بسم الله الرحمن الرحيم ردٌّ على طَلَب بعض القراء، سامحهم اللهُ، شكّكوا في "قصة القرد الفنان"، وأضافوا إلى الشكّ أشياء أخرى تفصح عن معدن شِنْشِنَتِهم. وهؤلاء يُؤسفني أن يكونوا من قراء كلامي، لأني، بكل صدق وصراحة، لا أكتب لهم. وطالبني آخرون، بحسن نية فيما أظن، بنشرِ لوحة القرد (شيتا) حتى تكتمل القصةُ ويكونَ لكلامي مصداقية. ولهؤلاء، وللقراء الجادّين أقول إني ذكرت لكم، في مقالتي، اسمَ الصحافي/المحقق/المغامر، وذكرت اسمَ المجلة التي كان يعمل لها، وذكرت تاريخَ نشر الفضيحة، باليوم والشهر والسنة، وما على المهتم المستزيد إلا أن يباشرَ البحث بنفسه عما يريده بالتحديد. وأنا أؤكد لكل مَنْ كان مِنَ القراء جادّا وصبورا في طلبه، أنه سيجد في الشبكة العنكبوتية الجوابَ الشافيَ عن طلبه، وسيتمتع بالنظر إلى صورة القرد (شيتا) مع صاحبه الصحافي (صلاح محفوظ)، كما سيتمتع بالتأمل فيما أبدعه عبثُ القرد على وجه اللوحة من تلطيخ الألوان وتخليطها وبعثرتها، وسيقرأ مزيدا من التفصيلات والتعليقات عن مقالات "النقاد" المفضوحين. أتمنى للقراء الكرام الجادين بحثا مفيدا وممتعا، وأنتقل إلى الجزء الثاني من المقالة. في الجزء الأول من هذه المقالة لخّصت قصةَ "القرد الفنان"، التي فضحَت المستوى الذي تردّى فيه الحداثيّون عموما، والمبدعون والنقاد بصفة خاصة، حين تواضعوا على عدم الاعتداد بالقواعد والمعايير والشروط والقيود الضرورية في كل الصناعات، وفرضوا من عندهم، بهوَاهم ومزاجهم، نوعا من الممارسة الفنّية، التي لا سبيل فيها إلى تمييز الفنّ مِنَ العبث، ولا موازينَ سليمة وواضحة لمعرفة فَرَادة صنْعة المبدعين مِنْ "خَرْبَشَة" المُنتحِلين العابثين، وذلك بإسقاط كلِّ التّكاليف التي تجعل من هذا أو ذاك من الناس فنانا معروفا بلمْسته المتميزة، ولونِه المتفَرّد؛ أسقطوا كلَّ الحدود والقيود والمقاييس، فإذا بالفن يصير نهْبا لكلّ بَطّال(من البطالة)، بلا موهبة ولا مؤهلات، لم يجد عملا يشتغل به، وإذا بالحمى تستبيحه الأعشابُ الغريبة الطفيلِيّة، وإذا بالمستوى الفني الإبداعي يهوي إلى الحضيض. (2) شاهِدُ الذئب في المثل الشّعبيّ: قيل للذئب: من سيشهَد لك؟ قال: ذَيْلي(ذَنَبِي). وإيرادُ هذا المثل في هذا السياق إنما هو للإشارة إلى هذه العصابات التي تكوّنت اليوم، وتنظّمَت، وأصبح لها منابر وأَعلامٌ وإِعلامٌ وخطابات وشعارات، تحتكر الحديثَ باسم الفن، وتحتكر مع هذا الحديث، أيضا، سلطةَ النقد والتقويم، وتصنيفِ الفنانين إلى مقبولين ومرفوضين، وإلى "حداثيِّين" إبداعيِّين مُقرَّبين، وإلى "أصوليِّين" اتّباعيِّين مُبعَدِين. عصاباتٌ تجمعها إديولوجية متطرفة، وأفرادُها متضامنون متناصرون متحالفون، يشهد بعضهم لبعض، زورا وبهتانا، وتعالُما واحتيالا، لا يرْعوُون، ولا تعرف الزواجرُ الأخلاقية، بلْهَ الدينيّةَ، إلى نفوسهم سبيلا. فهناك اليوم أسماء مشهورة في دنيا الشعر العربي، قدْ تمَّ فرضُها فرضا على المتلقي العام والخاص، بالإعلام والإشهار والدعاية المُرهِبة الدائمة، على أنها منارات للاهتداء، ومرجعيّاتٌ للاقتداء، ومقاييس للتقويم وإصدار الأحكام. وإذا كانت لغةُ الخطوط والألوان والظلال، في الفن التشكيلي، تترك للفنان والناقد معا هامشا واسعا للمراوغة والمناورة، والتفسير والتأويل والتبرير، وخاصة عندما يكون المتلقي من غير المتخصصين، فإن هذا الهامشَ، في فن الإبداع بالكلمات، يضيق كثيرا إلى درجة أن المدعيَ العابثَ المحتالَ سرعان ما ينكشف عواره، فيصبح مفضوحا بلا غطاء. إننا نقرأ اليوم في بعض أعمال مَن ينتحلون "نقدَ الشعر" تحليلاتٍ لبعض النصوص هي، في ادعاءاتها وهذيانها ولغْوها وتلفيقاتها، أفظعُ وأبشع مما قرأناه ل"نقاد" اللوحة القرْدية في الجزء الأول من هذه المقالة. أدونيس يشهد ل(رامبو) امتازت حياة الفرنسي(جان أرتور رامبو) القصيرة(1854-1891) بأنها كانت عبارة عن شذوذ في شذوذ، وفشلٍ بعد فشل. فهو لم يعرفْ حياة عائلية طبيعيةً مستقرة، ولم