تشكل الزيارة التي يقوم بها الوزير الأول التركي طيب رجب أردوغان إلى المنطقة المغاربية، والتي سيبدؤها من المغرب، الحدث البارز خلال هذا الأسبوع، إذ شغلت العديد من المتتبعين والمحللين، والمسؤولين المغاربيين الذين يسعون إلى الاستفادة من هذه الزيارة على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي. بلاغ رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي أعلن عن أن الزيارة الرسمية لنظيره التركي الذي سيمكث بالمغرب يومين انطلاقا من يومه الاثنين، لم يتطرق إلى تفاصيل وبرنامج الزيارة، إذ تحدث فقط على أن الزيارة ستعرف مباحثات بين بنكيران وأردوغان حول «سبل دعم علاقات الصداقة التي تجمع بين البلدين وتعزيز التعاون الثنائي على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي. كما سيجري أعضاء الوفد التركي مباحثات مع نظرائهم المغاربة»، وأشار إلى أن أردوغان يرافقه وفد هام من أعضاء الحكومة التركية ورجال الأعمال في إطار جولة تقوده لدول المغرب العربي، وفي غياب تفاصيل كبيرة عن الزيارة هناك تصريحات صحافية لمسؤول حزبي للعدالة والتنمية، يؤكد فيها أن هناك رجال أعمال مرافقين للوزير الأول التركي يمثلون 300 مقاولة، كما كشف عن أن هناك منتدى للأعمال التركي المغربي سينعقد خلال الزيارة، وأن المغرب وتركيا تتطلعان إلى رفع الاستثمارات التركية في المغرب مع نهاية ولاية الحكومة الحالية إلى 3 مليارات دولار. ما يميز زيارة أردوغان للمغرب هو العلاقات القوية التي تربط بين حزب العدالة والتنمية التركي، الذي له مرجعية إسلامية ويحمل نفس اسم حزب العدالة والتنمية المغربي الذي وصل إلى الحكم خلال انتخابات 25 يناير 2011، غير أنه بالرغم من تشابه الأسماء والمنطلقات فهناك اختلاف بين الحزبين، إذ أن الحزب التركي استطاع الوصول إلى الحكم في ظرف وجيز بعد تأسيسه وبعد حصوله على الأغلبية المطلقة وراهن على القطاع الاقتصادي ونجح في ذلك، بينما حزب العدالة والتنمية المغربي ما زال في أولى خطواته يتخبط في عدد من المشاكل داخل ائتلاف حكومي يتسم بالهشاشة، سيما بعد الصراعات التي يعرفها مع حليفه حزب الاستقلال الذي اتخذ قرار الانسحاب من الحكومة. وتأتي هذه الزيارة في ظرف دقيق « لتدعم مسار الإصلاح، الذي انتهجه المغرب في ظل معادلة الإصلاح من داخل الاستقرار وهي شبيه بما حدث في تركيا قبل سنوات»، إضافة إلى أنه من المنتظر أن « تضع لبنة أخرى في صرح بناء شراكة استراتيجية سياسية واقتصادية بين المغرب وتركيا»، وفق ما أكده الباحث في العلاقات المغربية التركي، إدريس بوانو، في حديثه ل«المساء» . الحزب الذي يقود الحكومة بالمغرب سعى إلى توظيف علاقته بنظيره التركي، إذ سعت حكومة عبد الإله بنكيران إلى تعزيز التعاون ما بين تركيا والمغرب، من خلال تكثيف التواصل بين البلدين، إذ أن بلاد الأتراك كانت من المحطات الأولى لوزير الشؤون الخارجية والتعاون سعد الدين العثماني، بعد تقلده المسؤولية، وهي الزيارة التي حظي فيها باستقبال من لدن رئيس الدولة عبد الله غول وكذا الوزير الأول التركي طيب رجب أردوغان وعدد من المسؤولين، توجت بتوقيع اتفاقيتين حول إنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة المغربية التركية والتعاون الديبلوماسي بين البلدين. زيارة العثماني، الذي قام بأول زيارة رسمية لوزير خارجية مغربي منذ 25 سنة، جاءت سنة بعد انعقاد أشغال الدورة التاسعة للجنة الاقتصادية المشتركة المغربية التركية بالرباط، والتي كانت تهدف إلى «مضاعفة الجهود سواء على المستوى الحكومي، أو القطاع الخاص لتطوير التجارة على أساس المنفعة المتبادلة، وبث الدينامية في الاستثمار بين البلدين» وفق تصريحات المسؤولين آنذاك، خصوصا أنه بالرغم من دخول اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا حيز التطبيق خلال سنة 2006، إلا أن حجم الاستثمارات التركية بالمغرب ظلت لا تساير الطموحات المنتظرة، إذ لا تصل إلى نسبة 0،5 في المائة من حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفق إحصائيات رسمية لسنة 2011. الجولة التي يقوم بها زعيم «أحفاد الدولة العثمانية» إلى المغرب تظل محط اهتمام رسمي على اعتبار أن هذا البلد يعتبر نموذجا للدول الإسلامية والعربية التي ترغب في الارتقاء والنمو، إذ استطاع إسلاميو «تركيا» بعد وصولهم إلى الحكم أن يحققوا نموا اقتصاديا سريعا حتى أضحت تركيا أنموذجا للبلدان النامية التي تسعى إلى النمو والتقدم والرقي بوضعها الاقتصادي، حيث إن تركيا تطمح إلى أن تصبح القوة الاقتصادية السادسة أوربيا بحلول عام 2020، وإلى جانب الاهتمام الرسمي فإن هذا البلد يحظى باهتمام الشعوب في الوطن العربي، بسبب مواقفه الداعمة للقضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكمثال على ذلك الموقف القوي لتركيا من الاعتداء الإسرائيلي على سفينة (مرمرة) التي كانت في طريقها لفك الحصار عن قطاع غزة، والذي دفع قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى تقديم اعتذار عن استهدافها السفينة، وهذا ما جعل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، تقرر منح رجب طيب أردوغان دكتوراه فخرية بمناسبة زيارته الرسمية للمغرب، بسبب «المكانة الهامة التي يتمتع بها أردوغان على الصعيد العالمى والحضور البارز لتركيا، تحت قيادته، على الساحة الدولية، إضافة إلى مواقفه التاريخية من القضية الفلسطينية»، حسب تصريح صحافي لعميد الكلية.