تلتئم هذا الأسبوع، بكلية الحقوق بفاس،ندوة علمية حول "دولة الحق و التحولات السياسية و الاجتماعية بدول المنطقة العربية"،مناسبة لاشك انها فرصة للتفكير في سياقات و مآلات الحراك الإقليمي الذي شهده عام 2011،كدينامية تاريخية في حاجة الى الفهم و التحليل و النقد0 وفي نهاية الأسبوع الماضي،نظم المعهد المغربي للعلاقات الدوليةندوة دولية في موضوع"واقع الربيع العربي و آفاقه".ثمة إذن طلب مؤكد على قراءة هذا الحراك و تفكيك الكثير من الإشكالات المرتبطة به. ولعل عتبة هذا التفكير ،تتعلق بالتسمية الإعلامية الدارجة و المتداولة:"الربيع العربي".إن سريان هذا التوصيف ،ذي المرجعية الإعلامية الغربية ،يؤشر بدءاً على طبيعة هذا الحراك،و على العلاقة الملتبسة بينه و بين العقل العربي،و إطاراته المفاهيمية و التحليلية؛بمعنى أن استعارة "العنوان الحركي"لما حدث ،من الصحافة الفرنسية أو الأوربية،هو أول دليل،على عجز بينٍ للفكر العربي في إنتاج المقولات المطابقة لما جرى،لكن المؤكد كذلك أن حجم الحراك ،و إمتداداته،لم تكن بأي حال من الأحوال،جزء من الإنتظارات القريبة لا للشعوب و لا لنخبها،لذلك شكلت طبيعة هذه الديناميات الإحتجاجية و السياسية،تحديا للتمثلات السائدة لأنماط التغيير الإجتماعي الجدري المعتادة ،و هذا ما جعل جزء من النقاش ينصب حول تكييفها النظري ؛هل هي ثورات؟أم انتفاضات،أم مجرد هبات؟ إلى حدود اليوم،الأكيد أن عدد العناوين الصادرة في موضوع رصد و قراءة هذا "الربيع العربي"،من طرف كتاب و باحثين أجانب،و بلغات أجنبية(الفرنسية أساساً)،يبقى أكبر بكثير من مما انتجته المكتبة العربية. من جهة أخرى لابد من الإشارة الى أن المنجز الفكري العربي،في علاقة بهذا الموضوع ،قد بدأ لتوه،في تجاوز "اللحظة الإحتفالية" التي شكلت عنواناً للكتابات التي انخرطت في الإشتغال الفكري على الحراك السياسي و الإجتماعي،تحت حمأة الدهشة الأولى أمام زلزال السقوط المدويٍ للنظامين الإستبدادين التونسي و المصري ،ثم الليبي بعد ذلك،(نمودج مؤلف الكاتب اللبناني علي حرب الموسوم ب" ثورات القوة الناعمة في العالم العربي نحو تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات"). نبرة الاحتفال والتفاؤل،ستترك المكان لمساءلات أكثر حذراً ، اتجهت بعضها لطرح الإشكالية التي لا تخلو من إثارة ؛ألا و هي لماذا لم تسفر الثورات عن إقامة حكومات ديمقراطية؟و لماذا لم يعوض الإستبداد بحالة من الديمقراطية و إحترام الحريات ،و تقدم المرأة؟ في هذا الورش الفكري ،يحضر بقوة باحثون و مفكرون مغاربة، لقد سبق للاستاذ محمد سبيلا أن خص جريدة أخبار اليوم،بنص مطول،نشر مسلسلاً،ضمنه قراءته الفلسفية للحراك العربي و لخلفياته الثقافية و الاجتماعية و السياسية،من جهته أصدر الأستاذ عبد الإله بلقزيز مؤلفا حول "ثورات وخيبات، في التغيير الذي لم يكتمل"(تقديم المناضل/المنظر ذ. محمد الحبيب طالب)جمع من خلاله مقالات و دراسات كتبت تباعاً تفاعلاً مع تحولات الربيع العربي ،تفائلا و تشاؤما،صعودا و نزولا.أما مساهمة الأستاذ كمال عبد اللطيف فقد جاءت في صيغة كتاب هام حول " الثورات العربية:تحديات جديدة و معارك مرتقبة"،من جهته أصدر الأستاذ محمد نورالدين أفاية مؤلفاً موسوما بعنوان :"الديمقراطية المنقوصة:في ممكنات الخروج من التسلطية و عوائقه"،طرح خلاله أسئلته الحارقة و العميقة حول الثورة التي أسقطت الاستبداد ،و لم تلد الديمقراطية . إن التفكير في "الربيع العربي"،ضرورة عملية و سياسية ،قبل أن يكون تمرينا نظريا خالصاً.ثمة حاجة لاستيعاب ما وقع،لفهم أسبابه العميقة،لقراءة إنكساراته و خيباته و أوهامه، و تحليل فاعلوه في الداخل كما في الخارج ،و رصد آفاقه بين تحكم القوى الأصولية القادمة على ظهر صناديق الإقتراع،و أفول التعبيرات الشبابية التي قادته و صنعته،و حسابات المصالح الأجنبية. مضامين المساهمات الفكرية و الفلسفية و النظرية للباحثين المذكورين و لغيرهم ،تحتاج الى قراءات متعددة ،بحثاً عن جواب ممكن عن السؤال الكبير:ما الذي حدث عام 2011؟ عموما العناوين تقدم لنا مذاقاً أوليا:لقد انتقلنا من شعرية"الربيع" و أسطورة "الشعب يريد"،الى "نثر" :التغيير غير المكتمل،الديمقراطية المنقوصة،الخيبات،المعارك المرتقبة ... مرحباً إذن ،بالخريف العربي، القادم بقوة !