ارتفعت أصوات كثيرة منددة بمهرجان موازين، رافضة لفضائعه وفساده، الذي يستند أساسا على دعم القيم الدخيلة والغريبة على خصوصية المجتمع المغربي وتاريخه الإسلامي الطويل. ومع الأسف وجدنا شرذمة شاذة من العلمانيين باسم الديمقراطية والحرية تدافع وتنافح عن هذا المهرجان ضاربة عرض الحائط كل القيم الأخلاقية والاجتماعية للمغرب. ونحن نتساءل هل من الديمقراطية والحرية أن تتعرى جيسي جي على المغاربة، في صورة شيطانية لا مثيل لها؟ وهل من الديمقراطية والحرية أن نفرض على الشعب المغربي المسلم ثقافة أو نمطا ثقافيا و(فنيا) من غير مراعاة لشعوره الديني والاجتماعي، مادام يرفضه رفضا باتا؟ كم تمثل تلك الشرذمة العلمانية في المغرب حتى يتسنى لها أن تفرض علينا ما تريده وما يمليه عليها أسيادها من وراء البحار؟ ومهما يكن من أمر، فإنه مما لا ريب فيه أن مهرجان موازين مرفوض بكل المقاييس والحيثيات، وأنا أبسط القول عن دواعي هذا الرفض في ما يلي: مهرجان موازين مرفوض شرعا لأنه من الفساد والإفساد في الأرض، ولا يقال للشيء إنه فاسد حتى يخرج عن كونه منتفعا به، والفساد نقيض الصلاح وضده. ومن المعلوم والمقرر أن الشريعة إنما جاءت بالمصالح ومن أجل تثبيت هذه المصالح، ومحاربة الفساد ودحر المفاسد وتعطيلها، أو على الأقل إن اعتاص الأمر تقليلها. والنصوص القرآنية في ذلك تترى منها قوله عز وجل "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" وقال تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" وقال جل شأنه: "والله لا يصلح عمل المفسدين" فمما لا ريب فيه البتة أن من مقاصد الشريعة الطاهرة درء الفساد، ومحاربته وفضح خططه، وكشف حيله وتلبيساته، وإماطة اللثام عن وجهه، حتى يحذره الناس، وينأون عنه، ويحتاطوا منه أشد الاحتياط. والفساد هنا لفظ عام يقتضي دخول كل ما هو فاسد في اسمه، من ذلك الفساد السياسي، والفساد الاجتماعي، والفساد الاقتصادي، والفساد الأخلاقي، والفساد التعليمي والعلمي، والفساد الفني...إلخ فصنوف الفساد كثيرة، وضروبه متنوعة، يحوطها برعايته الاستبداد السياسي، فيسبغ عليها من "نعمه" و"آلائه". فلا شك إذن أن موازين الذي لا ميزان له، من الإفساد في الأرض باسم الفن، والفن النظيف الراقي المتحضر منه بريء، ولا أدل على ذلك ما نسمعه ونقرؤه، ونشاهده في بعض مقتطفات الأخبار، من المخازي التي لا حد لها. أما روايات المعاينين له والحاضرين، فحدث ولا حرج. ولا يشك مسلم عاقل أن هذا ليس من الدين قطعا، والإسلام منه بريء. ومرفوض قانونا فالدستور ينص في الفصل الثالث على إسلامية الدولة، فيقول في ذلك: "الإسلام دين الدولة." ويقرر بألفاظ صريحة وواضحة في الفصل الواحد والأربعين "أن الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية." وإقامة مهرجان موازين مخالف بلا منازع لهذين الفصلين، فما يجري فيه ويقع، يتنافى مع القول بإسلامية الدولة، ومناقض تماما لإمارة المؤمنين، التي بمقتضى الفصل 41 عهد إليها حماية الملة والدين، ومن ذلك حماية المواطنين، في حفظ أخلاقهم، وحفظ دينهم، وحفظ عقيدتهم، وسلامتها من كل الآفات، ولا يكون ذلك إلا بإيقاف هذا العبث وهذا التسفل. فالذين حرصوا على أن يكون هذا المهرجان باسم الملك، يبدو أنهم أرادوا من ذلك أمرين: الأول: إسكات الأصوات المتعالية برفض مهرجان موازين باستعمال اسم الملك، والاحتماء به، فلن يجرأ أحد أن يتكلم ما دام المهرجان باسمه وتحت رعايته السامية. وهذا خطأ في التقدير وإساءة لشخص الملك. الثاني: أن إقامة مهرجان موازين برعاية الملك ضرب من طرف خفي لإمارة المؤمنين، والإساءة لشخص الملك، إذ لا يستقيم الجمع بين إمارة المؤمنين التي تمثل البيعة