تحويلات مغاربة الخارج ترتفع إلى تتجاوز 117 مليار درهم    الرئيس السوري أحمد الشرع يصل إلى السعودية في أول زيارة رسمية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    ابتداء من غد الاثنين.. ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    مقتل مغربي بطلقات نارية في إيطاليا    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات بعد سنتين من التجربة الدستورية الجديدة
نشر في هسبريس يوم 02 - 07 - 2013

1- إذا ما أدرك النظام السياسي المغربي –ومجمل القوى السياسية التقليدية-منذ اللحظة الأولى أنهم أمام حركة للتغيير الديمقراطي الحقيقي والعميق بحق، لكانوا وفروا علينا كثيرا من المشكلات والمصاعب التى هيمنت على تدبير هذة المرحلة في تدبير الانتقال الديمقراطي.
فالمشكلة الأم هى بالاساس التعامل مع حركة تصاعد الطلب الاجتماعي على التغيير ممثلا في الدينامية السياسية التي انطلقت مع حركة 20 فبراير 2011 باعتبارها مطالب تندمج في عملية إصلاحية لعطب الدولة الحقيقي . صحيح الإصلاح التدريجي والتراكمي أمر ملح بل مطلوب، ولكن التغيير الديمقراطي الحقيقي السريع (وليس المتسرع) كان ومازال الخطوة الأساسية لاستكمال مطالب الشعب المغربي التواق للتغيير الديمقراطي ولإدارة سلسة ووفاقية للمرحلة الانتقالية من النمط السلطوي التحكمي لادارة مؤسسات الدولة الى نمط اخر تتمايز فيه المؤسسات وتتوازن وتتضافر وتتضابط .
لذا فإن الشد والجذب ما بين قوى التيار المجتمعي المطالب بالتغيير العميق ممثلا فى كثير من القوى السياسية التي تعمل خارج النسق الرسمي والمؤسساتي الشرعي وقطاعات مجتمعية عريضة منها مقدرات حركة 20 فبراير وغيرها وبين التيار الإصلاحى الوفاقي ممثلا فى بعض مكونات التحالف الحكومي وفي طليعتها العدالة والتنمية وأداتها الحكومية، هو العقبة الرئيسية الكأداء أمام تحول ديمقراطى ناجز وأقل عسرا وصعوبة.
يبدو أن نهج سبيل الإصلاح التدريجي التراكمي البطىء والجزئى، بل والشكلى السطحي إن أمكن والذى يأتى بالتقسيط وبالرتابة المقرفة، وفى أضيق الحدود، هو عادة مستمرة مع كل التشكيلات والقوى الحزبية والسياسية التي تعاقبت على تدبير شؤوننا العامة وتتصدى لحكُمنا، فهى الإرث الأسوأ من العهد الجديد المؤثت بشعارات المفهوم الجديد للسلطة، إنها طريقة ثبتت فاعليتها فى امتصاص الضغوط الشعبية واستنفاد القوى النخبوية. ولابد من الانتباه إلى خطورة هذه السياسة وتأثيرها السلبى على المسار العام لتجربة الاصلاح الديمقراطي الحقيقي.
2-ففى المرحلة الأولى من الحراك الشعبي والشبابي المطالب بالاصلاح السياسي للدولة واقرار العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات ما قبل اقرار الاصلاح الدستوري الجديد وتمكين البلاد من انتخابات غير مطعون في صدقيتها وربط القرار العمومي بصناديق الاقتراع بما لا يصل الى مستوى إسقاط رموز الفساد والتحكم وتفكيك بنيات الاستبداد والتسلط، لقد حاول النظام السياسي أن يسوق بعض الإجراءات الإصلاحية في محاولة لاحتواء مطالب الحراك الديمقراطي الوليد، ونجح فى توجيه الشارع المغربي إلى الجدل حول إمكانية القبول بالعروض الإصلاحية المعطاة من عدمه، إلا أن يقظة تيار الاصلاح الحقيقي وقوته وحضوره التمثيلي المقدر حسمت الغلبة لصالح تيار رفع المطالب الاصلاحية الحقيقية والعميقة والتصميم عليها، وكانت متمثلة حينها فى الوفاء لنموذج الاصلاح في اطار الاستقرار.
