خلق الانبهار بحزب العدالة والتنمية التركي الذي تمكن من تحقيق طفرة اقتصادية وسياسية، جعلت الرجل المريض في عهد الإمبراطورية العثمانية يتحول إلى قوة إقليمية، نوعا من التساؤل لدى الشارع المغربي، حول ما إذا كان حزب المصباح المغربي قادرا على استنساخ نفس التجربة، وهي التساؤلات التي أكد عدد من المحللين أنها لا تستند على أسس واقعية وموضوعية، مؤكدين أنه من الصعب على حزب بنكيران أن يستلهم النموذج التركي، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي. عثمان كاير أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية المحمدية، أكد أنه لا يمكن الحديث عن علاقة مترابطة بين الحزبين، فعلى عكس ما يروج له البعض فإن نجاح تجربة الحزب التركي ليست مرتبطة بطبيعته الإسلامية، لكون الطفرة الاقتصادية التي حققتها تركيا بنيت بالأساس على إقرار ديمقراطية فعلية، وحرية اقتصادية، ولم تكن لها علاقة ببرنامج إسلامي حتى نتحدث عن إمكانية استنساخ التجربة التركية من طرف حزب العدالة والتنمية المغربي. وقال كاير إنه حتى ولو رغب البعض في ذلك فإنه لن يفيد، لكون النموذج التركي مبنيا بالأساس على التصدير، حيث ركز الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة على خلق صناعة تصديرية قوية، فمعظم السلع التركية هي عبارة عن علامات تجارية ومنتجات موجهة للتصدير، ما يجعل الجانب التركي هو الرابح في المعاملات الاقتصادية، علما أن الأتراك يعملون أيضا في قطاع الأشغال العمومية في عدد من الدول ومن بينها المغرب، وهو قطاع غير منتج لمناصب الشغل، ورغم ذلك يحرصون على جلب عمالة تركية في المشاريع التي ينفذونها. واعتبر كاير أن هذه العوامل مجتمعة تحد من التأثير الاقتصادي الإيجابي للعلاقات بين المغرب وتركيا التي سعت من خلال سفيرها بالرباط إلى تشغيل يد عاملة تركية في مصنع رونو بطنجة خلال انطلاقه بأجور متدنية وهو العرض الذي رفضه المغرب. وربط كاير صعوبة الاقتداء بالنموذج التركي بالنظام الانتخابي الذي سمح لحزب العدالة والتنمية التركي بالحصول على أغلبية كافية لتنزيل برنامجه، وهو ما مهد له الطريق لتصفية الشوائب التي كانت تحول دون تحقيق إصلاح حقيقي، حيث سمحت له أغلبيته المريحة بالعمل، في حين أن التجربة المغربية أسفرت عن أغلبية هشة جعلت هامش التحرك أمام حزب العدالة والتنمية المغربي محدودا للغاية ، وهو ما انعكس أيضا على تحقيق أهم عاملين يتحكمان في تحقيق الإقلاع الاقتصادي، وهما إقرار إصلاحات تشريعية ومؤسساتية عميقة من أجل توسيع مجال الحرية الاقتصادية، والقضاء على مظاهر الريع وتركيز الثروة بما فيه التركيز الجغرافي، ثم ثانيا الحصول على الدعم الاقتصادي الخارجي وهو ما تحقق مع كوريا الجنوبية وتركيا، وما يتحقق مع المغرب بصعوبة. فتركيا التي كانت قبل عقد من الزمن مجرد دولة عادية تقاوم مؤشرات الفقر والأمية بإمكانيات محدودة، استفادت بشكل كبير من المساعدة الأروبية والأمريكية، وهي مساعدات ترتبط بدورها بسياسات طويلة الأمد، تتعلق بضمان توازن القوى على المستوى الإقليمي، وكذا ضمان المصالح الإستراتيجية للقوى الغربية، كما استفادت تركيا من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية التي مهدت لحزب العدالة والتنمية الطريق من أجل تقليم أظافر الجيش الذي كان يعد الحاكم الفعلي، قبل أن يتم وضع قطار الديمقراطية على سكته. إلى ذلك أكد كاير أن ميزان الاستفادة الاقتصادية في العلاقات المغربية التركية مختل لصالح الأتراك، وهو ما سيسعى اردوغان إلى تعميقه من خلال زيارته للمغرب، وقال إن المسؤولية في ذلك يتحملها المغرب الذي لا يملك تصورا لما يمكن أن يستفيد منه من علاقته مع تركيا التي تعد إلى الآن الرابح الوحيد من الاتفاقيات التجارية، التي رغم أنها تمنح الأفضلية للمغرب، إلا أن تركيا عرفت كيف توظفها لتحقيق مكاسب مهمة من خلال بنيتها الاقتصادية التي تسعى إلى إغراق دول المنطقة بالسلع والمنتجات، وقال كاير إن العجز الذي نكرسه في علاقتنا مع تركيا هو نفسه الذي نتعامل به مع عدد من الشركاء بمن فيهم الاتحاد الأوروبي نتيجة غياب بنية اقتصادية تصديرية تضمن نوعا من التوازن. أما من الناحية السياسية، فأكد المحلل السياسي وأستاذ التعليم العالي، عبادي إدريس، أن حزب العدالة التنمية سيسعى جاهدا للاستفادة من الخبرة التي راكمها نظيره التركي والذي يعد تجربة قديمة وناجحة، خاصة على مستوى تدبير الشأن المحلي بحكم أنه شكل نقطة الانطلاق الحقيقة للحزب التركي، قبل توليه تدبير الشأن الحكومي، مشيرا إلى أن الفوارق بين نظام الحكم في تركيا والمغرب يجعل من الصعب استنساخ التجربة التركية، لذا سيكون شكل التعاون والاستفادة محصورا على تجربة التدبير المحلي، وكذا تطوير براغماتية الحزب المغربي في أفق تركيزه على التنمية الاقتصادية، وتفادي السقوط في الشعارات لإرضاء الشارع العام. وقال عبادي إن الحزب التركي يعد أول تجربة لحزب حكومي، في تدبير الشأن العام بطريقة ديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع، وبطريقة سلمية شأنه في ذلك شأن حزب المصباح المغربي في حين أن معظم الأحزاب الإسلامية في عدد من الدول العربية وصلت عن طريق ثورات بعضها اتخذ طابعا عنيفا. وأشار عبادي إلى وجود تشابه في عدد من المنطلقات بين حزب العدالة والتنمية المغربي ونظيره التركي، ومنها غلبة البراغماتية على المرجعية الإسلامية، وهو ما جعل كلا الحزبين يتوفران على قاعدة انتخابية لا تضم المحافظين فقط بل أيضا الليبراليين. وقال عبادي إن الحزب التركي عمد في بداية تجربته إلى تفادي خلق تخوف لدى الشارع العام، وحاول طمأنة الاقتصاديين والمحافظة على توصيات البنك الدولي، كما تجنب خلق معارك ترتبط بالدين، ومنها عدم الخوض في مسألة الحجاب، وأشار عبادي إلى أن تركيا لا تملك من المرجعية الإسلامية إلا الاسم، حيث كان تركيز الحزب التركي هو العمل على تنمية الاقتصاد حتى ولو تطلب ذلك اتخاذ قرارات لاشعبية مستعينا بالتجربة الهندية والبرازيلية والصينية، وهو ما جعل تركيا تحتل الرتبة 16 عالميا من الناحية الاقتصادية. واعتبر عبادي أن نجاح الحزب التركي من الناحية السياسية يعود إلى تركيزه في التدبير على تغليب الحكامة الاقتصادية على الحكامة الاجتماعية، وهو الفرق الحاصل بينه وبين حزب العدالة والتنمية المغربي الذي يركز على الجانب الاجتماعي تحت ضغط الهاجس الانتخابي.