو إرساء قواعد الديمقراطية، تتأثر وتؤثر على حركة التنمية استجابة لمطالب واحتياجات الشعوب، فالمجهودات المغربية الإفريقية تبرز الإرادة الفعالة في تحديد المسار التنموي دون أن تترك لغيره تحديد طريقها وحاجياتها، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي، مع إيجاد نظام للمراجعة المتبادلة بين الأقران لما تحقق وما لم يتحقق مع كل طرف. فالكل يعلم أن معدل النمو الاقتصادي في إفريقيا ضعيف، حيث لم يبلغ أكثر من % 2,1، خلال التسعينات من القرن الماضي، أي أقل من نسبة معدل النمو الديمغرافي التي تمثل %2,8 مما يجعل الاقتصاديات الإفريقية عرضة للمخاطر؛ ناهيك بمعدلات الفقر التي أصبحت تتجاوز أكثر من نصف السكان الأفارقة. ولئن كانت الحاجة في التقليص من ظاهرة الفقر أمراً مسلما به إذ أصبح هذا التقليص هدفا مرقما يقدر بالنصف على الأقل إلى غاية 2015، ولئن كان مسلما كذلك بضرورة بلوغ معدلات نمو أعلى بكثير مما هي عليه حاليا، وذلك بإدخال تغييرات جذرية على الأجهزة الصناعية والتجارية الإفريقية واعتماد سياسات ماكرو-اقتصادية متزنة ومتواصلة، فإن ذلك يتطلب بذل جهود مكثفة سواءٌ من الدول الإفريقية نفسها أو من الدول والهيئات المانحة. وفي هذا الصدد، يجدر بنا أن نؤكد على وجوب إدخال تعديل على الرؤية القديمة التي لم تراع التناسب بين حجم الحاجة التي تفتقر إليها القارة الإفريقية وحجم قدرة المساهمة التي تتوفر لدى الجهات المانحة . كما سعت الزيارة الثانية التي قام بها العاهل المغربي لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء إلى تشجيع الاستثمار المغربي في الدول التي زارها وتطوير مستويات التعاون المتدنية. وتزامنت مع استعدادات المغرب لاستقبال اجتماع شهر يوليو 2006 حول الموضوع بتعاون مع الاتحاد الأوربي ودول جنوب الصحراء . أن الزيارة تطمح إلى تطوير علاقة جنوب- جنوب وتشجيع المبادلات الاقتصادية، وتعزيز العلاقات الاجتماعية، ودعم شراكات من شأنها تقوية التعاون جنوب - جنوب، ما جعل مراقبين يصفون هذه الجولة الإفريقية الجديدة، بأنها "جولة التعاون والتضامن"، منطلقين من حرص جلالة الملك على تعميق علاقات التعاون مع الدول الإفريقية، والدفاع عن مصالحها، وعن حقها في التنمية والازدهار والأمن والاستقرار. أما المساعدات الفنية فتتعلق بالجانب السكني والغابوي والصحي والسياحي والإعلامي والمحافظة على التراث والمآثر التاريخية. فتجربة المغرب في مجالات متعددة خول له إمكانية الاستجابة للطلب الإفريقي المتعدد والمتنوع. هذا دون إغفال جانب مهم لا يقل أهمية ونعني به الجانب الثقافي، فمن جهة استفاد الأفارقة من تكوينهم بالمغرب و ومن جهة ثانية استفادوا من وضعية المغرب الثقافية على الصعيد العربي والعالمي. إذ شمل التعاون الثقافي والتربوي عمليات تبادل التجارب المنهجية وتكوين الأطر وإرسال أساتذة اللغة العربية للعديد من الدول. لكن استقبال المغرب للعدد المتزايد للطلبة الأفارقة كان هو المثير للإهتمام إذ بلغ عدد الطلبة مابين 1984و 1985، 842 طالب وارتفع هذا العدد سنة 1991 إلى6700 طالب في حين إذ وصل عدد الطلبة إلى ما يزيد عن 3445 طالب خلال سنتي1993 و1994 والذين تابعوا دراستهم بالجامعات المغربية والمعاهد ومؤسسات التعليم العالي. رغم اختلاف جنسياتهم، للإشارة فأغلب الطلبة الأفارقة ممنوحون من طرف الدولة المغربية . وتشمل عملية التكوين بالإضافة إلى الطلبة الأفارقة أطرا إفريقية على سبيل التدريب والتكوين المستمر أو إعادة التكوين في عدد من المجالات كالصيد البحري والطاقة والمجالين السياحي والصحي. وما فتئ المغرب يعرب عن استعداده لدعم التعليم في بلدان إفريقيا. إذ أعرب وزير التعليم المغربي في كلمة له، خلال لقاء له مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالجمهورية الغينية السيد سيكو ديكازي كامارا، أن المغرب يأمل في تطوير تعاونه مع هذا البلد الإفريقي في ميدان التعليم العالي من خلال المساهمة في تكوين الأطر الأكاديمية ومواكبة إصلاح التعليم العالي وتشجيع البحث العلمي والتقني وبهدف المساهمة في تكوين المكونين الغينيين، سيمنح المغرب للطلبة الغينيين إمكانية مواصلة دراساتهم العليا في المملكة . كما أكد على أن المغرب سيعمل على تعميق التعاون مع غينيا في مجال البحث العلمي من خلال استقباله لأساتذة باحثين غينيين. ودعا السيد المالكي إلى تفعيل بروتوكول الاتفاق المبرم بين المغرب وغينيا في مايو 2002 والذي يهم التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي. ويهدف