ثم بدأت مرحلة حكم الاسلاميين الوسطيين المؤمنين بالوفاق والتحالف مع ذوي النيات الصادقة في انجاز مهام الانتقال ، تلك المرحلة والتى هيمنت عليها حالة التأرجح ما بين التوجه الإصلاحى القائم على التغيير المحدود غير منقطع الصلة بالنمط التحكمي الناعم الذي كان يتوسل به النظام السياسي وبين التوجه المتشكل داخل العقل السياسي للتيارالتلقائي الصاعد في رحم الشعب والداعى إلى التغيير الفورى العميق والحقيقي للبنيات العتيقة والقديمة ،سواء على مستوى هدم المكونات والرموزالتسلطية داخل النظام السياسي القديم في صيغة الملكية التنفيدية والرأسية أو العمل على بناء النظام السياسي الجديد المبني على قاعدة الملكية البرلمانية حيث تقترن المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة.
3 -فى البداية، بداية الحراك الشعبي المستجيب لحركة المد الديمقراطي العربي، لم يبدو الفارق كبيرا بين التوجهين والاستراتيجيتين، خصوصا مع انتشار فهم الإصلاح على أنه تغيير تدريجى فى مدى زمنى معقول وسلس وواهن، وانحصر الخلاف حول توقيت و أجندة الإصلاحات ومداها ونطاقها وأولوياتها فى كل مرحلة بما تعنيه من ارادة في رفع مستوى فعالية الانجاز لمشروع الانتقال الديمقراطي، حتى يأتي ناجزا بأقل تكلفة، وهنا ألمح للاستقرار السياسي والاجتماعي الموعود الباهض الاكلاف.
إلا أنه مع مرور الوقت-والزمن في معادلة التغيير والاصلاح حاسم - بدأت تتضح الفجوة بين تصور الفريقين والتكثلين، وبدأت تثور انتقادات حول أداء قيادة المرحلة في ادارة دفة القرار داخل الحكومة وفي العلاقة بين المؤسسات الدستورية وفي طليعتها المؤسسة الملكية بأدوارها الدستورية المحددة، بالنظر للاستمرارية الواضحة لملامح ما سمي في حينها بعهد الملكية الثانية سواء على مستوى السياسات أو الأشخاص أو الرموز النافذة والتي اقترن اسمها بمراحل الردة الديمقراطية والتراجع في الحريات والذي كبد البلد ثمنا باهaضا بمعنى ، أن التغيير اقتصر على استبدال بعض الرموز بأخرى وتحت ضغوط الشارع فقط فى إطار من مقاومة شديدة لفكرة تطوير مؤسسات الدولة المفصلية وادخالها زمن الاصلاح مثل الإعلام والجامعة والأمن والعدالة والصحة ونمط التدبير.
لقد وجدنا أنفسنا وكأننا امام عملية متحكم فيها ومدروسة بعناية تقصد إعادة إنتاج نظام الهيمنة السلطوي القديم ولكن بدون قياداته ورموزه السابقة ، والعلة هي احداث التوازن السياسي من أعلى وبأدوات سلطوية متخفية هذه المرة. بل حتى إن كثيرا من هذه القيادات تُعامل كشخصيات عامة يُستطلع رأيها وتستشار، ويُعمل على إعادة إدماجها سياسيا وتطبيع حضورها داخل مؤسسات الاجماع الوطني، من مؤشرات ذلك هو استمرار رفض إصدار مواد فى منظومة القوانين المؤطرة للانتخابات الجماعية والترابية تضيق من أبواب دخولها مرة أخرى لمؤسسات الحكم. المحلي وللجماعات الترابية ، وهي تبطئ من امكانية حل وتفكيك مجلس المستشارين ، بل الامعان على اكسابه ادوارا سياسية مشوشة على مجمل المرحلة.
4-إن الإصلاح التدريجى يكتسب قبولا إذا لم تتأخر بداياته ولم تتباطئ اجراءاته ولم ترتبك دينامياته، فعامل الوقت والزمن اللازم للاصلاح عامل حاسم فى تأثيره على مدى نجاعة صيغة الاصلاح التي يجترحها النموذج المغربي المتفرد : الاصلاح في اطار الاستقرار ، وهو بالطبع والتأكيد عامل نجاح للإصلاح و تكريس لدرجة مصداقيته وناجزيته وجاذبيته . ولنعود للوراء قليلا لقراءة التاريخ القريب حتى نصل للأسباب الحقيقية لما تعانيه تجربة الانتقال الديمقراطي الجارية في هذة المرحلة في المغرب المعاصر منذ انطلاقها ولحظة اندلاع حركة 20 فبراير 2011 حتى الآن .
