يبدو أن عبد الله بووانو، رئيس فريق المصباح بمجلس النواب، من عُشاق أكلة "الكُسكس"، التي تُعبر عن الاستثناء الحقيقي في المطبخ المغربي. فقد أعاد بووانو، خلال حديثه في منتدى "لاماب" عن تماطل الأمانة العامة الحكومة في إخراج بعض القوانين، (أعاد) الروح لمُفردات تنتمي لمُعجم "غذائي" مُهدد بالانقراض، يتداوله العارفون والعارفات بفنون طَهي وجبة الكُسكس المغربي ( الكسكس البلدي طبعا)، عبر استعمال تقنية "الفْتيلْ والتفْوَارْ". ونجح بووانو، إلى حد كبير، في ابتكار طريقة جديدة، ولذيذة تفتح شهية توجيه سهام النقد لبعض "مُعرقلي" الإصلاح، عن قصد، وهم "المشوشون الذين ينتفضون كلما اقتربت الحكومة من الأوراش الإصلاحية الكبرى مثل صندوق المقاصة أو العدالة أو إصلاح المالية العمومية"، والسبب يُتابع عبد الله بوانو "توجس بعض الأحزاب المغتصبة في شبابها من نتائج الانتخابات الجماعية المقبلة التي تُؤكد كل المؤشرات، أن العدالة والتنمية سيكتسحها"، يعني وفق لغة بووانو "عند الفورة يبان لحساب". كما أن هناك "معرقلين" للإصلاح عن دون قصد، ومنهم الأمانة العامة للحكومة، أو ثلاجة الحكومة، كما يُحب أن يَنعتها البعض، بسبب اكتسابها شُهرة تأخير إخراج عدد من مقترحات القوانين التي تضعها الفرق البرلمانية بمجلس النواب، بل حتى مشاريع القوانين التي يصادق عليها البرلمان. لقد نحت بووانو، لغة "مطبخية"، ستعمل مفردات قاموس طريقة إعداد وجبة مغربية، من "فتيل وتفوار، وترويته باللبن أو المرق"، وكل هذا له علاقة بثلاجة المطبخ، (وليس ثلاجة الحكومة)، سيما عندما يتم استخراج اللبن البارد من "الفريكو"، وخلطه بالكُسكس، الذي استعصى على "الفتيل"، ليتحول إلى "صَيْكُوك"، الذي يقول صديقي سعيد، بأنه يُشبه كثيرا الحالة السياسية ببلادنا، التي لا يََنقصها سوى رشات من الملح، لتتحول من قصعة كُسكس بسبع "خضاري"، إلى زلافة "صيكوك" باردة. ودون لف أو دوران، القصعة هي الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة جمهور المواطنين، الذين يضعون أيديهم على قلبوهم، خشية أن تتحول قصعة الكسكس "المفتول" إلى زلافة "صيكوك" بلبن حامض، بسبب من سماهم بووانو "الجهات المحافظة التي تتوارى داخل المحيط الملكي"، التي تقوم بامتصاص "مرق" الإصلاحات التي تُحاول الحكومة "سقي" الكسكس بها، وهدف تلك الجهات، والكلام لبووانو "الحفاظ على الحالة التي كان عليها المغرب قبل إقرار دستور فاتح يوليوز 2011 لأنها كانت المستفيدة منها". *** تتسبب أيضا في "فتل" خيوط حكاية الصيكوك، عملية بطيئة لمرور مشاريع ومقترحات القوانين عبر "الفتلة الأولى، والفتلة الثانية بلا تَفْوَار"، ومن ذلك، يقول كبير برلمانيي المصباح "قانون الأبناك الإسلامية الذي تم إيداعه في الأمانة العامة للحكومة ثلاث مرات في صيغ مختلفة، دُون أن يجد سبيلا إلى النشر في الجريدة الرسمية. ولأن وجبة الكسكس، تُحب "الجماعة"، دعا بووانو، رئيس الحكومة إلى الجلوس مع جميع الفُرقاء السياسيين لمناقشة الملفات الأفقية. ولكم أن تتخيلوا هؤلاء الفرقاء جالسين فوق حصيرة من الدوم، فطبيعة الملفات تفرض الجلوس "أفقيا" مع المُعارضة، ومع جميع الأطراف، تنفيذا لما نص عليه الدستور الجَديد بشأن المقاربة التشاركية، التي ينبغي أن "تدوم وتدوم وتدوم"، من حصيرة "الدوم"، وليس كما تقول لنا تلك المذيعة في وصلتها الإشهارية المكرورة. تُذكرنا أيضا وجبة الكسكس، بيوم ليس كباقي الأيام، ويتعلق الأمر بيوم الجمعة، الذي يتميز بصلاة مُتميزة، مُقترنة بخطبة يُلقيها إمام المسجد الجامع، ولهذا كان ضروريا أن تُخيم التصريحات الأخيرة للفقيه أحمد الريسوني، على أجواء ندوة بووانو "ابن الحركة الإسلامية"، الذي أكد بأنه تم داخل العدالة والتنمية تجاوز النسخة الأولى من فكر الحركة، والقيام بمراجعات فكرية كبيرة على مستوى المنهجية واستيعاب الواقع والفهم المُتجدد للنص. واعترف تلميذ أحمد الريسوني، بأن هناك دعوات داخل حزب المصباح، للانتقال إلى مرحلة ما بعد الحركة الإسلامية، مُشبها ذلك بدعوة الانتقال في مرحلة معينة، إلى ما بعد الحداثة تجاوزا واستيعابا ونضجا ونقدا للحداثة، مُؤكدا مساندته لنظرية "الفصل والوصل"، التي اعتمدها الحزب بين الدعوي والسياسي، معتبرا أن مجال السياسة، يسود فيه التدافع والصراع على قاعدة البرامج والتفويض الشعبي، وهي مجال النسبي بينما الدعوة هي مجال المطلق. ولأن تناول الكُسكس يوم الجمعة، يدفعنا في أحايين كثيرة، لتشغيل المادة الرمادية في أدمغتنا، والبوح بأشياء، في الصميم، فقد كان واضحا بووانو، في قضية حرية الاعتقاد، التي يقول عنها "وإن كانت من صميم الدين لا يجوز للمُتدين التوجس منها فقط لأنها جزء من مبادئ حقوق الإنسان العالمية، فالحريات الفردية والجماعية جزء من منظومة (لا إكراه في الدين). السي بووانو شهية طيبة، ودُمت عاشقا لأكلة الكسكس التي تشكل بالفعل الاستثناء المغربي. [email protected]