بروتوكول التعاون، الموقع بالرباط في مايو من سنة 2002 ، إلى إقامة تعاون مباشر بين جامعات البلدين عن طريق توقيع اتفاقيات الشراكة وتبادل الخبراء وتكوين المكونين الغينيين، كما يروم تبادل الطلبة في إطار القوانين الجاري بها العمل في كل من المغرب وغينيا، بالإضافة إلى تبادل الإصدارات والوثائق الخاصة بالنظام الجامعي بالبلدين، وتنظيم تداريب لفائدة الأطر المكلفة بالتدبير الجامعي . وفي هذا السياق أشاد رئيس البنك الإفريقي للتنمية السيد دونالد كابيدورا بالجهود التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الارتقاء بالتعاون جنوب-جنوب. والاهتمام الذي يوليه جلالته لتنمية إفريقيا مختلف التنقلات التي يقوم بها جلالة الملك لعدد من بلدان إفريقيا والمبادرات الشخصية التي يطلقها جلالته تجاه القارة, ما هي إلا تأكيد على الرغبة الملكية في تطوير هذا التعاون والدفع بمسلسل التنمية في إفريقيا" . وتتويجا لمسار المغرب الإفريقي تم تعيينه منسقا للمجموعة الإفريقية داخل المنظمة العالمية للتجارة لسنة 2003. وسيكون بذلك المغرب ناطقا باسم البلدان الإفريقية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية والمحاور للمجموعات الإقليمية الأخرى خلال المفاوضات متعددة الأطراف التي تجري حاليا في جنيف لتنفيذ جدول أعمال التنمية الذي صادق عليه المؤتمر الوزاري بالدوحة ( قطر) في نوفنبر 2001. * باحث من المغرب. - Barre (Abdelaziz): les relations Maroco – Africaines 1972- 1987. Enjenx politiques et coopération Mémoire d'études supérieures université Mohamed V Rabat juin 1988. p . 19 3 – عادل موساوي: علاقة المغرب مع إفريقيا جنوب الصحراء بعد انتهاء القطبية الثنائية، أطروحة لنيل الدكتوراه ،2002- جامعة محمد الخامس الرباط، ص 46 -.Barre ( A) ; op cit, p. 22 - El Melouki Riffi Bouhout ; la politique marocaine de coopération avec l Afrique subsaharienne : 1960-1994 ; op cit p. 70 -El Melouki Riffi Bouhout ; la politique marocaine…. ; op cit ; p. 71 -Ibid, op., cit, p 78 - Barre (A); op., cit, p . 23 - صاحب السمو الملكي محمد بن الحسن،ومحمد رشدي الشرايبي، الاتحاد العربي الإفريقي وإستراتيجية التعامل الدولي للمملكة المغربية، بحث لنيل الإجازة في الحقوق،المطبعة الملكية، الرباط1985 ص 79 - صاحب السمو الملكي محمد بن الحسن، ومحمد رشدي الشرايبي، الاتحاد العربي الافريقي، مرجع سابق،ص 79 - هشام يزيد: العلاقات المغربية السينغالية، دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، 1996. ص48. - عادل موساوي: علاقة المغرب مع إفريقيا جنوب الصحراء بعد انتهاء القطبية الثنائية، أطروحة لنيل الدكتوراه ،2002-جامعة محمد الخامس الرباط، ص 54. - نفسه ، ص55. - وزارة التجارة والصناعة، دورة اللجنة الوزارية المغربية السينغالية الرباط، 16-17 دجنبر 1974 - برتوكول اتفاق حول إنعاش وتنمية الصناعة التقليدية الموقع بتاريخ 23مارس 1991 - التقرير الاستراتيجي، م ، س ص 113 - نفسه ، ص 113 - Le Matin du Sahara ,29janvier 1989 -.Barre (A), la politique marocaine…. , op., cit . p24 - Barre (A), op., cit , p 26 - وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، قسم الشؤون الإفريقية - عادل موساوي، م س ، ص 80 - عادل موساوي ، ص 81. - جريدة الشرق الأوسط 20 فبراير سنة 2001. - كلمة السيد الحبيب بولعراس أمين عام اتحاد المغرب العربي في الملتقى الاقتصادي العربي الإفريقي الأول حول" الاستثمار في إفريقيا" طرابلس21-24/09/2002 موقع www.maghrebarabe.org - عرض وزير الشؤون الاقتصادية والعامة أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب برسم القانون المالي لسنة 2007 -Riffi buohout , la politique marocain de coopération…. ,op ., cit p. 58 - Barre (A);; op cit . p. 27 - www.aawsat.com - كلمة السيد الحبيب بولعراس أمين عام اتحاد المغرب العربي في الملتقى الاقتصادي العربي الإفريقي الأول حول" الاستثمار في إفريقيا" طرابلس21-24/09/2002 موقع www.maghrebarabe.org - www.mauritanie-net - حسن الإسماعيلي : السياسة المغربية الخارجية على الساحة الإفريقية – رسالة دبلوم السلك العالي – المدرسة الوطنية للإدارة العمومية الرباط - دجنبر 1991 ، ص 156. -Riffi bouhout ; op cit p. 57 - عادل موساوي، م ،س ص 80 - عن وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر -www.meac.gov.ma