إلى أين تسير الحركة الأمازيغية حاليا في المغرب؟ ما الذي يحدث داخل نبضات هذه الحركة؟ هل يدري الفاعل و المناضل الامازيغي المكتوي بنار النضال من اجل تحرر الإنسان و الأرض من قبضة الاستعمار، الذي أحدث جروحا غائرة في الجسد الامازيغي، و جعل "الحكرة" و الذل والمهانة تسير في عروقه، ليسقط أرضا خاضعا راكعا لا حول و لا قوة له، أن القضية التي يناضل عليها هي قضية عميقة ومعقدة مرتبطة بالدرجة الأولى بالتحرير وكسر القيود، واستعادة الثروة والسلطة المغتصبتين. "" لقد دخلت الحركة الأمازيغية مؤخرا منعطفا خطيرا وحساسا في جميع المستويات، لا سيما في طبيعة علاقتها بالمخزن، لعدة أسباب وعوامل، فيها ما هو داخلي وخارجي، لأن النضال من أجل تحقيق مطالب ايمازغن بدأ يخطو خطوات حاسمة في عدد من دول شمال إفريقيا التي تحكمها أنظمة عروبية استبدادية تتقاطع كليا مع الخطاب الامازيغي، وهي أنظمة تستعبد فيها الأقلية الأغلبية التي يمثلها الشعب الامازيغي بالأرض والتاريخ والمجتمع. وقد بدأ الأمر بشكل واضح مع الشعب الطوارقي الصامد. ونشير إلى أن الإلتفاتة الإعلامية التي حظي بها هذا الشعب مؤخرا جعل العالم يتعرف بمرارة عن معاناته واضطهاده بل أيضا عن صموده ومقاومته الصلبة والجسارة. نضيف كذلك أن تحركات أمازيغ ليبيا وبداية ظهور أمازيغ تونس وموريطانيا إلى الواجهة ومحاولة خلق تنظيمات تعبر عن وجودهم أولا ثم عن همومهم، وبالتالي الالتحاق ثانيا إلى ركب النضال الامازيغي في الجزائر والمغرب ثم في العالم. هكذا ويتضح لنا أن الأمازيغية عكس ما يتصوره البعض هي خطاب لا يسعى فقط أصحابه الاهتمام ونفض الغبار عن الأشكال الرمزية للثقافة الأمازيغية في المتاحف العتيقة والمهترئة التي تمتلكها هذه الأنظمة العسكرية التي لا تول أية أهمية للفن والثقافة، أو عرض رقصات أحواش واحيدوس وتنظيم سهرات من أجل ذلك أو نظم الشعر باللغة الأمازيغية ...بالرغم من وعينا بأهمية ذلك في الحفاظ على الثقافة واللغة الامازيغيتين . وإنما الأمازيغية اليوم هي أبعد من ذلك بكثير وبكثير، هي قضية شمولية. ونظرا لما آلت إليه الأوضاع في المغرب والأزمة المفتوحة التي تعيش البلاد على إيقاعاتها منذ عقود، ولجوء المخزن إلى أساليبه المعهودة الجديدة والقديمة في الحكم والضبط ومراقبة كل الحركات التي يفرزها المجتمع من أجل التغيير نحو الأفضل، فلا بد لنا من مواكبة نضالات الحركة الأمازيغية في شموليتها لأنها جزء من هذا المجتمع، ولأن هذه المواكبة أيضا هي جزء من النضال والدفاع عن حرمة القيم و المبادئ النبيلة التي يتأسس وينبني عليها أي فكر أو نضال، فالسكوت والتزام الصمت وترك المفسدين والانتهازيين والوصوليين ينخرون البناء الامازيغي من الداخل في تحالفهم مع المخزن وأذياله، هو بطريقة أو بأخرى الانخراط والمشاركة في هذا الهدم الذي بدأ منذ زمان، ولو بشكل غير مباشر أو بدون وعي. نعود ونشد انتباه الفاعل و المناضل الامازيغي إلى أن الحركة الأمازيغية اليوم مستهدفة أكثر من أي وقت مضى، من قبل المخزن أولا ثم بالخصوم و الأعداء السياسيين الذين يهيمنون على المشهد السياسي وعلى جميع مؤسسات الدولة، لهذا سنعمل على رصد أوجه هذا الهجوم و ملامحه حتى نكون على بينة بما يحاك ضد ايمازغن في المغرب، ونجمل ذلك في خمسة نقط: يان: اعتقال مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية في أهم المواقع الجامعية التي يهيمن عليها الخطاب الامازيغي كالراشدية و مكناس....