تمهيد عناصر أساسية لهندسة التغيير: أصل الفساد والاستبداد: مرصد لمراقبة التيار المفسد: معالم في سبيل الخلاص: هندسة التغيير المجتمعي عبر وصايا عشر:
تمهيد
ثورة الشباب المجيدة ماضية في طريقها ، وقودها: العنفوان والحيوية، وزادها: طاقة المقاومة السلمية للفساد والاستبداد، ومحفزها: رفض إرهاب أجهزة القمع، ومدعمها: ردة فعل المحاربين لمطالبها المحررة من ربق العبودية. والعالم المتحضر، والناس جلهم، حتى بعض الحكام، يدعمونها، ويشدون عضدها، لأنها فتحت لنا جميعا، آمالا فسيحة في فضاءات الحرية، والعدالة، والكرامة، والتعلق بالقيم السامية. وردت لنا شيئا من الاعتبار بين الأمم. لذلك تعين علينا جميعا دعمها دعما كاملا، كل من موقعه وحيثياته... ولا سبيل هنا للأستاذية والتعالي عليها، فهي التي رشدت حركية المجتمع لإرجاع السيادة للشعب، وإنما لكي يشهد الناس بعضهم على بعض، من كان معينا وسندا، ومن كان معرقلا ومعارضا، ومن كان صادقا، ومن كان منافقا في دورانه مع الحق حيث دار. ورب مساهمة لا يعبأ لها، تكون حاسمة في حاضر الثورة الشبابية ومستقبلها. ولقد ظننا قبل أيام أن العلماء الذين تؤدى لهم الأجور الدسمة، والسم في الدسم، لأنها من جيوب المغاربة، سوف يدعمون الثورة، ويرشدون خطواتها بكل ما أوتوا من قوة في دعم الحق والصواب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... كما أننا التمسنا نفس الدعم من بعض الأحزاب التقليدية، حتى المتبنية للمرجعية الإسلامية... ولكن، تبين سريعا أن هؤلاء وأولئك، خيبوا حسن ظننا بهم. لكن لا مجال لفقدان الأمل، ولا نقول فيهم ما قيل في حق فقهاء آخر الزمان: ذلك الخبر المروي عن علي كرم الله وجهه:{ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ وَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ يُسَمَّوْنَ بِهِ وَ هُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهُ مَسَاجِدُهُمْ عَامِرَةٌ وَ هِيَ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى فُقَهَاءُ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَرُّ فُقَهَاءَ تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مِنْهُمْ خَرَجَتِ الْفِتْنَةُ وَ إِلَيْهِمْ تَعُودُ} وفعلا لم يبق من القرآن إلا رسمه، ومن الإسلام إلا اسمه، حيث تم تعطيل وتحنيط الدين / المعاملات والقيم، و تحييد الدين الإسلامي عن سدة الحكم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقضائيا وأخلاقيا... وفتح الباب على مصراعيه للتحكم العلماني في المجتمع المغربي المسلم. وما نسب للإسلام في الدستور، كان مجرد خداع وتحريف مغرض للدين، ترجمه المشرع "دوفيرجي" عبر مقتضيات الدستور اللاييكي الثيوقراطي الحالي، للحيلولة دون محاسبة من بيدهم السلطة، وصنائعهم المقربين. وبعض الناس الآن يسعون إلى تأبيد ذلك التحريف المغرض، غير عابئين بخيانة أمانة النصح لله ولرسوله ولعامة الناس وخاصتهم...