فبرصد المطالب الاصلاحية العميقة التي ترددت في أوساط النخب والقيادات المتفاعلة مع حركة الشعب المغربي المطالب بمزيد من الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ودمقرطة القرار العمومي داخل الدولة وانهاض المجتمع و الانهاء مع الفساد والاستبداد وو، تلك المطالب التى لم يثر خلاف عليها، ومع ذلك لم تتم الاستجابة لها فى الوقت الأمثل بالكلية وبالعمق الكافي ، وكان التلكؤ فى تنفيذها سببا فى خلق وتوليد مشكلات جديدة وفى تعقيد الساحة السياسية والاجتماعية المغربية بالرغم من حالة الاطمئنان النسبي الذي خلفته بعض الاجراءات المتخدة على صعيد تدبير الحكم وبالخصوص تكريس سلطة الاقتراع العام والتسليم لها ،
بالرجوع لتك الاجراءات في نفس الزمن فإننا نجدها –الاجراءات- كثيرة بالرغم من رمزيتها ومحدوديتها ومنها: إطلاق المعتقلين السياسيين، ، حل البرلمان واجراء انتخابات سابقة لاوانها افرزت خريطة سياسية جديدة وبدلت ميزان القوى النسبي للكيانات والاحزاب السياسية ، إعفاء الوزير الاول وحل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بناءا على نتائج صناديق الاقتراع ومن جراء تشكيل تحالف بين بعض القوى الحزبية الجديدة وإعادة تشكيلها وهندستها برؤية جديدة نسبيا، تسليط الضوء الكاشف على قضية تهريب أموال الفساد أو تبييضها واستعادتها، إعادة هيكلة أجهزة بأكملها على مستوى الادارة و القضاء و الأمن، تبنى هيكل عادل للأجور بتحديد الحد الأدنى -والأعلى قيد الدرس - ووضع جدول زمنى لتنفيذها، بداية برنامج لتطوير مؤسسات الإعلام-دفتر التحملات – واقرار الاصلاح الجامعي الجديد بحيث تكون الجامعة قاطرة للتنمية وغير ذلك ، تعطل مهمة اجراء انتخابات جماعية وترابية جديدة مع التباطئ في مباشرة حل المجالس المحلية والحزب السلطوي المعلوم كتركة لمنطق التحكم الذي ساد في مرحلة سابقة ، تغيير مراقب ومحدود في حركة الولاة والعمال كخطوة لانجاز حركية داخل جسم الادارة الترابية، احالة كثير من ملفات الفساد والشطط في استعمال السلطة على القضاء ومحاكمة -بشكل علنى- بعض رموز وأعوان النمط الريعي الذي كان يدبر المرحلة السابقة وكان مسؤولا عن كثير من الارتباكات فيها ، ومؤخرا رفض استمرار حالة الفوضى داخل كثير من القطاعات وتدبير المؤسسات العمومية، الا اننا نسجل كذلك الغموض والتلكئ في الإعلان عن اصلاح منظومة القوانين الانتخابية مع عدم الحسم لحد يوم الناس هذا في موعدها .
وجميعها أمور كان التأخر فى تحقيقها أو تلبيتها جزئيا السبب الأول فى خلق مناخ عام من التوتر والاضطرابات والتيه والارتباك .
5-ومن ناحية أخرى، صاغت قيادة العمل الحكومي وإدارة الانتقال الديمقراطي نمطا جديدا للعلاقة بين الاصلاحي والقانونى المؤسساتي نادرا ما توافرت فى تجارب مقارنة أخرى.
حيث ظلت دوما مشكلة التقنين القانونى للمطالب الاصلاحية مستحوذة على اهتمام الجميع من كل ألوان الطيف، مع أن الدواعى السياسية للتحول الديمقراطى هى التى يجب أن تصوغ الحلول القانونية و التكييفات الديمقراطية للمضامين الدستورية التعاقدية الجديدة وليس العكس.
