لا أعرف إن كان الصحفي السعودي عثمان العمير قد أعطى تعليماته لمستخدميه أن يوفوه التبجيلا ... أم أن عقيدة الخنوع عند أمة العرب هي وحدها من أوحى للمحررين بتبجيل الرجل والاحتفاء به في حله وترحاله. "" فكلما جلس العمير مع أحد أصدقائه من أهل الحكم في إمارات الخليج وما جاورها من ممالك وجمهوريات بني يعرب، طلع النبأ في صدر ايلاف وجنب صدور نسائها، بعناوين تغار منها تشرين البعثية والدستور الهاشمية، والزحف الأخضر القذافية والبيان المكتومية وحتى الصحراء المخزنية والأخيرة ضرة لايلاف في عصمة العمير وشر الغيرة غيرة الضرائر.. نعود للعنوان "فلان استقبل ناشر إيلاف وبحث معه قضايا المنطقة..!"، للوهلة الأولى تخيلت أن العمير عين، في منصب رسمي في دوائر القرار السعودي، وغدت أخبار استقباله و تباحثه مقبولة من الناحية المهنية ولو على طريقة إعلام العرب العاربة والمستعربة، لكني بحثت واستفسرت، وتأكدت أن الرجل لا يزال رجل أعمال ومستثمر في ميدان الإعلام، وطبعا له وزنه ومكانته المحفوظة في قلوب مريديه ومحبيه من علية القوم.. وطبيعي أن يستقبل في الدواوين ويحتفى به في البلاطات، لكن هذا لا يصلح خبرا سياسيا ولا في صدر جريدة، والمكان الطبيعي لخبر كهذا، إن كان لابد، هو هامش أخبار المشاهير، باعتبار الأستاذ عثمان واحدا منهم. وبمناسبة فوز العمير بجائزة الصحافة العربية، احتفى موقع ايلاف بالحدث احتفاءا لا يضاهيه إلا تطبيل إعلام دبي لصدور كتاب "رؤيتي" للمفكر الكبير محمد ابن راشد، وتزمير قناة روتانا لصدور كتاب "الوليد".. وإذا عدنا للجائزة التي فاز بها العمير وطبل لها إعلامه.. فالكل يعرف أن الجائزة، على شاكلة جوائز أمراء الخليج، ما هي إلا رشوة للصحفيين والكتاب، إنها تعطى لشراء الأقلام والذمم، وكلما زُحزح موقف الكاتب أو الإعلامي عن "رؤيتهم"، سحبوا منه الجائزة..!، وفي نظرنا أن أخر ما يحتاجه العمير هي جائزة "فارس الاعلام"، أولا لأنه رجل أعمال ,أعطاه الله بسطة في الرزق، وثانيا وهذا أهم، أن مشروعه الصحفي سيتعثر إن كبل نفسه بمثل هذه الجوائز. وقد كتبنا سابقا أن مشروع إيلاف قد زاغ عن سكته، بفعل ارتباطات العمير بنظام بلده، التي لا تدع له هامشا لممارسة الصحافة.. رغم ذلك استطاع العمير أن يحفظ نصيبا من الحرية في جريدته، لا يرقى إلى مستوى الجرائد الليبرالية، لكنه أحسن من صحف النفط العابرة للقارات. و بما أن الصحفيين العرب اختاروا فارسهم في شخص عثمان العمير، وكتبوا فيه مقالات المدح، أجدها كمتتبع فرصة للسؤال عما أضافه الصحفي السعودي، كنموذج بارز لجيل كامل، للإعلام العربي عامة والمغربي خصوصا. على المستوى العربي، يبقى مرور العميير بجريدة الشرق الأوسط ومشروعه الالكتروني إيلاف أهم مساهمة له، ودون أن أبخس الرجل حقه، في أمور تفوقه، فان كل جهود التطوير والإبداع لديه، انكبت على الشكل لا المضمون، لقد كانت الجريدة في عهده وإيلاف ألان أمثلة تحتدى على المستوى التقني، والتقني فقط أما الخط التحريري والمهني، فلم يضف شيئا، لا لعيب فيه شخصيا، لكن الرجل مرهون بإرادة النظام السعودي، وقد كتبنا كثيرا عن الإعلام كما يفهمه هذا النظام ومن على شاكلته ولا يسع المجال للعودة اليه الان، وان حضرني مثال لا أفوت فرصة ذكره، هو تعامل صحف النفط الكبرى مع الانتخابات الحرة والديمقراطية في موريطانيا، وصمت كتبتها ممن يبحثون عن المعاني والدلالات، في فُساء خادم الحرمين أو ضُراط الأمير سلطان، ولم نقرأ لأحدهم يدعو بقية قبائل العرب أن يحذوا حذو الشقيقة التي كانت صغيرة، وغدت أكبر منهم جميعا. ونعود لموضوعنا، في المغرب، اشترى العمير أكبر مؤسسة صحفية ماروك سوار، الناطق الرسمي باسم المخزن والحكومة، ورغم جهود التطوير (التقني دائما)، وإصدار جرائد وإغلاق أخرى، فان جرائد العمير لا يقرؤها احد، وحتى من اشتراها أو وصلته مجانا، فغرضه تصفح الإعلانات لا غير، وان كان المنطق يقتضي أن جرائد لا تقرأ، يجب أن تخلو من الإعلانات، لكن بلاد المخزن منطقها تماما كمنطق أصدقاء العمير وأهله في الخليج. هل ظلمت الرجل؟ في المحصلة لقد ساهم بقسط وافر في تطوير الإعلام على طريقة من كرموه واختاروه فارسا لهم، أما الذين زمروا وطبلوا له فقد مارسوا ما تعلموه في مدارس الإعلام العربية، وفي النهاية، قلة قليلة من الحساد على شاكلتي، يكرهون الأفراح والأعراس الصحفية العربية، حسدا من عند أنفسهم.. ؟،و تكفيرا لسيئاتي، أقول إني لا أشك في كفاءة وقدرة السيد عثمان العمير.. وأحترمه احتراما صادقا لأنه رجل صادق مع نفسه، لا يعطي الدروس لأحد، ويوما ما سئل عن الخط التحريري المرتقب للصحف المخزنية بعد انتقالها لملكيته، فأجاب بصدق رجل الأعمال، أنه لن يغير أسلوبا يدر عليه الإعلانات.. لو سؤل صحفي سعودي أخر من خريجي الصحف الخضراء والصفراء لأعطانا درسا في الحرية ولقطر دروسا في المهنية.. لكن العمير يقول ما يفعل، وهذه ميزة تستحق مدحا، وان اختلفنا معه في أشياء أخرى.