شكلت الدبلوماسية الملكية منذ تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم، والمشاورات السياسية بهدف تشكيل أغلبية حكومية جديدة، والجدل المثار بخصوص القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير لجان تقصي الحقائق البرلمانية، أبرز المواضيع التي استأثرت باهتمام افتتاحيات الصحف الصادرة اليوم الأربعاء. وهكذا، كتبت يوميتا (الصحراء المغربية) و(لوماتان الصحراء والمغرب العربي)، في افتتاحية مشتركة، أن "الدبلوماسية الملكية انتصبت حصنا منيعا للدفاع عن مصالح الأمة عندما تطلب الأمر التصدي لمناورة جزائرية، متخفية، بشكل أخرق ومخادع، في مقترح أمريكي -بمثابة حصان طروادة- من أجل إدماج، بشكل تعسفي، آلية لمراقبة حقوق الإنسان في مهمة بعثة (المينورسو) بأقاليمنا الجنوبية، مذكرة بأنه "تم إجهاض هذه المناورة التي توخت المس بسيادتنا الوطنية بما أن آلياتنا الوطنية، الذاتية، كاملة وشفافة، تبقى كافية حسب المعايير الدولية الأكثر تقدما". وأكدت الافتتاحية أن "الأمر لم يكن يتعلق بمعجزة بقدر ما كان ثمرة تعبئة شخصية لجلالة الملك محمد السادس. إنه مجهود دؤوب وإصرار دائم، وثبات أمام كل امتحان"، مضيفة أن "الأمر كان يهم قضية عادلة ببراهين نزيهة ومقبولة وترافع فعال قائم على حجج دامغة". وشددت على أن "الدبلوماسية الملكية تتجلى هنا بأوسع معانيها، فقد استطاع الثقل الشخصي لجلالة الملك أن يحدث الفرق بمصداقيته الشخصية ووقوفه الدائم إلى جانب قضايا السلم في العالم وانخراطه السخي والنزيه في البحث عن حلول لمشاكل القارة، وتضامنه الدائم مع الأمم التي تعاني من الحروب والصراعات، وعزمه الوطيد على تحمل مسؤوليته في المكافحة العالمية للإرهاب وكافة أشكال التطرف التي تهدد الإنسانية المسالمة والمتسامحة". وأضافت الافتتاحية أن "هذه الدبلوماسية الملكية، ما دمنا بصدد بحث كنهها، تجلت بشكل راق ومتحضر أيضا، خلال الجولتين الملكيتين الأساسيتين، الأولى إلى بلدان الخليج في أكتوبر الماضي و الثانية إلى بلدان غرب إفريقيا في مارس". وعلى عكس الاعتبارات التي تحكم الواقعية السياسية ومظاهرها السلبية -تضيف الافتتاحية- فإن الدبلوماسية الملكية تتجلى عبر قيم إنسانية ومبادئ سامية، وعبر مفهوم يجعل من الآخر امتدادا للذات في كينونته البشرية وبعده الإنساني. فالجميع، الغني والفقير، القوي والأقل قوة، يحظون بنفس الرعاية وبنفس الاهتمام ونفس المعاملة القائمة على الاحترام، وهي نفسها العناصر المؤسسة للهوية والشخصية المغربية والتي تنعكس بسمو في المعاملات الدبلوماسية الأصيلةº مؤكدة أن مكاسب هذه الدبلوماسية الملكية هي التي تمكننا اليوم من مواجهة الأزمات عندما تحصل، ومن التدبير السلمي لعداء مرضي مفروض علينا من جوار غير متعقل، وتوسيع مجالنا نحو آفاق أرحب وأسعد وزيادة الشراكات القائمة على الوفاء والتوازن والمنفعة المتبادلة. وبخصوص المشاورات السياسية لتشكيل أغلبية جديدة، التي انطلقت بعد الموافقة الرسمية على استقالات وزراء الاستقلال، كتبت يومية (بيان اليوم) أن القرار الملكي، بقبول الاستقالات التي كان تقدم بها وزراء ينتمون إلى حزب الاستقلال، وطلب مواصلتهم تصريف الأعمال الجارية إلى غاية تعيين الوزراء المكلفين