فقبل هذه المرحلة التي نعيشها اليوم سياسيا، تركز الجدل الفكري والسياسي العام حول التخريجات الدستورية لمطالب الناس بعيدا عن احداث تطوير وتغيير في بنية الحكم ونمط اتخاذ القرارفي اتجاه التوسيع من المشاركة الشعبية ووضع حد للاستفراد وتركيز السلطات وشخصنتها، ثم بعد هذه اللحظة الدستورية والاصلاحية والانتخابية التي أحدثت نقلة بعيدة في المشهد السياسي العام ، دارت حوارات وسجالات حول المضامين الديمقراطية التي من الواجب أن تكسبها النخب السياسية والحزبية للتعديلات الدستورية المنجزة وعلاقاتها بالشرعية السياسية والانجازية والانتخابية والنضالية، ثم الضمانات السياسية و الدستورية وعلاقتها بتنظيم انتخابات للجماعات الترابية تكون ديمقراطية وتمضي في اتجاه استكمال البناء المؤسساتي للمملكة في مرحلة ما بعد الحراك ،مؤسسات تليق بوطن يعيش ربيعه بتميز وتفرد واقتدار.
6-ففى ظل إدارة الحكومة الحالية القائدة لدينامية الاصلاح الديمقراطي والموجهة للمرحلة الانتقالية ، أخشى أن أصل الى قناعة تتأكد يوما عن اخر في أن الشرعية الاصلاحية العميقة قد تراجعت، و أن الملائمة السياسية كأساس لإصدار التشريعات و القوانين و الاجراءات والقرارات بشكل واضح قد تراخت لصالح اللعب ضد قواعد الطريق السالك للتغيير الديمقراطي الذي وحده يبقي جدوة الارتباط بالسياسة قائما،
إن هذا التخوف والتوجس المر وانعدام الثقة في مستقبل ومصير قضية الاصلاح الحقيقي لعطب الدولة، هو وحده الذى فرض ويفرض على الناس والمخلصين من قوى الدفع الديمقراطي الادمان على خط الاصلاح العميق والحقيقي ، و يؤكد ضرورة الاستمرار فى الوفاء للشعب والارتباط بهمومه والحضور الدائم معه وقيادة المعارك بصمود داخله ، كل ذلك بخلاف ما حدث فى غالبية الثورات التي أعقبت سقوط رموز الاستبداد ببساطة لكون المغاربة طالبوا باسقاط الفساد والاستبداد وليس اسقاط النظام . وهذا الامر أيضا ومن الجهة المقابلة فتح الباب على مصرعيه لا ستدامة الخلافات فى أوساط النخب السياسية والحزبية وبالتحديد أجج الوضع في العلاقة بين بعض مكونات التحالف الحكومي القائد للمرحلة.
ومن ثم جاء المسار المتذبذب للمرحلة الانتقالية التي تمر منها بلدنا كسار الدول التي تأثرت برياح الربيع الديمقراطي، نتاجا طبيعيا لحالة الشد والجذب بين النمط الإصلاحى في التغيير و الاسلوب الطفري وان شئنا القول الثورى في تدبير الانتقال، وازداد التوتر عندما رجحت كفة التوجه الإصلاحى وأخد بزمام المبادرة و بناصية التوجيه العام، أو بمعنى أدق تأخرت إصلاحات لازمة وحاسمة بل مطلوبة لتحصين الانتقال من امكانيات الارتداد والنكوص.
ففى إطار غلبة الإصلاحى على الاطروحات الانتظارية وبعض الخطابات العدمية التي تسكن العقل السياسي لبعض القوى التي تعيش على هامش الدينامية الجارية اليوم، لقد اتسعت الفجوة بين هؤلاء والسلطة بين الدولة والمجتمع، وبين قوى التي من الواجب أن تسند الاصلاح الحقيقي والعميق والشعب.
7-فهنا وجب التذكير أن الاصلاح العميق والحقيقي لم يتغلغل بعد إلى مفاصل الدولة ولم يصر حالة داخل دواليبها غالبة وناهضة، ومن ثم تأخر وصولها للمجتمع وكيانه وعمقه.
فعلى عكس ملف الاصلاح السياسي الشامل المضغوط فى الايام الفبرايرية التى أطاحت بجدارالخوف المستولي على النفوس والعقول في سياق عربي معبئ طافح بشعارات الكرامة ودك عروش الاستبداد والطغيان السياسي والريع الاقتصادي ، لا زلنا نلاحظ بطئا فى التغيير وتباطؤا فى الإقدام على خطوات كبرى سواء على مستوى إسقاط وتفكيك بنيات النظام التسلطي التقليداني القديم أو التصدي لمباشرة بناء نمط للتدبير على الايقاع الديمقراطي الجديد .