، فهم معتقلين سياسيين لا شك في ذلك، رغم محاولة الدولة وبعض أتباعها إلى جعل ملفهم بعيدا عن تلك الحمولة، هم معتقلون مقتنعون بفكر وقضية والمخزن يدري هذا جيدا، وبسبب ذلك حرموا من أبسط شروط المحاكمة العادلة. ويعلم الجميع دور الجامعة في تحريك المجتمع وإنتاج أفكار نظرية وسياسية تلقي بثقلها خارج أسوار الجامعة، فهذه الأخيرة هي مرآة المجتمع، فانتشار الخطاب الأمازيغي في صفوف الطلاب ليس من قبيل الصدفة ولا بسبب وجود الفراغ داخل الساحة الجامعية كما تذهب بعض التحليلات المحدودة النظر. سين : حل وإبطال الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي من طرف وزارة الداخلية، بمبررات واهية خارجة عن القانون الذي وضعته الوزارة نفسها في شأن الأحزاب السياسية، وهي سابقة في تاريخ المغرب أن يحل حزبا بهذه الطريقة، حزب نجح مؤسسوه وبصعوبة كبيرة تطبيق القانون المجحف الذي وضعته الدولة قصد مواجهة و التصدي لمثل هذه الأحزاب، ولكن هذه الأخيرة استشعرت الخطر من هذه المبادرة التي تجاوزت منطق الدولة في تعاملها مع القضية الأمازيغية كقضية ثقافية بامتياز. وبالتالي حكمت الدولة على الامازيغ الخضوع وتبعية الأحزاب العروبية المقيتة التي عبر الشعب المغربي عن رفضه القاطع لها. فليس من حق ايمازغن ممارسة ابسط حقوقهم في التنظيم والتعبير عن قناعاتهم السياسية و استلهام أعرافهم و مؤسساتهم بدعوى العنصرية و إثارة العرقية في البلاد. كراض: لكن ما الذي تقترحه الدولة مقابل اعتقال الطلبة ومنع وحل الحزب؟ أول ما قام به المخزن هو محاولة تصنيف مناضلي الحركة الأمازيغية الذين لا يقبلون المساومة في مبادئهم و لا يعرضون رصيدهم النضالي للبيع في أروقة الصالونات المخزنية، وثانيا التقرب من بعض الجمعيات وفتح صنابير الدعم والهبات المالية لها، لتمويه الرأي العام الوطني والدولي على أن حرية التعبير في أمان وسلام في أجمل بلد في العالم، منها جمعيات معروفة بمواقفها داخل الحركة الأمازيغية تتوفر على أموال طائلة وتغازل عباس الفاسي في عز هجومه على الأمازيغية بقانونه التخريبي والنظام المخزني وهي تنتمي إلى الأوساط المحافظة، ومنها جمعيات قد تبدو للبعض أنها "راديكالية" بفعل تشدقها بشعارات الديموقراطية و الاستقلالية، وهي تعتبر نفسها أنها تمثل اليسار داخل الحركة الأمازيغية، فعلا الأمر كذلك ولكن يسار حركة "فؤاد عالي الهمة" كما سرح أحد الماركسيين القدماء الذي انسل إلى الحركة الأمازيغية بحكم انتمائه إلى منطقة الريف، وأصبح يتحكم في خيوط هذه الجمعيات بفعل تروثه المالية ونفوذه في جهاز المخزن الجديد و يسار "أحمد حرزني" ... وآخرون. إذن الأمر معقد فالمخزن أحاط بالحركة الأمازيغية من كل الجهات، من جهة المحافظين ومن" جهة الراديكاليين المستقليين". كوز: لا يكتفي المخزن باختراق الجمعيات الأمازيغية واستعمالها كدروع تخدم اجندته الإستراتيجية، وإنما اخترق كذلك حتى الخطاب الامازيغي، من خلال استعمال الثقافة واللغة الأمازيغيتين كبضعة في المهرجانات تساهم في تمييع وتنميط وعي المجتمع بهمومه ومشاكله، لذلك نرى الدولة ومؤسساتها الاقتصادية التي تنهب ثروات البلاد تتحمس لتنظم مهرجانات تصرف عليها مبالغ خيالية، منها ما تسهر بعض الجمعيات الأمازيغية في تنظيمها ومنها ما يسهر عليها وزراء و أعيان محلييون، وتستخدم فيها الأمازيغية شر استعمال لمواجهة المد الأصولي و تلهية الشعب عن أوضاعه المزرية، وإنعاش الفساد المالي بطبيعة الحال، وذلك تحت ذريعة التنمية المحلية، ولا ندري ما هي التنمية التي أنجزها مهرجان تيمتار في أكادير أوتيفاوين في تافراوت أو مهرجان الجمل في أكلميم أو مهرجان الحسيمة أو مهرجان الثقافة الأمازيغية في طنجة أو موازين في الرباط وغيرها من المهرجانات الصاخبة التي يشارك فيها فنانون عالميون بملايين الدراهم. فلو كان الهدف والهم الأساسي هو التنمية لاستثمرت تلك المبالغ المالية في محاربة الأحياء القصديرية