عناصر أساسية لهندسة التغيير:
هندسة التغيير المجتمعي كأي هندسة تقتضي تشخيص واقع الفساد، لاكتشاف منابعه التي ينبغي تجفيفها، وآلياته التي ينبغي تعطيلها، وخلاياه السرطانية التي يجب استئصالها. وتقتضى كذلك، وضع تصور للمجتمع المستقبلي الذي نتطلع لبنائه، على أنقاض حكم الفساد والاستبداد. وتقتضي أيضا التفكير لضبط تدبير المرحلة الانتقالية وإيجاد الوسائل الحائلة دون العنف والعنف المضاد، ودون إجهاض الثورة وسقوط المستقبل مرة أخرى في قبضة المفسدين. هناك دراسات متخصصة أحاطت بمعضلة الفساد والاستبداد من جميع جوانبها. كشفت مظاهرها الميدانية في السلطة التشريعية وفي السلطة التنفيذية وفي السلطة القضائية. وأجابت عن الأسئلة المتعلقة بها: التعريف بالفساد، ما هي أنواعه وأسبابه؟ من هم أهله؟ كيف ومتى وأين يظهر؟ وما هي وسائل العلاج والمقاومة والوقاية؟ ومن تسند له مهمة تتبع الفساد وأهله؟... وغيرها من القضايا التي ترصدها مشكورة تلك الجمعيات الحقوقية المهتمة. والموضوع المقترح، يهدف لبيان بعض الجوانب التي يغفل عنها الدارسون بحكم تكوينهم العلماني، الذي يمنعهم من استحضار العنصر الديني في المعالجة والدراسة والبحث. ومن كانت له سعة في الرؤية، وكان ملما بفقه تدبير الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر، فما عليه إلا أن يساهم برأيه قصد إثراء الموضوع الذي يتهمم له جميع المغاربة في هذا الزمان الثوري المبارك، ومن واجبنا جميعا أن نتهمم للمصير المشترك... " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"
أصل الفساد والاستبداد:
إن مظاهر الكثرة المشوشة في الكون، تغري بالبعد عن المشرع المطلق للقوانين الكونية الطبيعية، والقوانين الشرعية المنزلة على الرسل. فتتسلط على الإنسان تلك الذهنية الفرعونية المستكبرة، التي تزاحم الحق في التشريع، عوض أن يكتفي بإصدار قوانين تطبيقية لقوانين الشريعة، ولقوانين الطبيعة... نعم لقد أفلح الغرب في الشق الأخير من المعادلة. اكتشف العلماء مثلا تلك القوانين التطبيقية لقانون الجاذبية، فاستطاعوا أن يسبحوا في الفضاء، رغم خضوعهم لحكم الجاذبية. لكن العلمانية منعتهم أن يتخذوا نفس السلوك المتواضع مع قوانين الشريعة. بل احتقرتها وعطلتها وزورتها وحرفتها، فخسرت خسرانا مبينا، وخسرنا معها لما اتبعناها في تعطيل أحكام القرآن. وهكذا ظهر الفساد... مصداقا لقوله تعالى{{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}} " الأنبياء : 22". الفساد يكون إذن إذا ما زاحم الإنسان خالقه في وضع موازين القيم السامية والعدل المطلق، لأنه أقرب إلى الكيل بالمكاييل المتعددة، وإلى سن تشريعات معتوهة، تطفو عليها أنانيته وجهله، ثم لا تلبث قليلا حتى تصير كارثية عليه وعلى بيئته ... إذا تواضع الإنسان، ونبذ استكباره وغروره، ولم يهمل هذا الجانب، فإنه سيعثر على كل الأبعاد الزمانية والمكانية، التي تتحقق بها إنسانيته. فيلتزم آنذاك بإصدار أحكام تطبيقية أو تفسيرية لما جاء من قوانين عن طريق الوحي... وينظر بتواضع إلى مقاصد الشرع، ويقارنها بأسمى مدونة للقوانين التي اهتدى إليها العقل الكوني الحكيم المتحضر، فيكتشف استحالة التعارض بين العقل والنقل، شريطة أن يدخل الإنسان بعدا خامسا في مبادئه: ضرورة الحفاظ على الدين، يتمم بها المقاصد الأخرى: الحفاظ على النفس والعرض والمال والعقل . والرسائل السماوية التي تنزلت على الرسل هي التي حددت الموازين الكونية الثابتة لقيم العدل والحرية والكرامة والأخلاق. وما دام الإنسان متمردا متنطعا لا يراعي الأبعاد الخمسة في تشريعاته، فهو