اقترح على وزير التربية الوطنية محمد الوفا، بعدما شدد الحراسة على المؤسسات التي جرت فيها امتحانات الباكالوريا، أن ينشر أسماء الناجحين في الجرائد اليومية، ليضرب عصفورين بحجر واحد. العصفور الأول، الذي سيضربه الوفا، يتعلق باستعادة شهادة الباك قيمتها التي كانت تحظى بها قبل حوالي ثلاثين سنة، حيث كان التلاميذ في الماضي يَمْسَحُون بأعينهم المُتْعَبَة -جراء سهر الليالي- صفحات الجرائد يفتشون عن أسمائهم بالريق "الناشف"، وبمجرد العثور عليها يطيرون فرحا مثل العصفور الأول الذي سيضربه الوفا، ليزفوا الخبر لأقاربهم وأصدقائهم. أما العصفور الثاني، الذي سيضربه وزير التربية الوطنية، فيتعلق بالرفع من نسبة مقروئية جرائدنا الوطنية التي تخلى عنها القراء بعدما غرقت في الغوص في أسباب وتداعيات الخلاف بين شباط وبنكيران، متناسية الحديث عن الامتحان الكبير الذي دخلت إليه البلاد، والتي يبدو أنها ( البلاد طبعا ، وليس الجرائد)، وجدت أمامها أسئلة صعبة ومعقدة، ورغم ذلك فهي غير قادرة على فتح صفحة "تسريبات" على الفيسبوك لاستنساخ الأجوبة، وغير قادرة كذلك، على "تخراج العينين" في المراقبين ليسمحوا لها ب"النقيل"، لأن ضميرها لا يسمح لها باقتراف مثل تلك الجريمة. لكن الذي يحز في النفس، هو أن البلاد تجد أمامها "تلاميذ" غشاشين في كل المجالات، والذين لا يهمهم سوى "النجاح الشخصي" بأي ثمن. وعليه، فليست امتحانات الباك، وحدها التي يجب عند بدايتها "عسكرة" الثانويات، وتشديد المراقبة الأمنية عليها، بل بدورها باقي الدبلومات تتطلب المزيد من الحزم والصرامة و"التغربيل". إذ لا معنى لتشديد المراقبة على دبلوم واحد، فيما يتم التساهل كع دبلومات أخرى في القطاعين العام والخاص. فالغشاشون لايوجدون فقط، في صفوف التلاميذ وفي الثانويات، بل يوجدون في صفوف المقاولين الذين يغشون في الاسمنت والحديد، ويوجدون في وسط رجال ونساء التعليم الذين لايؤدون واجباتهم على أكمل وجه إلا في التعليم الخصوصي، ويوجد الغش في صفوف الأطباء والمحامين، والمهندسين والقضاة، ولافرق بين هؤلاء وبين التلاميذ الكسالى، الذين لم يطالعوا دروسهم إلا قبل الامتحان بدقائق قليلة، ويعولون على صفحة "تسريبات"، لينجحوا بأي طريقة وبأي ثمن. إن هؤلاء، هم من يجب الضرب على أيديهم بقبضة من حديد، فالمقاول الغشاش يهدد حياة الناس قبل أن يشوه عمران البلاد، والطبيب الغشاش يهدد صحة المواطنين، والقاضي الغشاش يهدد حرياتهم وحقوقهم، وهكذا غش. ومثل هؤلاء، من ينبغي أن يتم تشديد المراقبة عليهم، وعدم التسامح معهم، لأن ما يقومون به خطر يحدق بالمجتمع، أما تلاميذ الباك، فكان يكفي أن يتم عزل المؤسسات التي اجتازوا فيها الامتحانات عن الهاتف والانترنت، كما كان بالإمكان الاستعانة بخبراء في المعلوميات لحجب تلك الصفحات من الفيسبوك طيلة فترة الامتحان، وكان يمكن تفادي تطويق الثانويات بالبوليس، وكأن التلاميذ المساكين، مساجين. أيها المسؤولون، انتبهوا جيدا، يوجد خارج أسوار الثانويات، غشاشون يُهددون استقرار البلاد، "والله باباه أوباما معندو بحالهم"، كما قال ذات مزحة الوفا، فالغش ليس في الباك فقط، بل يمتد إلى مجالات أخرى. وفي انتظار ظهور نتائج امتحانات الدورة العادية، سيظل المراكشي محمد الوفا، يردد عبارة مراكشية ساخرة، تحدث عنها في مقال قبل سنوات عبد الرفيع الجواهري، هي "الباك حاول علي عافاك".