البلدان التي تمر بانتقال سياسي تشيد ب"المبادرة النبيلة" للرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن الإفريقي    محكمة جزائرية تصدر حكما الخميس في قضية الكاتب بوعلام صنصال في خضم أزمة بين باريس والجزائر    بنعلي : الهيدروكربورات والمعادن مفتاح السيادة الطاقية للمغرب    المملكة المتحدة.. الذكاء الاصطناعي في طليعة المعركة ضد الجريمة    الجيش والكوكب يعبران إلى ثمن نهائي كأس العرش..    طقس الخميس.. حرارة مرتفعة بسوس والأقاليم الجنوبية وزوابع رملية بعدة مناطق    اعتقال منتحل صفة شرطي بالدار البيضاء    إصابة 10 أشخاص بحروق وجروح على إثر انفجار قنينتي غاز بحي الرحمة    حب الحاجب الذي لا يموت..!    عضو الكونغرس الأمريكي جو ويلسون يشيد بمرور 250 عامًا على الصداقة بين الولايات المتحدة والمغرب    كأس العرش.. شباب السوالم الرياضي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على شباب بن جرير (3-1)    الكونغرس الأمريكي يحتفي ب250 عامًا من الصداقة والشراكة الاستراتيجية مع المغرب    رايان إير تضاعف رهاناتها بالمغرب.. 30 مليون مسافر في الأفق    كوت ديفوار تتخلى عن تنظيم "الكان"    "الإصلاح" تدعو إلى مؤازرة فلسطين    ذكرى رحيل آيت إيدر.. انتقادات لازدواجية الخطاب الحقوقي بشأن الصحراء    عوامل تكبح القطاع الخاص بالمغرب.. والأولوية لإصلاحات مناخ الأعمال    أمواج تلفظ رزم مخدرات بالمنصورية    "تدهور" ظروف الاشتغال بالمستشفيات الجهوية للرباط يغضب أساتذة الطب    انعقاد الجامعة الربيعية ببني ملال    الجيش في ثمن نهائي كأس العرش    أوراق من برلين: فيلم "طفل الأم".. رحلة تتأرجح بين الأمومة والشكوك    فيدرالية قطاع الدواجن ترد على الاتهامات .. ردود مهنية على مزاعم المضاربة والتهرب الضريبي    جامعة عبد المالك السعدي تُطلق مجلة Lumen لتسليط الضوء على أبحاث الطب والصيدلة بطنجة    الكونغرس الأمريكي يستعد للاحتفال في 2027 بالذكرى 250 لاعتراف المغرب باستقلال الولايات المتحدة    أمن مراكش يحد من نشاط مروجين للمخدرات    قرار غير مسبوق في الكونغرس الأمريكي للاحتفاء بعلاقة الصداقة الطويلة مع المغرب    الملك يترأس إحياء ليلة القدر ويصلي العشاء والتراويح جلوسًا    فن يُحاكي أزمة المياه.. معرض فني بمراكش يكشف مخاطر ندرة الماء والتغيرات المناخية    وجدة تتصدر المدن المغربية في سرعة الإنترنت    حملة واسعة ببن الطيب تحجز كميات كبيرة من المواد الغذائية الفاسدة    الولايات المتحدة تشدد إجراءاتها ضد الهجرة غير الشرعية وتحذر من العواقب الصارمة    دول إفريقية تشيد ب"المبادرة المغربية"    ألباريس: المغرب وإسبانيا أرسيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة "أفضل مناخ للتعاون على الإطلاق" في تاريخ علاقاتهما الثنائية    مذكرة تفاهم بين المغرب والصين لتعزيز الربط الجوي    بورصة الدار البيضاء تغلق بأداء سلبي    مدينة درو الفرنسية تحتفي بالمغرب وبثرائه وتنوعه الثقافي    «تجربة متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر» هدى البكاي ترصد الدبلوماسية الثقافية المغربية    غرام موسم القيظ    