قاصر، لا بد من تقويمه بوصاية الشرع، إذا أراد الله به خيرا. وإلا فالتدمير حليفه في الدنيا وله في الآخرة عذاب أليم: عذاب البعد عن الله، كما اختار جحود حاكميته في الدنيا. والخطر، كل الخطر، أن يتولى من كان هذا هو حاله، شيئا من أمر المسلمين... إذ أن سريان آليات الفساد واضحة المعنى في قول الخبير الحكيم تبارك وتعالى: ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205)، يوضح لنا عناصر الإفساد وآلياته: · {تولى} : يفيد سيطرة المفسدين على الحكم؛ · { سعى} : يفيد الإصرار والتربص في الإطار الحركي المنظم للتيار المفسد. وأحد حديثي النعمة بصداقة الملك، وبخدمة الهيكل والأولى أن نقول "النقمة"، عوض "النعمة"، لأنه اشتهر منذ غابر الأزمان، أن من يقربه السلطان، يتعرض لنكبة البرامكة، طال أو قصر الزمان هذا الإنسان المقرب، يتبجح بدون حياء ولا حشمة، أنه هو المنقذ للبلاد والعباد من أحكام القرآن !!! · لوضع آليات الإفساد (التلوث الإيكولوجي الذي يجلب التصحر وإفساد البيئة الطبيعية، والسطو على الملك العام في البر والبحر والجو والغابات والجبال : إهلاك الحرث) · ولتوسيع تلك الآليات لتشمل الإنسان عبر سياسات التفقير والتمييع والتشريع الهادف لتفشي الفاحشة ثم خفظ نسبة الخصوبة ثم العقم ( إهلاك النسل) وذلك مخالفة لقوانين العدل الشمولي التي أنزل الله عبر كلماته الشرعية ( قوانين الشريعة)، وما كشف الله لعقل الإنسان عبر كلماته الكونية التسخيرية ( قوانين الطبيعة). فتوضح بصريح البيان حكم القرآن المستنبط من هذه الآية، ومن شبيهاتها: "ينبغي منع التيار المفسد السفيه، من التحكم في الأموال العامة وفي دواليب السلطة". وليس فقط ما يطالب به البعض من "ضرورة فصل السلطة عن الثروة"...
مرصد لمراقبة التيار المفسد:
غالبا ما يتم انتقاء أعمدة النظام العلماني في الدول الإسلامية من بين الحاملين لفيروس الذهنية المترفة القابلة للفساد والاستبداد. مؤسسات كثيرة تقوم بمهمة التصفية والاختيار لهؤلاء الأشخاص المرضى باستلاب ثقافي مزمن، وبخفوت واضح للضمير، يفضل المصالح على المبادئ. مؤسسات الانتقاء تلك، تنتهي خيوطها إلى عقل مدبر واحد، ينبغي افتراضه إن لم نكن مقتنعين بوجوده. لماذا؟ لوحدة وتشابه مناهج وبرامج التفسيق والإفساد، وتكرارها في كل بلد إسلامي. وأكيد، لا يخفى على النبهاء ذلك التنظيم العالمي المسخر ليكون هيكل الشيطان، وقبلة كبار المتآمرين على القرآن. يُعهد لهؤلاء السدنة أن يؤلفوا حواليهم مساعدين من المحتالين والفساق الصغار، من أبناء جلدتنا، وهم لا يخفون على السلطات وعامة الناس. يكونون شياطين مردة في عمليات الفساد والمكر والسطو. لا حرمة عندهم للدين، ولا للأنفس، ولا لأعراض الناس وكرامتهم، ولا للموارد والأموال العامة أو الخاصة، ولا لذكاء الشعب وعقله... وهي الأركان التي حصنتها الشريعة التي هم بها يستهزئون. إذ لو كان لهم أدنى اعتبار لها، لما سولت لهم أنفسهم أن يتجرؤوا على أعمالهم الإجرامية. لكنهم منطقيون مع أنفسهم: فحكم القرآن عليهم واضح لا لبس فيه. لذلك تراهم في تعاملهم مع كتاب الله، أخس من المعتوه الذي عمد إلى حرقه في فلوريدا، لأنهم يفضلون موقف النفاق تجاهه، ثم تحنيطه وتعطيله قصد الإفلات من حكمه الصارم: {{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}} [المائدة:33] . ولقد فطن بعض دهاتهم إلى تلك الأحكام التي يستحقون عن جدارة، ففضلوا أهونها، وحكموا على أنفسهم بالنفي للنجاة بجلودهم وأموالهم المنهوبة قبل فوات الأوان. وتلك هي الحكمة المعبر عنها في هتافات الشباب وحتى الصبيان: ارحل!!