بالقطاعات الوزارية المعنية، يحيل مرة ثانية على احترام كبير للمؤسسات، وعلى حرص قوي لتقوية مسار الإصلاحات في البلاد، وتعزيز الاستقرار المؤسساتي بها. وأوضحت اليومية، في افتتاحية بعنوان "القرار الملكي"، أن كل المتابعين للشأن السياسي الوطني، خصوصا بعد الجدل الذي أثاره قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة الحالية سجلوا، حرص جلالة الملك على عدم التدخل في نزاع بين حزبين، إذ لم يتم اللجوء إلى مقتضيات الفصل 42 من الدستور، معتبرة أن ذلك كان إشارة ملكية واضحة حول ضرورة التشبث بأحكام الدستور الجديد، وبما أسسه من أفق ديمقراطي يختلف عن الزمن السياسي والمؤسساتي السابق. وأضافت الافتتاحية أن القرار الملكي الحالي يأتي ليكرس الاتجاه نفسه، أي أن الأحزاب تتحمل مسؤوليتها كاملة في تحالفاتها واصطفافاتها، وأيضا في انسحابها من هذا التحالف أو ذاك، وذلك في استقلالية تامة، بلا توجيه أو تحكم. وفي الإطار ذاته، أشار صاحب العمود إلى أن القرار الملكي جاء منصتا لمميزات الظرفية الحالية في البلاد، ومستحضرا لباقي السياقات المحيطة، فلم يذهب لا في اتجاه حل البرلمان، ولا الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، وإنما حث على "تمكين رئيس الحكومة من البدء في مشاوراته بهدف تشكيل أغلبية جديدة"، وهو ما تزامن بالذات مع الانطلاق الفعلي لهذه المشاورات التي ستشمل مختلف الأحزاب الممثلة في البرلمان. وخلص كاتب الافتتاحية إلى أن الموقف الملكي لا يخلو من درس على كامل الطبقة السياسية أن تحسن استيعابه اليوم، ويتعلق بضرورة الارتقاء بالمنظومة السياسية والمؤسساتية للبلاد وبالعلاقات الممتدة داخلها وحواليها إلى مستوى أكبر من النضج والمسؤولية وبعد النظر، وذلك بما يقوي مسارات الإصلاح والتحديث في البلاد، ويساهم في إخراجها من واقع الانتظارية الذي لم يعد مقبولا. ومن جانبها، اعتبرت صحيفة (لوسوار إيكو) أن الأيام الأخيرة "كانت شاهدة على المشاورات المكثفة، ويبدو أن شكل الحكومة المقبلة بدأ يتبلور بشكل تقريبي"، مؤكدة على أهمية "المرور إلى العمل وامتلاك فريق حكومي يعالج الإشكاليات المطروحة بالشكل المطلوب". وتوقعت اليومية، في افتتاحيتها، أن يتم خلال المفاوضات، مع أعضاء الحكومة المستقبليين، تجاوز المواضيع المثيرة للانقسام والجدل والتي من شأنها أن يفضي إلى نفس وضعية الجمود التي نعيشها حاليا. ومن جهتها، كتبت يومية (لوبنيون) أن تفاعل جلالة الملك محمد السادس يجسد احتراما للقرار السيادي لحزب الاستقلال الذي استنفد، بدون جدوى كل السبل من أجل دفع رئيس الحكومة إلى إعادة النظر في علاقاته مع شركائه وإرساء آليات ملائمة كفيلة بتجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والتصريف الجيد للأعمال. واعتبرت الصحيفة أن الأمر لا يتعلق بتغيير تقني بسيط يقضي بتعويض وزراء مستقيلين بآخرين، ولكنه تعديل حقيقي يلتحق بموجبه بالحكومة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي لا شك سيفرض شروطه للالتحاق بالأغلبية الحكومية الجديدة. وأضاف كاتب الافتتاحية أنه بالنظر إلى الموقف القاطع الذي عبرت عنه أحزاب المعارضة الأخرى فإن حزب التجمع الوطني للأحرار سيفاوض من موقع قوة من أجل إعادة