النيابة الإقليمية للمندوبية السّامية لقدماء المقاومين، وأعضاء جيش التحرير، والمجلس العلمي المحلّي بدار الثقافة الأمير مولاي الحسن بمدينة الحسيمة كانت قد خلّدت يوم 19 من شهر يوليو من السنة الفارطة الذكرى الواحدة والتسعين لإنتصار المقاومة الرّيفية فى معركة أنوال الماجدة على الغزاة الإسبان فكسّرت شوكتهم ، وكبّدتهم خسائر فادحة فى المعدّات والأرواح ، ومني الإسبان فى هذه المعركة بأكبر هزيمة فى تاريخهم العسكري، وقد حضر هذه التظاهرة الكبرى حشد غفير من قدماء المقاومين، والمواطنين ، والعلماء ،والمثقفين ، والطلبة، وأحفاد المجاهدين. هذا كما تمّ خلال نفس هذا الملتقى الهام تكريم العديد من المجاهدين الأفذاذ الذين قدّموا النفس والنفيس ، وأبلوا جميعا البلاء الحسن فى هذه المعركة الخالدة، وفى مثيلاتها من المعارك الأخرى الباسلة ، من أجل الدّفاع عن حوزة الوطن، والذود عن كرامته وعزّته، وسطّروا بأحرف من نور صفحات بطولية ناصعة فى تاريخ منطقتنا الحبيبة التى يهيم أهلها مثل سائر المغاربة الأحرار بالحياة الحرّة والكريمة، ويأبون الضّيم ،ولا يرضون أبدا بعيشة الذلّ والهوان. من بين هؤلاء المجاهدين الذين تمّ تكريمهم شهيد هذه المعركة "موح نسّي أحمد الورياغلي الخطابي"( جدّنا الأبرّ تغمّده الله بواسع رحمته ) إلى جانب العديد من المجاهدين،والشّهداء الآخرين الشجعان، الشرفاء، والأتقياء، الأنقياء، والصّناديد، الأبرارأسكنهم الله تعالى جميعا فسيح جنانه ، وأنزل عليهم شآبيب رحمته ورضوانه. وبمناسبة الذكرى الثانية والتسعين لهذه المعركة الفاصلة لهذه السنة التي صادفت21 يوليو الجاري 2013، وعلى الرّغم من شحط المزار، والبعد عن الديار، فقد جاد العقل والقلب والوجدان بهذه الخواطرالقلبية،والإفصاحات،والإجهاشات التلقائية ،أو هذا الدّفق أو التداعي إستبشارا، وإستذكارا ، وإستحضارا لهذه الملحمة الفريدة التي سمت بالرّيف، وبالوطن الغالي إلى أعلى مراتب العزّة والكرامة، وبوّأته أرقى منازل السّؤدد والمجد، فى مختلف بقاع وأصقاع المعمور. ففى مثل هذا اليوم المشهود ، فى تاريخ هذه المنطقة ... تعالى بناء المجد بالكوكب الذرّ، وأنوار شموس اللّه أشعّت مع الفجر، تعالى حمى الإيمان والعدل والهدى، وقوّة بأس دونها قوّة الذرّ، أبطال ب"أنوال" جاشت نفوسهم ، فأصبحوا نور التّرب والمسك للقبر، فهامت عقول كانت بالأمس رشدها ، وزاغت عيون دمعها لجّة البّحر، أشاوس طابت لكم الشّهادة والعلى، وسيرتكم على كلّ لسان بها يسرى، لقد هبّ الريفيّون عن بكرة أبيهم، وحلّت على الأعداء قاصمة الظهر، وكالطّير مقصوص الجناحين فإرتمى، على الصّخر منهوكا تحطّم بالكسر، كأنّ لدى إستشهادكم يا نخوة ريفنا، جسوم بلا رأس أياد على البتر، أبناء الأماجد والأفاضل والحجى ، أحفاد المكارم والميامين والفخر، كلّ المداشر والعشائر تحتفى، ببسالتكم دوما من نصر إلى نصر، فخر الأمازيغ والصّناديد والنّهى، مجد المعالي والنّدى وغرّة الدّهر، أساس جهادكم فرقان وشهادة ، وذكركم للّه فى السرّ وفى الجّهر، شجاعتكم فى القلوب لنا تميمة، وحبّكم دفق من حيث ندرى ولا ندرى، هاذي الخزامى (1) ألقت إليكم بسمعها ،وذكراكم فى كلّ رياض بها يجري، من الأعاجيب أن يروّع "الرّوميّ"(2) وينثني، تحت إقدامكم وأقدامكم ساعة الظفر، طلائع الرّيف ترنو إليكم بقلبها، وذكراكم فى كلّ جنان عاطرة الذّكر، حشد على الحقّ صنّاع الأمجاد والفدا ، مع كلّ طلعة شمس أو قمر أو بدر، أنوال.. يا معقل البطولات بأسرها، أدواحك الفيحاء دائمة النّضر.... *** (1) الخزامى (lavande) منها إشتقّ إسم مدينة الحسيمة، وهو نبات ذو رائحة زكيّة طيّبة عبقة فوّاحة يكثر فى أرباضها ونواحيها . (2)" الرّوميّ" أو ذارومي ، هو الإسم أو النّعت الذي يطلقه أهل الرّيف على الإسبان،أو على الأجنبيّ بشكل عام، وواضح أنّ هذا الإسم يعود للرّوم منذ وجود الإمبراطورية الرومانية قبل الفتح الإسلامي بشمال إفريقيا، وجمعه " إيرومييّن".