أي جهاز يعهد له رصد هؤلاء المحتقرين للشريعة في أرض الإسلام؟
يجيب البعض: جهاز المخابرات طبعا! وهو الحق لو كان النظام يطبق قوانين الشرع، ليحمي به حمى الملة والدين والدنيا. لكن، من خلال منجزات هذا الجهاز يمكن استنباط نتيجة بديهية واحدة: إنه هو المستهدف الأول من اختراق كهنة العقل المدبر، والأجهزة المعادية لشريعة القرآن. وهو ما تؤكده وثائق تسليم المهام ( ) ( consign، وشهادات وتسربات من تلك الأجهزة المعادية نفسها. وعليه، لا يحتمل الاعتماد على جهازنا المخترق، بل سيستمر إلى حين في شغله الموجه نحو محاربة الصحوة الإسلامية، وحماية شرذمة المترفين، الذين يسعون في الأرض فسادا. وحالة السجون المكتظة بسجناء التيار الإسلامي خير شاهد على ما نقول. والحقيقة التي هي أدهى وأمر : أن أموال الشعوب الإسلامية تمول أكثر من جهاز مخترق، خادم مطواع لمخططات أعداء الدين. والاختراق تم منذ بداية الاستقلال، عندما تسلمت كل إدارات البلد مهام التسيير من يد المستعمرين. وتم لهم تعيين خلَفِهم بالمواصفات التي أشرنا إليها آنفا. وقد تم ذلك الاختراق ليس فقط في جهاز المخابرات والجيش والداخلية، بل في كل الإدارات والوزارات والمؤسسات المالية والاجتماعية والقضائية والتشريعية والتنفيذية والتعليمية والتربوية... وتمت العلمنة كذلك بواسطة مؤسسات، وقوانين، وبرامج تخترق المكان والزمان، قطعت الطريق على رجوع الشريعة إلي حكم المسلمين، كما كان منذ أن من الله على المغاربة باعتناق الإسلام، إلا ما كان في عهد البرغواطيين. وُضبِط ذلك المسخ في إطار عقود الاستقلال، التي من أهم شروطها اتباع النهج اللاييكي المارق عن الدين، فتم بذلك ما سموه بخندقة الديمقراطية أو ما يطلق عليه بالفرنسية verrouillage de la démocratie. وقد آن الأوان في هذا الظرف الثوري للتفكير في مواجهة جهاز الهدم اللاييكي بجهاز مماثل ومعارض: مماثل له في المخملية الناعمة، لا يتطلب قوة ولا عنفا ولا سلاحا. معارض، هدفه التصدي للذهنية المترفة الفاسدة التي يرتكز عليها هيكل الشيطان في عمله، لتثبيت العلمانية المتمردة على الشريعة. ووسيلته قوة الحجة الدامغة لباطلها. ومشروعيته وجوب مقاومة الفساد، وضرورة الدفاع عن قيم الإسلام الثابتة، وعن حمى الدنيا والدين.
