بَيْنَ الحزبين الأَوَّلَّيْن في المغرب وتركيا قاسمان مشتركان : الإسم " حزب العدالة والتنمية " ، و المرجعية " إسلامية . " لكن السؤال عن كليهما ، هو كيف يعبران عن مرجعيتهما ؟ و كيف يدبران مفهومي العدالة و التنمية في بلديهما ؟ وبالجواب عن ذلك بناء على التجربة التركية ، قد نستشف مغزى وصف هذه الحقبة من تاريخ تركيا " بالظاهرة الأردوغانية " ، نسبة إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي حَلَّ بالمغرب في مطلع هذا الأسبوع . و مما يدل على أهمية هذه الزيارة بالنسبة إلى العلاقات المغربية التركية ، هو اصطحاب أردوغان لما يناهز 300 رجل أعمال تركي ، يمثلون شركات تصنيع وتصدير منتجات في قطاعات مختلفة بتركيا. كما ستعرف هاته الزيارة لقاءات هامة مع المسؤولين المغاربة ، وخاصة رئيس الحكومة المغربي عبد الإله بنكيران . وإلى هذا ، فإنها تندرج في سياق بلورة ما تم تحقيقه من تقدم ملموس في العلاقات بين البلدين ، في مختلف المجالات ، و لا سيما في هاته الفترة التي شهدت صعود حزب العدالة و التنمية في المغرب لقيادة الحكومة ، مما جعل الكثير من الباحثين والمحللين يعقدون مقارنة بين حزبي العدالة والتنمية المغربي والتركي ، نظرا إلى التقارب الإيديولوجي في مرجعيتهما الإسلامية . فما مدى مصداقية هذه المقارنة ؟ و هل بمقدور بنكيران تحقيق ما حققه أردوغان في تركيا ؟ لقد مرت تركيا بظروف سياسية واقتصادية عصيبة قبل تولي حزب العدالة والتنمية سدة الحكم . فعلى المستوى السياسي ، واجهت الأحزاب الإسلامية التركية صراعا شديدا مع الأحزاب القومية والعلمانية التي كانت تحتكر المشهد السياسي التركي ؛ فَمِن تأسيس حزب إسلامي ، وتغيير إسمه ، وحظره ، إلى اعتقال زعمائه ؛ هذا إلى جانب سيطرة المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة في تركيا. بَيْد أن كل ذلك لم يَحُل دون تَمَكُّن حزب العدالة والتنمية من الحكم في تركيا وتحقيق الاستقرار السياسي المنشود . أما على المستوى الاقتصادي ، فلا يخفى ما قام به حزب العدالة والتنمية في سبيل النهوض بالاقتصاد التركي ، خلال فترة حكمه منذ عام 2002 وحتى الآن ، ولا أدل على ذلك من الطفرة الاقتصادية التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة ، والتي فاقت معدلاتها الاقتصادية كل ما حققته الحكومات التركية في فترة الجمهورية منذ عام 1923 ، و هو ما أفضى إلى وصف هذه الحقبة التاريخية " بالظاهرة الأردوغانية ". تلك إذن بعض ملامح التجربة التركية في عهد حزب العدالة والتنمية . و إذا ما انتقلنا إلى حزب العدالة و التنمية المغربي ، أمكننا أن نرصد بعض أوجه المقارنة بينه و بين نظيره التركي ، ولاسيما من حيث أسباب و ظروف تأسيس الحزبين . و هنا لابد من الإشارة إلى العوائق البنيوية والسياسية التي واكبت تأسيس حزب العدالة والتنمية المغربي ، والتي تعود إلى طبيعة النسق السياسي المغربي الذي تستأثر فيه المؤسسة الملكية بالشرعية الدينية ، وكذا العوائق التنظيمية التي اعترضت حركة الإصلاح والتجديد من أجل تأسيس حزب سياسي ، حيث لم تجد بُداً من الانخراط في حزب الدكتور عبد الكريم الخطيب، إلى أن أنشأت حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية الحالية. أما على المستوى الإقتصادي ، فقد تولى حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة المغربية ، في فترة أزمة اقتصادية عالمية أثرت سلبا في الاقتصاد الوطني، مما يصعب معه قياس الإنجازات الاقتصادية و الاجتماعية لحزب العدالة التنمية المغربي ، و إن كان قد بدت تلوح في الأفق مؤشرات عملية لإجراء إصلاحات عميقة في البلد ، ابتدأت بمحاولة تغيير الثقافة السياسية في المغرب ، بدسترة و أجرأة مفهوم الحكامة و تخصيص وزارة لها، و الكشف عن بعض ملفات الفساد و الريع، و كذا التطور الحاصل في مجال التواصل بين الوزراء و المواطنين . كل ذلك إن دل على شيء ، فإنما يدل على إرادة حزب العدالة و التنمية المغربي في سبيل الإصلاح و النمو ، في انتظار فسح المجال أمام المصباح من أجل ترجمة فعلية لسياسة الحزب على أرض الواقع ، و لكن يبدو من المعطيات السياسية الراهنة ، أن على بنكيران العمل بنَفَس أعمق و أشق ، لمواجهة جيوب مقاومة الإصلاح ، أو ما دَرَجَ على تسميته " التماسيح و العفاريت " ، من أجل أن يكون حزبه إسما على مسمى العدالة والتنمية في المغرب ، على غرار ما بلغه نظيره التركي من عدالة اجتماعية و تنمية اقتصادية. * سكرتير عام للتحرير بجريدة أقلام الغد