وامتد التردد والتأرجح وأحيانا التجاهل إلى علاقة التجرية الحكومية برمتها وبمشروعها الاصلاحي بمجمل القوى السياسية والحزبية والمدنية الراغبة في الانتقال والتي لها مصلحة في انجازه.
وفي هذا الصدد لا أرى داعيا لتهييج الخلافية الاديلوجية على قاعدة المرجعية والهوية ، المطلوب تجاوز التقاطبات التي قد تجعل النظام السياسي نفسه يبدو متوافقا مع القوى المحافظة باستعمالها ضد منطق المرحلة وايقاعها في الانتقال، ومرات أخرى منحازا للقوى المسماة باللبرالية والعلمانية، ومرات ثالثة متصادما مع القوى المدنية والشبابية ،وأخرى متفاعلا مع التنظيمات اليسارية والتي يراهن على توجيهها لتصعيد النقد الاديلوجي ليس ضد الاصولية الاستبدادية وانما لاعادة احياء صراعها القديم مع قوى الاسلام الحركي تحت يافطة مواجهة الخطر الاصولي في معركة زائفة.
8-وفى المقابل، تراوحت مواقف هذه القوى من سياسات الحكومة نفسها ما بين مؤيد بخجل وتردد ومعارض أوعدواني بشراسة وبخطاب حربي واضح ومجلجل يستعمل في ذلك ويستبيح كل الوسائل والامكانيات الاعلامية والسياسية والنقابية وغيرها ، بل وتبادلت القوى السياسية والمدنية والنقابية هذه المواقع، في لعبة تغيير واستبدال الادوار والوظائف .
وعلى سبيل المثال: صعد بعض القوى السياسية الديمقراطية وفي طليعتها العدالة والتنمية –وهو الحزب القائد نظريا للاغلبية - مؤخرا من خطابها الرافض لتلكؤ الداخلية وزارة فى حسم مسألة الانتخابات سواء قانونا او اجرائيا، بينما بدأت بعض القوى اللبرالية والمحافظة والمعارضة تخطب ود وزارة الداخلية لتمرير قوانين انتخابية برؤية مكيافيلية، هكذا كان في نازلة دفاتر التحملات.
هذا النمط البطىء التراكمى التدريجى من الإدارة سمح للقوى المضادة للتغيير والانتقال بانتهاز بعض الفرص محاولة منها لافتكاك المبادرة السياسية وامتلاك ناصية قيادة المرحلة وانتزاع مسألة صناعة الحدث، من خلال خلط الاوراق وفتح المجال مشرعا للاستقطابات بين القوى السياسية والدفع في نسف عقلانية الممارسة السياسية على أساس قواعد تعاقدية ودستورية ومبنية على التنافس الشريف ، وشجع على ضيق قطاعات مجتمعية من التجربة الاصلاحية الماثلة، فزادت بعض الضغوط الفئوية لبعض القطاعات الشعبية وتصاعدت الخلافات النخبوية.
والأخطر أن مزاجا عاما متململا من منهجية الاصلاح التراكمي والتدريجي المؤمن بخيار الاصلاح في اطار الاستقرار والتي تبناها المغرب رسميا والتي ينحاز لها حزب العدالة والتنمية ، إن هذا المزاج المرتاب في امكانية الفعل الاصلاحي على مستوى العمق بدأ يطفو على السطح ويتململ، وبدأت أصوات تُلصق بالديمقراطية والديمقراطيين وتنتسب للنضال وللمناضلين تشوش على التحديات الكبرى التى يواجهها المغرب الآن داخل منتظم دولي مرتبك وله اشكالات عميقة وحادة ، متناسين الفرص الضخمة التى كانت أمامنا منذ 20 فبراير 2011 مرورا ب 25 نونبر 2011 ، والروح العالية والطموحات العريضة التى أخرجت البلد من قمم البلادة والفساد والاستبداد ، وجعلت الخطاب الرسمي ينتج مفارق بالقياس الى السياق العربي بانتاج جواب ذكي في 9 مارس 2011.