معالم في سبيل الخلاص :
قد يميل البعض للقول إن الخلاص من الفساد لن يتم إلا عبر دستور ينص على أن ديننا هو الإسلام، ويعلن أن الشريعة هي مصدر القوانين. ربما هو كذلك لو كان الحكام صادقين مع الله ومع الشعب، ونبذوا وراءهم فتاوى علماء السوء المحنطين للشرع، والمتزلفين بتحريف الدين، لخدمة أهواء الذهنية الفاسدة المستبدة. هؤلاء يمقتهم الناس ويقيمون لهم الجنائز الرمزية، عساهم ينتبهوا للمصير الذي هم عليه مقبلون: حتمية السفر من القصر إلى القبر. وسواء تظاهر العلماء مع الشباب لكي يكون هذا التنصيص حاضرا ومطبقا في الدستور، أم لم يتظاهروا، فالمغاربة سوف لن يختاروا من الحكام إلا من كان مؤمنا بهذا المبدأ التأسيسي، قادرا على تنصيصه، وتطبيقه، وصيانته، من كل غش أو خيانة للأمانة تجاه البلاد والعباد. يجيب آخرون إنها المؤسسة التي تلزم الحاكم احترام قوانين الشريعة متى كانت منه بادرة التحلل منها أو التحايل عليها. وتلك هي وظيفة مشيخة الإسلام التي قضى عليها الاستعمار. ولقد كان عبر التاريخ أكثر من مشيخة وأكثر من عالم نقي، قال للطاغية اتق الله، فأنزل به أنواع العذاب. ولربما كان لابد من وجود الطرفين تنفيذا لحكمة الله التي اقتضت إشهاد الناس على أهل الفساد والاستبداد، وتكتب الدرجة العليا للعالم الذي أمر بالمعروف ونهى عن منكر العلمانية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله". رواه الحاكم بسند صحيح. ومع ذلك لا مناص من إحياء هذه المؤسسة ولا يهم اسمها إن كانت وظيفتها الافتحاص الشرعي للقوانين، لئلا تتعارض مع قوانين الشريعة وقوانين الطبيعة. نسميها مثلا مجلس الفقهاء والخبراء: كل في مجال تخصصه الفقهاء في الشريعة والخبراء في علوم وفنون العصر. يقول آخرون: إن الجهاز الرادع للفساد، والداعي إلى تطبيق الشرع هو تلك الجماعة التي لا تزال قائمة على الحق لا يضرها من خالفها، كما جاء في الحديث الشريف: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". رواه الحاكم بسند صحيح. وهي الجماعة التي قال عنها تعالى: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وأولئك هم المفلحون ))، "آل عمران؛ 4 ". ويمكن تصورها في الدولة المدنية الحديثة عبر تلك المقتضيات الدستورية الهادفة لضمان حرية التعبير، والتظاهر، وإبداء الرأي، وحق اختيار الحاكم وعزله، وتداول الحكم والثروات. وهي كذلك تلك المؤسسات التي تنظم الحسبة والرقابة على سائر سلطات ومؤسسات الدولة. وفي انتظار بلورة هذه الأفكار في الدستور المنتظر، لا ينبغي أن تفتر الروح الثورية الشبابية التي كان لها الفضل في رفع حالة اليأس والزيف والجمود في الحياة السياسية، وهي كذلك يمكن أن تدخل تحت مفهوم الجماعة الظاهرة على الحق في الفترة الانتقالية الثورية. ونظرا لعمق إفساد دين البرغواطية الجديدة، الذي طال عهد استحواذها على المغرب، ربما سوف لن نتحرر من هيمنتها إلا بتظافر كل الجهود. الجماعة الشبابية هي المعبرة عن مطالب الشعب في التحرر من الفساد والاستبداد. تنتزع حقها في التظاهر والمقاومة السلمية البعيدة عن الفتنة. ويساندها كل المغاربة حكاما ومحكومين، وعلى رأسهم الخبراء في قوانين الطبيعة والشريعة ومقاصدها من حفظ للدين والأنفس والأعراض والأموال والعقول. وتعلن كل الجهات براءتها من دين الفساد والاستبداد، ومن دعاته الدجالين، سدنة هيكل القديسة اللاييكية. والجيش الذي اشتاق للمصالحة مع ربه وشعبه، يكتشف تلك المقاصد السامية، فيكون حاميا لثورة الشعب، وضامنا لتحقيق أهدافها الراشدة. ذلك هو المسار الذي لا يتنكب عنه إلا من اختار تلطيخ يده بدم المسلمين، أو من سفه نفسه، أو من اختلطت عليه الأمور بسبب إعلامنا السمعي البصري السخيف، وسوء أداء الأحزاب الخربة في تأطير الحياة السياسية ... ولربما كان خير تعبير لهذا التظافر: تعاون قوى اليسار الموحد، وقوى الحراك الأمازيغي، وقوى التيار الإسلامي المعارض... وهو عين التنوع الطبيعي البيولوجي والتنوع الثقافي والعقدي الذي هو من قدر الله في خلقه بحسبان. وهو من قبيل كلماته القدرية التي لا دخل لنا فيها، ولا جحود ولا نكران. ولا دخل لنا كذلك في تشريع معيار القيم السامية والعدل المطلق، ذلك تقدير من رفع السماء ووضع الميزان... إنما أُمِرنا أن نقيم الوزن بالقسط وألا نخسر الميزان. وذلك ما سوف نحاسب عليه في الدنيا، قبل يوم العرض عليه، يوم تنشق السماء فتكون وردة كالدهان... {{فبأي آيات ربكما تكذبان}} "من سورة الرحمن". ولربما سأل سائل من سيعارض هذا المشروع العظيم بعدما توضحت الأمور؟ ربما تورطت بعض إدارات القوة العمومية كما شاهدناه هذه الأيام في الوطن العربي الثائر. فإن اختارت التمادي في احتقار الشعب وعاملته بأساليب البلطجة، فلربما عمد الشباب عند الحاجة، إلى تشكيل إدارة مؤقتة بديلة من المتطوعين في المدن والقرى، تشرف على المهام الحيوية التي ساء تدبيرها، أو انسحبت منها الإدارة الحالية، خاصة في مجال الأمن والإعلام والفن وتأمين ضروريات الحياة. وغاية هذا العمل، تفجير قيم التطوع، والتكافل، وإطعام الطعام، والفرح بالناس، في الميادين العامة وعبر الأحياء الثائرة. وأعراس الحرية والكرامة في بدايتها.
