من الناذر أن ترى الأطفال يأتون بكثرة للمسجد لحضور صلاة الجماعة ، إلا ما استثني يبقى واردا في هذه المسألة، و لا زالت أتذكر في مسجد حينا القديم، الإنزالات التي يخطط له الأطفال لحضور صلوات ما بعد الفجر ، و كان سلوكهم هذا مثيرا ومستفزا لكل المصلين، مما يدفع قيم المسجد إلى محاصرتهم و الحيلولة دون حضورهم صلاة الجماعة لعددهم الكثير الذي يتجاوز العشرة، إلا أنهم يتسللون إلى المسجد بعد تكبيرة الإحرام، و يتجهون مباشرة إلى الميضأة لتأدية واجب الوضوء ، فمنهم من يشرع في الوضوء بجد، ومنهم من يملأ الدلو ماء و يباغت صديقه بسقي خفيف من على رأسه، و منه من يعلن نزالا مباشرا بينه وبين صديقه بالمياه ، و منهم من يجدها فرصة لقضاء حاجته بالمرحاض دون أن يكلف نفسه سكب المياه، فتفوح الروائح الكريهة منتشرة في باحة الوضوء ، ثم بعد هذا لا يلتحق المصلي منهم بالصلاة إلا في الركعة الأخيرة ، و منهم من يخرج ينتظر أصدقاءه أمام باب المسجد و هكذا .. "" لن أنسى مرة ما أثاره أحد الأطفال من زوبعة تشويش على خشوع المصلين، أخذ مكانه في الصف الأخير مع زملائه ، وفي لحظة سجود ، حرضه شيطان شغبه على حبك سلوك غريب، و أنا ساجد أسمع طلقات متتالية شبيهة بضراط من امتلأ بطنه بغاز كثيف لم يجد سبيلا لضبط زمامه أمعائه ، فأرخى العنان لبطنه دون أدنى فرملة تقلل من الأضرار على أنوف المصلين ، فاعتقد الجميع أن أحد المصلين فعلها فأشفقوا لحاله باشمئزاز ، لكن الحقيقة أن الطفل شمر على ساعده و فرك شفتيه ببصاقه ، ثم وضعهما على عصب ساعده وطفق ينفح نفخا " طز طز "... وفي المقابل، لن تنمحي من ذكراتي صورة طفلين يأتيان عند كل صلاة صبح ولو كان الجو قارسا، أتذكرهما بصورة آثار النوم المرتسمة على أجفانهما ، وصورة البرد القارس الذي يجعلهما يبحثان عن شيء بين ضلوعهما لتلحف به ، ننتهي من الصلاة ويجلسان مع مجموعة من الشباب لمراجعة ما يحفظانه من أي الذكر الحكيم ، هذه المشاهد تقفز إلى مخيلتي كل أصابني فتور عن تأدية صلاة الفجر بالمسجد .. وبنفس الصورة ترى أطفال التراويح منهم من يسلك الشيطنة و منهم من يكون مسلما صغيرا ، وفي أغلب الأحوال تجد أطفال التراويح ينقسمان إلى قسمين ؛ قسم يلعب " كشكاش" خارج المسجد ، و قسم قائم يصلي ، وهذا الأخير ما أجمل أن تنظر في وجهه ذي البشرة الناعمة البيضاء و التي امتزجت ببراءة مؤمنة بالله ، و هذا الطفل يستوي باطنه مع ظاهره ، و لك أيضا في تأمل طريقة مشاهدته المكتشفة لإقامة الصلاة ، إن صلى بجانبك رأيته يحاور نفسه حوارا يستفسر فيه كيفية تتمثل أركان الصلاة، ينظر إلى و ضع يدك اليمنى على اليسرى ، فيقتدي بك دون أن يلي لليمين واليسار اهتماما ، يلقي بصره في الصف من أوله إلى آخره ، طيلة الصلاة لا يسكن رأسه ولو للحظة ، وكأن لسان حاله يقول أنا هنا جئت لأعبد ربي بالمشاهدة و النظر ، و من يقلقه هذا فهو يمنعني عن أول خطوة من خطواتي التعبدية التي ترتكز على الملاحظة . فهل نحسن صلاتنا بتمامها على سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ليقتدي بها أطفالنا ؟ [email protected]