أحمد مسعية: الدليل المسرحي والرغبة في الثقافة (الحلقة 7) اختبر الأستاذ الباحث أحمد مسعية عالم التدريس الجامعي. واختبر أيضا مجال المسؤولية. تحمل إدارة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (1993-2004).فالرجل بصم مسارا غنيا ومتنوعا. امتد من التعليم إلى التدبير ثم الكتابة والنشر دون نسيان مقالاته الرصينة حول الثقافة والمسرح ومساهماته في التظاهرات والمهرجانات المسرحية داخل المغرب وخارجه. عرفته عن قرب، عندما التحقت بهيئة التدريس بالمعهد (1994)، لولاه لما كنت أستاذا. رجل صعب المزاج، من الصعب تليينه وتطويعه. لكن عندما تقترب منه وتعاشره. تكتشف شخصا آخر. غالبا ما يخفي طيبوبة وابتسامة. وإذا كنت على حق،لا يتردد في مساندتك ودعمك والوقوف بجانبك. لقد جمعتنا لحظات مفعمة بالأمل والانكسار وأيام متصفة بالألم والانشراح. رغم الحواجز والإكراهات، فإنه لا يستسلم، بل يسير حتى النهاية ولو إن بقي لوحده. ربما هي جغرافية التراب والطين وبداوة الروح. أثناء بناء المرحلة الثانية من حياة المعهد، بعد ذهاب الأستاذ مولاي أحمد بدري أطال الله في عمره. شهد المعهد نفسا جديدا، جعل من مؤسسة المعهد فضاء مفتوحا للاكتشاف والتمرين والإبداع وملتقى إشعاعيا حقيقيا للتجارب الوطنية والعربية والدولية. كان هاجسه الأول والأخير تطوير تكوين متكامل ومنسجم يجمع بين الموهبة والتدريب المهني الاحترافي والمرجعيات الفنية والثقافية. لكن كان دائما يصطدم بجدار صلب من إسمنت مسلح وصمت بارد يوجد بزنقة غاندي حيث تنتصب وزارة الثقافة. وأحسن تعبير عن ذلك أن وزيرا سابقا للثقافة جيء به بالرغم منه أو أقحم في المسؤولية أو شبه له. قال له في اجتماع رسمي لا جدوى من معهدين (معهد المسرح والتراث)، الأول طلبته يلعبون والثاني طلبته يحفرون. ربما تصور الوزير المقحم أو هيأ له أن هيئة التدريس بالمعهدين فئتان، الأولى حفار قبور والثانية تلعب غميضة أو لعبة فريع الشبكة. رغم قلقه فالرجل لا يحط السلاح ويعض بالنواجد. ويحسب للرجل أن في عهده عقدت ندوات عملية وطنية ودولية ورغم قلة الإمكانات ومحدودية الفضاءات، فالمعهد استضاف أسماء كبرى مثل المخرج بتر بروك والمسرحي الفرنسي كنتريلا والكاتبة الاسبانية اتزيار باسكوال وفاضل الجاف العراقي وتداريب في مجالات المهن المسرحية من اسبانيا، بلجيكا،روسيا،فرنسا،كندا، سوريا و ايطاليا.. وبعد تقاعده، سيعرف المعهد مرحلة ثالثة مع الأستاذ والكاتب المسرحي عصام يوسفي، مرحلة اتسمت بالنضج والعطاء. هذا لا يعني أن المعهد لوحة مثالية بل هناك عوائق داخلية حالت دون تطوير أدائه وإشعاعه. حسبت أن الرجل سينزوي» بوادي لو»، ليتأمل العالم وشطآنه، مده وجزره، صيفه وربيعه. لكن فاجأنا بعملين مهمين ورائدين، الأول، دليل المسرح المغربي و الثاني، تأمل حول الوضع الثقافي بالمغرب. سيسجل للأستاذ أحمد مسعية، أنه فتح بابا جديدا لدراسة المسرح المغربي، بعدما تمت مقاربته من زوايا متعددة. فبصدور دليل المسرح المغربي (نصف قرن من الإبداع المسرحي). يكون قد وضع لبنة أولى وأساسية لتوثيق كل التجارب المسرحية من الاستقلال حتى سنة2010. فالكتاب جدير بالقراءة والاطلاع وغني بالصور والإحالات التاريخية، ومتضمن لأغلب الفرق المسرحية، بأسمائها ومؤسسيها ومبدعيها وأعمالها الفنية. يؤكد أحمد مسعية على أن هذا الدليل المسرحي «نتوسم أن يقوم بوضع لبنات لمركز للتوثيق المسرحي وإتاحة الفرصة أمام الشباب المسرحي للاطلاع على تاريخ مسرحهم، وأمام الباحثين لإدراك أفضل لعملهم، سواء من حيث هو ذاكرة أو من حيث جوانبه الجمالية على نحو عام. ولا شك أننا في هذا الكتاب لم نأخذ أنفسنا بالحديث عن جميع الفرق التي ظهرت في بلادنا، وهناك أسباب موضوعية لهذا الاختيار. بيد أننا وأخذا بعين الاعتبار للطابع المتطور للنشاط المسرحي، سيكون علينا أن نعود للكتاب لتعديل أو إغناء أو تحيين جميع المعطيات المتضمنة فيه. ويكفيه فضلا أنه قام بمحاولة استجماع ذاكرة للمسرح المغربي. أما المؤلف الثاني وهو باللغة الفرنسية (Un désir de culture 2013 )، الرغبة في الثقافة، هو كتاب تحليلي للوضع الثقافي بالمغرب عبر مقاربات متعددة، بدءا من الثقافة وعلاقتها بالدولة ومشروعية إقامة سياسة ثقافية مندمجة ومتكاملة، تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والتنموية والسياحية والتعليمية والترابية، إضافة إلى جعل الثقافة أداة حقيقية لتنمية المواطن عبر خلق فضاءات للتعبير والإبداع. دون إغفال دور ووظيفة القطاع الخاص الوطني في دعم الفنون وتشجيع المبدعين المغاربة بمختلف تعابيرهم وألوانهم. هي دعوة للقراء والمثقفين والمهتمين، للاطلاع واكتشاف هذين المؤلفين وقيمتهما المعرفية والثقافية وبذل مجهود للتعريف بصاحبهما.