هندسة التغيير عبر وصايا عشر:
مجمل القول : هندسة التغيير المجتمعي الآمن تقتضي الاطلاع والاستفادة من هذه الوصايا العشر:
· ضرورة رعاية ثورة الشباب ودعمها ماديا ومعنويا وعلميا لأنها المحرك اللازم للتغيير نحو الأفضل؛ · ضرورة احترام رأي الشباب في طريقة وضع دستور جديد عوض الدستور المفروض من سدنة الهيكل المتمرد على أحكام القرآن. · التذكير بأصل الفساد والاستبداد وربطه بتعطيل وتحنيط الدين / المعاملات والقيم، و تحييده عن سدة الحكم أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقضائيا وتعليميا وتربويا وأخلاقيا. وما نسب للإسلام في الدستور الحالي، كان مجرد خدعة ثيوقراطية، ابتدعها دوفيرجي وتلامذته. · التذكير بضرورة تضافر الجهود من خلال كلمات الله الكونية الطبيعة، مع كلماته الشرعية، وكلماته القدرية، لمقاومة الفساد والاستبداد، وذلك قصد توسيع دائرة التحالفات من أجل التغيير المنشود. · وجوب التنصيص في الدستور الجديد، على أن الموازين القرآنية هي مصدر جميع القوانين والقرارات الأمنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها، ويجب أن تكون هذه المادة نافذة على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى إطلاقاً وعموماً. كما نصت عليه مواد دساتير إخواننا العجم في المشرق... · دسترة وتأسيس مجلس من الخبراء والفقهاء لافتحاص كل القوانين، وردها إلى أحكام القرآن والحكمة الكونية المتعارف عليها، وقد أمرنا الشرع أن نأخذ الحكمة حيث وجدناها في كل ما سكتت عنه أحكام الشريعة... · دسترة وتعزيز عمل المراصد الحقوقية المراقبة للتيار المفسد، والعمل على إفشال عمله البلطجي المضاد للتغيير؛ · تأسيس المؤسسات وسن القوانين التي تتولى صيانة سيادة الشعب وحقوقه الكونية في حرية الرأي والتظاهر والإعلام الملتزم واختيار وعزل المسؤولين، وتقنين التداول على الحكم والثروات، والرقابة على جميع السلطات... · والجيش الذي اشتاق للمصالحة مع ربه وشعبه، يكتشف تلك المقاصد السامية فيكون حاميا للثورة وضامنا لتحقيق أهدافها الراشدة... · إدارات الأمن الشعبي، والوقاية المدنية، تحافظ على سلامة المواطنين في مسيراتهم وتظاهراتهم السلمية. فإن اختارت التمادي في احتقار الشعب، وعاملته بأساليب البلطجة ، فلربما عمد الشباب عند الحاجة، إلى تشكيل إدارة مؤقتة من المتطوعين في المدن والقرى، تشرف على المهام الحيوية التي ساء تدبيرها، أو انسحبت منها الإدارة الحالية، خاصة في مجال الأمن والإعلام والفن وتأمين ضروريات الحياة. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، نستغفره ونتوب إليه.