9-إن الموضوعية تقتضى أن ننتبه –وننبه قيادة الانتقال -إلى تداعيات إدارة المرحلة الانتقالية التي يمر منها المغرب وما أهدرته من زمن ثمين فرص حقيقية وما أنتجته من مصاعب. وفى ظل إعلاء العدالة والتنمية مع حلفائه لصيغة الإصلاح المحدود البطىء التراكمي، بدا إصرار البعض –من داخل العدالة والتنمية وخارجها-على استكمال الوفاء لمطالب الشعب وكأنه تهور أو تسرع لا داعى له، ذاك ما يوصف به خطابنا لبعض الوقت.
فى حين –فإن المطلوب منا انجاز تفكير جسور ومغاير- بالقول أنه إذا اتسمت الإدارة السياسية للمرحلة السياسية الجارية التي تمر منها البلد بالحسم الناجز المطلوب منذ اللحظة الأولى، لكنا استطعنا تحقيق التغيير المطلوب خلال العشرة أشهر الماضية والاولى من عمر هذه التجربة الفريدة .
ولكن بدلا من ذلك أصبحنا أمام أزمات من نوع جديد:
1) أولاها أزمة تعانيها القوى الاصلاحية المتحالفة والانتظارية التي تعيشها تلك التي تعيش على الهامش نوايضا التيه والتردد الدي تشهده بعض القوى الديمقراطية التي تاهت وغاب عنها الميزان الحقيقي لادراك التناقض الاساسي في المرحلة والتي تعاني حاليا أزمة وجود ونمو وتمدد وانحسار متمثلة فى بداية تدهور شعبية بعضها على أقل تقدير وفقدانها النسبى للدعم الجمهور التقليدي لها والميداني للمجتمع ،كل ذلك باليات المطالبة والاسناد والمواكبة والصمود والنضالية والعمل الصبور والمصداقية .
2) وثانيتها أزمة تعانيها علاقات وثقة التجربة الحكومية والعطالة المجازية التي تحاول النيل منها بغية ارباكها من داخلها والعدوان على صلاحياتها من خارجها، وبالضبط تقصد فرملتها عن انجاز مهام الاصلاح والوفاء لمتطلبات المرحلة ، فى علاقاته بالقوى المجتمعية والسياسية حتى تلك التى كانت متوافقة سياسيا ومتحالفة مرحليا معها فى البداية بسبب عدم استجابته السريعة والكلية للمطالب المتوافق عليها،
3) ثالثتها أزمة تعانيها أجهزة الدولة وعلى رأسها كافة المؤسسات الدستورية ذات الحضور الفعلي والرمزي بما فيها المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان وغيره لظهورها جميعا بمظهر العاجز عن المشاركة الفعالة فى صنع السياسات بالشجاعة والحزم المطلوبين، ولحالة الشلل التى تسللت للوزارات والادارات والهيئات الحكومية والمؤسسات العمومية والخاصة وغيرها ، وخلقت حالة من الانتظار المفتوح التى سيطرت على الجميع، فى مناخ الضبابية والتخبط الذى نعيشه.
ختاما
لعل العمل على اصدار قوانين الانتخابات على ما يعتورها من تحفظات والإعلان عن الجدول الزمنى لانتخابات الوحدات الترابية والجهات والغرف ، تكون بداية مرحلة جديدة فى إدارة المرحلة الانتقالية تنفتح فعلا وسياسة على ضرورات بناء نظام ديمقراطى متماسك غير ممركز ويمضي في اتجاه البحث عن امكانيات جديدية لاختراق تناقضات المرحلة ومحدودياتها.
فنشهد إعدادا جديا وجيدا للانتخابات بدءا من حسم الملفات العالقة الاجتماعية وفتح قنوات الارتباط مع مؤسسات المجتمع المدني والسياسي وصولا إلى تحديد ميعاد الانتخابات لتحرير المشهد السياسي من الترقب والارتباك والتيه، مع المضى قدما فى تنفيذ هذه الخطة الزمنية بدون تردد.
فإدارة المرحلة الانتقالية لا تعنى تثبيت الأوضاع والجمود عندها، بل المطلوب اساسا بذل جهود ضخمة لإعداد البلاد لعملية بناء نظام سياسى جديد تكون الدولة فيه خادمة للمجتمع ، مغرب ممكن وجدير بكل أبنائه ومؤسس على عقد المواطنة والانتماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.