مواقف دبلوماسية "جافة" وسَمت فترة تولي آرانشا غونزاليس لايا حقيبة الشؤون الخارجية بالمملكة الإيبيرية، تمخّض عنها توتر سياسي غير مسبوق في تاريخ المملكتين المتجاورتين بشكل حذر، في ظل تزايد أعداد الملفات الخلافية بين الطرفين في السنين الأخيرة. أولى القضايا المشتركة التي دفعت مدريد إلى التصعيد هي ترسيم الحدود البحرية الجنوبية من لدن المغرب، الأمر الذي أثار حفيظة العاصمة مدريد التي لم تتقبّل ما أسمتها "الخطوة الانفرادية"، إذ خرجت المشرفة على الجهاز الدبلوماسي بتصريحات مستفزّة للدولة المغربية خلال مناسبات عديدة. وأجمعت مختلف التصريحات بشأن الملف الشائك على أن إسبانيا ستتقدم بشكوى إلى الأممالمتحدة، بخلاف المغرب الذي أكد أن باب الحوار مفتوح على الدوام لحل مكامن الاختلاف، موردة أن القرار يخالف "الشرعية الدولية" أياماً قليلة بعد الزيارة التي قادتها إلى الرباط. القضية الثانية التي أجّجت السجال الدبلوماسي بين البلدين ارتبطت بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهي التي عكست الموقف الإسباني الصريح من الوحدة الترابية للمملكة، إذ قالت آرانشا غونزاليس لايا، في تصريح صحافي، إن حل مشكلة الصحراء "لا يعتمد على فرض سياسة الأمر الواقع أو العمل الأحادي لبلد ما، بغض النظر عن حجم هذا البلد"، بل بالأحرى "يقع مركز الثقل في الأممالمتحدة". وتسّبب "الموقف الإيبيري" في تأجيل القمة الاقتصادية المشتركة بين مدريدوالرباط، إذ تزامنت مع الإعلان الأمريكي عن القرار المفاجئ للحكومة الإسبانية المرتبكة جراءه، نظراً إلى رغبتها الكبيرة في الحفاظ على الجمود السياسي حيال القضية الوطنية. ثالث القضايا الإشكالية بين الطرفين هي سبتة ومليلية؛ ففي ظل "الجفاء الدبلوماسي" الذي دفع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، إلى تأكيد مغربية الثغرين المحتلين، هاجمت وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية الرباط مرات عديدة، مشددة على أن التفاوض غير متاح بخصوص وضعية المدينتين. ومع الخطوات المغربية الهادفة إلى "خنق الثغرين"، عبر إنهاء التهريب المعيشي بالمعبرين الحدوديين، كشفت المسؤولة الدبلوماسية عن وجود مباحثات اقتصادية وسياسية لضمّ المدينتين إلى النظام الجمركي الأوروبي، بالموازاة مع إدراجهما في منطقة "شنغن" الأوروبية. استقبال زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، بجواز سفر مزوّر دون إبلاغ المغرب شكل نقطة النهاية في العلاقات الثنائية التي وصلت إلى درجة "القطيعة"، من خلال وقف التعاون الأمني والسياسي بصفة نهائية. وما زادَ من حدة الخلاف تصريحات المسؤولة الوزارية التي قالت إن القرار لم يكن خاطئاً. وبمجرد إقالة آرانشا غونزاليس لايا من الحكومة الإسبانية، دعت العديد من "الصحف الإيبيرية" إلى إعادة الرؤية الدبلوماسية لوزارة الشؤون الخارجية، عبر تعزيز أدوار السفراء وشبكات الضغط عبر العالم، وتفادي إبداء المواقف الشخصية بخصوص القضايا السياسية المعقدة.