طرفا مهما فيها مع ما يقام بمهرجان موازين، من الانحلال والتفسخ الأخلاقي من سكر وعربدة، واختلاط الفتيان بالفتيات، ووو. ولا أدل على ذلك مما وقع من المغنية الممسوخة جيسي جي التي أبت إلا أن تكشف عن لباسها الداخلي (سليب) مما سبب صدمة نفسية قوية للمغاربة، وأنا أقسم بالله العلي العظيم، غير حانث إن شاء الله أنني سمعت شكوى كثير من الناس وبعضهم من المسلمين غير الملتزمين بالدين هداهم الله، قد عبر عن سخطه ورفضه التام لهذا العري وهذا التدني الذي لم يعرفه المغاربة طوال تاريخهم. من هنا أقول إنه لا يليق البتة أن تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتلقين الأئمة دروسا في ثوابت الأمة، وتشنف الأسماع بذلك، منها إمارة المؤمنين، ثم لا يجد المواطنون شيئا ملموسا من تفعيل هذا الثابت في الواقع. وتفعيل هذا الثابت بإيقاف هذا المهرجان الخبيث والسيء الذكر، الذي لا يليق بتاريخ المغرب الديني والمذهبي والسياسي. ومرفوض عقلا، فالعقل نعمة من الله تعالى، جعله مناط التكليف، وهو أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها وجودا وعدما، كما قرر ذلك الأصوليون، وغيرهم من جميع الملل والنحل، فإذا انعدم العقل، انعدم معه التكليف، ومن مقاصد الشرع المحافظة على العقل. فالعقل الفطري السليم يرفض مهرجان موازين، لأنه يعتبره من العبث، وأعمال العقلاء تصان عن العبث كما هو مقرر عند جميع العقلاء. ومرفوض فنا، ذلك أن الفن الراقي والحضاري ينأى بجانبه أن يقع في الصخب والميوعة، أو أن يسقط في الرعونات، وإنما هو الفن الذي يرقي المدارك الإنسانية، ويحافظ على جمالية الحياة الإنسانية، وسلامة الذوق الإنساني، معبرا عن القيم الأخلاقية والمباديء الإنسانية الحقة. ولا يقود أبدا إلى الانحطاط والتدني، وتشيء أنوثة المرأة. على أنه ليس من الفن في شيء ما يستجلب لمهرجان موازين من "الفنانين" العراة الذين لا هم لهم سوى الغناء الجنسي، وإثارة الغرائز، والزج بالشباب في حياة بهيمية تجعلهم في صورة السكارى وبعضهم قد يكون كذلك هداهم الله. كل ذلك يتم بخدعة براقة، وفرية إبليسية، باسم الفن. فحينما نحكم المعايير الإنسانية والجمالية والذوقية والفنية الراقية والحضارية تجعلنا نؤكد أن جل برامج مهرجان موازين، وفقراته الفنية بعيدة كل البعد عن الفن ببعده الحضاري والإنساني. وهذا يفضي إلى القول بإيقافه والتبري منه. ومرفوض اقتصادا فلا يخفى أن المال قوام الأعمال، فلا يجوز صرفه في الأوجه التي لا تعود على البلاد والعباد بالنفع. وتبذير المال خاصية للشياطين، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال جل شأنه "ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا" فالمال الذي ينفق من أجل إقامة مهرجان موازين، مال مرصود لنفقة لا منفعة من ورائها، ماعدا في إفساد أخلاق الناس وبخاصة الشباب منهم، وتدويخهم، وهذا هو القصد الأصلي من وراء هذا المهرجان. لقد كان من المعقول ومن الدين ومن الوطنية الحقة والصادقة أن تصرف تلك الأموال في خدمة الأمة فتنفق على أولئك الشباب المحرومين من العمل، لإخراجهم من عضة البطالة، أو أن تسهم في تعليمهم، أو أن تنقذ أولئك القابعين في أدغال الجبال سواء في الأطلس أو غيره ممن لا يجدون مرافق صحية أو اجتماعية أو طرق توصلهم إلى تحقيق أغراضهم.ومع الأسف ينتهي مهرجان موازين، ولا تنتهي معاناة الناس، بل تزداد، وتشتد وتحتد. والحاصل من هذا كله أن مهرجان موازين مرفوض بكل المقاييس، مرفوض شرعا، ومرفوض قانونا، ومرفوض عقلا، ومرفوض اقتصادا، ومرفوض ذوقا وجمالا وماذا نصنع به؟ فأعمال العقلاء تصان عن العبث، "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.