في هذه المدن غير أن الماجدي في الرباط وأخنوش في اكادير للمثال فقط لا الحصر يفضلون دعوة ابن الفنان الشهير والمرموق Bob Marley لتفجير مكبوتات شباب هذه الأحياء مثل حي أنزا باكادير وحي الرجاء في الله في يعقوب المنصور بالرباط. وكلها مهرجانات في نسختها الرابعة أو الخامسة دون تحقيق أية تنمية تذكر مما يلوحون به. في مقابل ذلك ما زالت أراضي الامازيغ تنتهب وتغتصب والحقوق الأمازيغية تعاني التهميش والإقصاء مقابل أجرأة قوانين التعريب وأخرى لتكميم أفواه الناس، والزج بهم في السجون. سموس: ماذا بعد ؟ هل يتوقف المخزن وأتباعه عند هذا الحد؟ ألم تتوفر الحركة الأمازيغية على نافذة دولية تطل منها أحيانا لإيصال خطابها إلى المنظمات الدولية التي تراقب الوضع الحقوقي في العالم والتي يسعى "المخزن المسكين" إلى تلميع صورته أمامها بالشعارات الرنانة والأكاذيب والخرافات، ونتحدث هنا عن الامتداد التنظيمي الذي يجسده "الكونكريس العالمي الامازيغي"، هذا التنظيم العتيد والمهم الذي يعد تنظيما مهما واستراتيجيا، لم يحسن ايمازيغن استعماله بشكل ايجابي. في الحقيقة يعتبر هذا "الكونكريس" بمثابة العلبة السوداء لدى الفاعلين الامازيغيين في العالم، لا ندري ماذا يجري داخله وعن كيفية اتخاذ قراراته ، وعما إذا كان يخضع إلى ضغوط معينة من جهات دولية أو إقليمية أم ماذا؟ إلا أن الثابت حاليا، وفي إطار الإعداد والتحضير لانعقاد المؤتمر القادم، هو سعي بعض المحسوبين على المخزن الجديد في المغرب في منطقة الريف إلى احتواء هذا الكونكرييس العالمي وإسناد رئاسته لأحد أصدقائه في "تيار الديمقراطيين المستقليين" الذي خرج من رئاسة إحدى "الجمعيات الأمازيغية" في المغرب مؤخرا. وحسب مصادر موثوقة فإن هذا المخزني الذي ينتمي إلى اللوبي النافذ في الدولة، اجتمع مع بعض أعضاء مكتب الكونكريس على هامش مهرجان طنجة الذي ينظمه المخزني نفسه، وتكفل بجميع مصاريف المؤتمر مقابل شروط أهمها انعقاده في طنجة. وتتداول أخبار تفيد أن المخزن المغربي يسعى إلى السيطرة على هذه المنظمة بعد التحركات الدبلوماسية التي قادها كل من زعيم الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي، و أحد أعضاء هذا الكونكريس الامازيغي، وهي تحركات أحرجت النظام المغربي كثيرا والتي أزالت الكثير من الغموض الذي تستغله الدبلوماسية الرسمية في نشر صورة مشوهة لواقع حقوق الإنسان بالمغرب. إضافة إلى مساعي الدولة المغربية إلى المزايدات مع الجزائر، خاصة بعد انتشار خبر منع سلطات هذه الأخيرة لانعقاد المؤتمر في منطقة القبايل. وخلاصة القول أن الحركة الأمازيغية اليوم يجب عليها أن تفهم وتعي خطورة المرحلة والرهانات الحقيقية المنتظرة في ظل الأزمة التنظيمية التي تنخر جسدها بفعل العديد من الأسباب والعوامل لا يتسع المقام لذكرها. والمخزن له طريقتان وآليتان بنيويتان يعتمد عليهما لتدبير دفة الحكم هما: السيف والمال، فالأول تجسده المحاكمات الصورية، الاعتقالات، القمع، المنع... وكل مظاهر خرق القانون وانتهاك حقوق الإنسان. أما الثاني فيتمثل في كل أشكال الاحتواء والهبات والأعطيات المخزنية وكل أنواع تبذير المال العام لإخراس أصوات المعارضين أو على الأقل المتظاهرين بالمعرضة، ومحاولة قنبلة الحركات من الداخل. تلك هي الخطاطة التي حاولنا اعتمادها لتحليل طبيعة العلاقة الراهنة بين المخزن وايمازيغن. فإلى متى ستفهم الحركة الأمازيغية أن نضالها في خاتمة المطاف ذو هدف استراتيجي كبير. إنه مرتبط بالتحرير والتحرر واستعادة الملك والسلطة. فهل فعلا سيكون امازيغ اليوم في مستوى هذا التحدي عبر استعادة مقولة الجد الامازيغي المشاكس ماسينيسا: " تامازغا تين ايمازيغن".