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    الأرجنتين تعيد فتح قضية وفاة "مارادونا" وتعتقل "شاهد زور"    مقتل 830 شخصا منذ استئناف الهجوم الإسرائيلي على غزة    مسلسل رحمة في مرمى الانتقاد بسبب مشاهده الحميمية    الشاعر نور الدين الدامون في ذمة الله    تجميد المواد الغذائية .. بين الراحة المنشودة واستحضار الجودة    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تودع شكاية لفائدة طفلة أُصيبت بالسيدا عقب عملية جراحية    وليد الركراكي : المهارات الفنية صنعت الفارق أمام تنزانيا    تصعيد عسكري إسرائيلي على عدة جبهات وتحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية    دراسة توضح تأثير استخدام شات جي بي تي على الشعور بالوحدة    كأس العالم 2026: الأرجنتين تسحق البرازيل برباعية وتصبح أول المتأهلين للنهائيات عن أمريكا الجنوبية    الركراكي: نتطلع إلى إسعاد المغاربة    شكوى حقوقية حول إصابة طفلة بفيروس الإيدز إثر عملية أذن في مستشفى جامعي    اكتشاف جديد يحدد الأجزاء المسؤولة عن تذكر الكلمات في الدماغ    نهاية سوق پلاصا جديدة بطنجة    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دماء على إسفلت العبث
نشر في هسبريس يوم 25 - 05 - 2021

إهداء إلى روح التلميذ زكرياء الذي قتل غدرا بمدينة آسفي المغربية يوم السابع عشر ماي 2021
إلى جميع الأرواح التي أزهقت ظلما وغدرا...
الساعة السادسة صباحا من يوم الاثنين السابع عشر من شهر ماي، رن المنبه معلنا بداية يوم جديد في حياة الشاب زكرياء الذي يقترب من بلوغ السنة الثامنة عشرة، وما تحبل به من آمال ومشاعر متناقضة تتراوح بين الإحساس بثقل المسؤولية والرغبة الجامحة في تحدي الصعاب لرسم ابتسامة على محيا الأقارب والأحباب.
أحس زكرياء ببعض التعب إثر ليلة مضنية قضاها سابحا بين دفاتر الفيزياء وأمواج الرهبة من امتحان ينتظره في هذا اليوم الربيعي. لكنه سرعان ما استجمع ما تبقى من قواه واستنهض همته لاستقبال اليوم الجديد وما يحمله من تحد سيقربه أكثر من حلمه الموعود. حلم الولوج إلى الأكاديمية العسكرية ونيل شرف الانضمام إلى هيئة الضباط المنافحين عن حوزة الوطن مع ما يمثله ذلك من فخر للأسرة بأكملها. أسرة بسيطة حمل جميع أفرادها على عاتقهم هم تحدي الصعاب والالتزام بمبادئ المواطنة الحقة.
غسل زكرياء وجهه بسرعة وتناول القهوة اللذيذة التي حضرتها خالته بكثير من الحب والأمل، ثم توجه لدفتر الفيزياء لمراجعة أخيرة أملا في الحصول على المرتبة الأولى كما هو الشأن في المرات السابقة. بعد دقائق قليلة، انتبه إلى انصرام الوقت بسرعة مفرطة ودنو أجل الامتحان الذي سينطلق على الساعة الثامنة.
لم يكن أمامه إلا أن يحمل محفظته ويغادر البيت بسرعة البرق قاطعا دروب مدينة آسفي الهادئة للالتحاق بثانوية الهداية قبل الساعة الثامنة صباحا. وصل لاهثا إلى قاعة الامتحان قبل دقائق قليلة من الوقت المحدد والعرق يتصبب من جبينه. ألقى التحية على الأستاذ ثم أخذ مقعده بين زملائه الذين ظلوا يرقبون مجيئه أملا في كرم ذكائه للحصول على نقط أفضل في مادة عصية. كيف لا وهو التلميذ النجيب الحاصل على معدل ممتاز خلال جميع الدورات.