توزيع الحقائب الوزارية وإقرار هندسة جديدة للحكومة وبلورة برنامج حكومي جديد. وبدورها، كتبت يومية (النهار المغربية) أن "ما يتم الحديث عنه اليوم وغدا هو حكومة جديدة بمواصفات جديدة وبخطة جديدة ومنهجية جديدة"، معتبرة أن "غير ذلك سيعيد الكرة وسيعاد سيناريو الانسحاب من الحكومة". وأوضحت اليومية، في افتتاحية بعنوان "الحكومة الجديدة"، أنه "لا مجال لاستمرار الحكومة بنفس المواصفات وبالطريقة المعهودة وحتى بنفس الوجوه، لأنها حكومة وصلت إلى الباب المسدود"º مشيرة إلى أنه "إذا كانت الحكومة المقبلة هي حكومة ترميم الخرق الذي أحدثه انسحاب حزب الاستقلال من الأغلبية، فإننا سنكون أمام ضياع للوقت لأن حزب الاستقلال ما خرج من الحكومة إلا بعد أن انسدت في وجهه آفاق العمل المشترك وبعد أن ظهر فشل الحكومة للعيان". وخلص كاتب الافتتاحية إلى أن "الحكومة المقبلة إما أن تكون حكومة جديدة في هندستها وهيكلتها وطريقة تسييرها، وإما سيكون مصيرها هو نفسه مصير النسخة الأولى من حكومة ابن كيران". ومن جانبها، تساءلت جريدة (المنعطف) إن كانت الحكومة المرممة المنتظرة تستطيع إصلاح ما أفسدته هذه الحكومة خلال الربع الأول من ولايتها، وإن كانت هذه الحكومة المقبلة ستأتي بجديد على مستوى تضامن مكوناتها، وعلى مستوى تصور برنامج العمل وأولوياته، وعلى مستوى الكفاءة في الأداء والإنجاز. وحذرت الجريدة، في افتتاحيتها، من أن حزب العدالة والتنمية إذا استمر في اللعب على حبلين، حبل الأغلبية وحبل المعارضة، بغض النظر عما إذا كان ذلك يندرج في إطار توزيع أدوار بين أطر الحزب أم لا، فإن كثيرا من الوقت سيهدر في تبادل السباب والشتائم، مما سينعكس على العلاقات بين الفرقاء السياسيين وعلى اشتغال الحكومة والبرلمان. وتابعت الافتتاحية أنه إذا استمر أداء وزارات حزب المصباح على ما هو عليه بسبب مستوى "كفاءة" الوزراء المعنيين، وإذا استمر رئيس الحكومة في التهديد بالشارع والاستقواء بما حصل عليه حزبه من مقاعد في البرلمان في سياق وطني وإقليمي ودولي تغير تغيرا شبه جذرين وكذا إذا استمر في الهروب إلى الأمام عبر الحديث عن العفاريت والتماسيح، فلا أمل يرجى من حكومة أخرى. وفي سياق آخر، كتبت يومية (أوجوردوي لوماروك) أن الحكومة وجدت، على ما يبدو، توضيحا للجدل الذي أõثير حول القانون التنظيمي المتعلق بلجان التقصي البرلماني، مضيفة أن هذا التوضيح الذي قدمه الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، ورط كريم غلاب رئيس مجلس النواب. وتساءلت الصحيفة إن كان من قبيل الصدفة أن يتزامن ذلك مع تحول غلاب إلى "هدف للهجوم"، لا سيما من قبل حزب العدالة والتنمية الذي يسعى إلى دفعه إلى الاستقالة من منصبه منذ انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة، قبل أن تضيف بأن اتهامات الشوباني تحمل المسؤولية الكاملة لغلاب بشأن هذه الأزمة الخطيرة التي جعلت من الحكومة نقيضا للبرلمان. وأعاد كاتب الافتتاحية التساؤل إن كان رئيس مجلس النواب يتوفر فعليا على اختصاصات تمكنه من وقف عمل لجنة ما دون سبب واضح، مستطردة أن ما كشف عنه الوزير لا يزيح المسؤولية من على عاتق الحكومة التي عمدت إلى بلورة القانون المذكور بشكل سريع من أجل تقديمه للبرلمان.