بغض النظر عن المشاهد غير المقبولة، هؤلاء أساتذة قبلوا بالتعاقد لأول الأمر عن طواعية واختيار ومن دون إكراه، ووافقوا ووقعوا وشرعوا فعلا في التدريس لفترة ليست بالقصيرة، ثم بعد ذلك بدا لهم أن هذا التعاقد فيه حيف ولا يخدم مصالحهم في شيء ويهدد استقرارهم المادي والاجتماعي، وبدل تواجدهم اليوم في فصول الدرس يقومون بواجبهم على أحسن وجه، نجدهم يتظاهرون صباح مساء، محتلين الشارع العام ومخلين في ذلك بمهامهم وبمسؤولياتهم التي يتقاضون عنها مقابلا من ميزانية الدولة؛ بمعنى من جيوب المغاربة، دافعي الضرائب . أتفهم أن يضيق صدر السلطة التي من مسؤوليتها إخلاء الطريق العام والحفاظ عن الأمن. ما شاهدناه لا نقبله، وهو يخدش صورة المغرب بكل تأكيد، ولا نرضاه لأي كان، فما بالك بأطر تعليمية وبشباب في ربيع العمر. وهي صور شاهدناها عبر شبكات التواصل، لا تليق بمغرب اليوم الذي قطع أشواطا كبيرة في التطور الديمقراطي وتكريس دولة القانون. لكن للسلطة إكراهاتها، وللتظاهر شروطه ومساطره القانونية التي يجب احترامها والتقيد بها من طرف الجميع. كما أن للمارة والسائقين وعموم المواطنين حقوق أيضا يجب احترامها وعدم المس بها بأي حال من الأحوال؛ وهي من مسؤولية السلطة ورجال الأمن بصفة خاصة، الذين لهم حقوق الواجب احترامها وعدم المس بها. هؤلاء المساكين الذين يتعرضون بدورهم للتعنيف والضرب أحيانا وللسب والشتم كان الله في عونهم، وتحية إكبار وإجلال لهم، ورسالة شكر جزيل نبعثها إليهم، تقديرا لتضحياتهم وصبرهم وتفانيهم، وجازاهم الله على كل ما يقومون به من أعمال جليلة، في خدمة الوطن والمواطنين، خاصة في هذه الفترة العصيبة من الجائحة، ومع الدور الكبير والمعتبر الذي قاموا ويقومون به إلى حد الآن لمراقبة احترام حالة الطوارئ الصحية، وذلك من دون ملل أو كلل، رغم الظروف الصعبة أحيانا. مشكل الأساتذة المتعاقدين هذا، وما آلت إليه الأوضاع الآن، تتحمل فيه الحكومة السابقة كامل المسؤولية، لأنها تسرعت من دون تفكير عميق ومن دون تشاركية كافية في تنزيل مبادرتها لحل أزمة الاكتظاظ وسد الخصاص في الأطر التعليمية، الذي كانت تعاني منه المؤسسات التعليمية آنذاك، إذ تعاقدت مع الآلاف من الخريجين، وأقحمتهم في المدارس والثانويات، وبعضهم لا يصلح للتدريس ومن دون مستوى. إن مهنة التدريس ليست ككل المهن الأخرى، هي شغف وموهبة وكفاءة وتكوين مستمر كذلك. سامح الله من فكر وقدر وتعاقد ولم يصغ لما كنا نقول ونكتب، فترك لدولتنا الشريفة الآمنة المستقرة هذه القنبلة الموقوتة التي تنفجر اليوم، في وقت نحتاج للدولة ومجهودها لما هو أهم ونحن نعيش اليوم تداعيات أزمة صحية وأخرى اقتصادية واجتماعية أقل ما يقال عنها إنها صعبة وغير مسبوقة.