دقت الساعة العاشرة وحان وقت تسليم الأوراق. كان زكرياء قد انتهى من الامتحان قبل دقائق لكنه فضل مراجعة الورقة طمعا في نقطة أفضل. سلم الورقة للأستاذ بابتسامة خجولة ثم غادر القاعة بسرعة مبتسما حالما بالمرتبة الأولى في انتظار الامتحان الجهوي.
بمجرد مغادرته باب الثانوية أحس بمغص يخالجه. لم يكن يعلم زكرياء أن امتحان الفيزياء سيعقبه امتحان أخير. هو امتحان مواجهة الشر في أبشع صوره. لم يكن يتخيل أن في انتظاره شخصان يترصدانه بباب الثانوية وقد أجمعا أمرهما على الانتقام منه لسبب من الأسباب التافهة، ليس أقلها الغيرة من تألقه في الدراسة ونيله إعجاب واحترام الجميع. أسرع الخطى لتفادي الوقوع في شراك مواجهة غير متكافئة، طالما حاول جاهدا تجنبها.
تقدم المراهقان نحوه بسرعة البرق لتطويقه بكلمات مستفزة. حاول زكرياء تجنب الانسياق وراء الاستفزاز. لكن المراهقين تقدما نحوه والشر يتطاير من أعينهما. استغلا خلو محيط المدرسة ثم اقتربا منه وقد عزما على تنفيذ مخططهما الانتقامي. بادراه بكلام مبهم. استجمع زكرياء قواه لمواجهة الخطر المحدق والدفاع عن نفسه. لكن المراهقين لم يتركا له فرصة الدفاع. استل أحدهما سلاح الغدر بسرعة فائقة ثم وجه له طعنة غادرة خر على إثرها زكرياء صريعا. تدفقت دماؤه الزكية على الإسفلت في لحظة كانت السماء تستجمع غيومها لتنهمر أمطارها مدرارا باكية ضحية الغدر والعبث.
انتشر الخبر بسرعة البرق بين التلاميذ والأسر. اهتزت آسفي الهادئة على وقع جريمة بشعة راح ضحيتها تلميذ شهد له القريب والبعيد بدماثة الخلق وطيب الأدب، في مشهد عبثي لم تألفه المدينة الصغيرة التي لم تعد تحمل من اسمها سوى الأسف على حال شباب تائه بين اليأس والخوف. هبت الرياح من كل حدب وصوب، وزمجرت أمواج المحيط الأطلسي غاضبة، وانهمرت دموع السماء لتختلط بدموع وآهات الأم والجدة والخالات والأخوال والأصدقاء والجيران، الذي تجمعوا في الزقاق ليبكوا الشاب زكرياء في مشهد حزين سيظل جرحا غائرا في قلب المدينة الهادئة. جرح سيظل ينزف دما ودموعا حتى ينطق القاضي بالحكم العادل.
حكاية زكرياء هي حكاية الآلاف من الأبرياء من مختلف الأعمار الذين لا ذنب لهم سوى أنهم تواجدوا في المكان الخطأ واللحظة الخطأ، ليدفعوا حياتهم ثمنا باهظا لفشل جميع المؤسسات في توفير الأمن وصون الحق في الحياة. حكاية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مجتمع صار العنف بكل أشكاله سمة طاغية على حياة شبابه، مجتمع استقال مسؤولوه ومناضلوه من مهام الدعم والتأطير، فأنهكه الظلم وتكالبت عليه جميع وسائل العنف الاقتصادي والنفسي والاجتماعي حتى أصبحت أخبار الجرائم والانتحار وقوارب الموت خبزنا اليومي، لتحول حياتنا إلى جحيم بدون معنى، وتصير أيامنا عبثا سمرديا. فإلى متى سيستمر هذا العبث؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.