ينجحْ في دراسته، لأنه انقطع عن المدرسة قبل الباكالوريا. وقد سلك طريقَ المغامرة، فطلب الشهرةَ والحظوة من طريق الأدب، فرجع بخُفّيْ حُنَيْن. ثم هاجر طلَبا للمال، فاشتغل في (الحبشة)، ثم في (عدن)، فانتهى به الأمر إلى الاشتغال بتهريب السلاح. وقد رجع من رحلته التي استغرقت قريبا من عشر سنوات، خاليَ الوفاض، يجرّ ذيول الخيبة واليأس والمرض. وقد طبع حياتَه، في مغامراته الفاشِلة، التسكّعُ وإدمانُ شُربِ الخمرة وتعاطي المُحرّمات والمخدرات، كالحشيش والشذوذ الجنسي، وخاصة في علاقته اللوطيّة المشهورة مع صديقه (بول فرلين). وقد انتهى به المطاف إلى المرض، ثم إلى دخول المستشفى حيث قُطعت إحدى رجليه. وقد عاش بعد ذلك ستة أشهر، تقريبا، (من ماي إلى نونبر)، قبل أن يقبض اللهُ روحه في العاشر من نونبر من سنة 1891. أما الأعمال الكتابيّة التي تركها (رامبو)، فهي عبارة عن مقطّعات شعرية موزونة، وأخرى غير موزونة، ومجموعتين نثريتين، الأولى: "فصل في الجحيمUne saison en enfer"، وقد نُشرت في حياة رامبو سنة 1875، ببروكسل، والمجموعة الثانية: "إشراقاتIlluminations"، التي جُمعتْ وعُنونَت وطُبعَت بعد موته. وله مع هذه الأعمال رسائلُ اشتهرت منها رسالتا "الرائي": الأولى كتبها إلى (جورج إزمبار)، يوم 13 ماي من سنة 1871، والثانية إلى (بول ديمني)، يوم 15 ماي 1871. هذه الترجمة الموجزة مستقاة من عدة مصادر، أخص منها بالذكر كتابَ "رامبو"، لسمير الحاج شاهين، والكتابَ الجامع لأعمال رامبو، بالفرنسية: (Rimbaud, Poésies, Une saison en enfer, Illuminations- Préface René char, Editions Gallimard, seconde édition revue, 1984, p.218-224). لقد حفَلَت كتاباتُ الحداثيِّين بمقالات وشهادات في حق (رامبو) مادحةً رافعة، مأخوذةً بسحر صنيعه، رازحةً في أغلال "إشراقاته" وشياطين "جحيمه"، حتى وجدنا أدونيس يرفعه إلى مرتبة التصوف الإسلامي-طبعا، كما يرى أدونيس هذا التصوفَ ويفهمه-في دراسة بعنوان: "رامبو-مشرقيا، صوفيا"، وهي منشورة في كتابه عن "الصوفية والسريالية"، ووجدناه يفسّر شذوذه، ومغامراته، وسياحاته التجارية، وتجاربَه الكتابيّةَ، بمنظار صوفي، حتى أصبحت كلُّ غريبة من غرائب رامبو، وكلُّ منكر من سلوكاته وكلامه، لها ما يقابلها في التجارب الصوفية المشرقية، وفق المنظور الأدونيسي الخاص الشاذّ المبتدَع المُشَوّه للتصوف. وقد تحدثت بشيء من الاختصار عن "صوفية أدونيس" في مقالاتي عن "الوجه الآخر لأدونيس". ويذهب أدونيس، في دراسته، إلى أن خصائص النص الرامبوي(نسبة إلى رامبو)، الذي "يتمثل تعيينا في "فصل في الجحيم" و"إشراقات"…هي نفسها الخصائصُ التي يتصف بها النص الصوفي."(ص238) ويذكر من هذه الخصائص "...أنه نص مبهم…والسر في ذلك أنه ينقل تجربة في المجهول، شأن النص الصوفي، الذي ينقل تجربة في الباطن الخفي(caché)."(نفسه) ثم يبني أدونيس على هذه الخاصية "أن الشعر الحق ليس الوضوح والبداهة أبدا، وأنه، على العكس، دخول في عتمة العالم"(239). ومن هذه الخصائص أيضا، حسب مزاعم أدونيس، "أن النص الرامبوي يتجاوز الثنائية الديكارتية (الذات/الموضوع)(sujet/objet) …ومن هنا لا بد من دفعة ما اصطلح عليه ب"القلب"…لا بد من رؤيا شفافة للعالم تتبطن أغواره، فيما وراء العقلانية ومنطقها، وفيما وراء الذاتية والموضوعية"(نفسه). وعلى هذا تكون "المعرفة الشعرية صوفية: هي الحدس بما لا نراه، بالعالم غير المرئي، بتلك الحالة البدئية التي لا انفصال فيها بين الأنا والوجود، والأنا والنحن."(نفسه) ومن ثَمَّ "لا بد لفهم النص الرامبوي من قراءته بالطريقة نفسها، التي يقرأ بها النص الصوفي: قبل أن نفهم العبارة يجب أن نفهم الإشارة…وقراءته إذن لدنيّة، نوع من المسارّة والتلقن."(نفسه) وخاصية أخرى يشهد بها أدونيس لنموذجه الحداثيّ "هي أن النص الرامبوي يكشف عن موقف رؤيوي نبوي، شأن النص الصوفي…فالوجود ليس مجرد قضية عقلية، وإنما هو رسالة. وفي هذا يتجلى معنى النبوة التي هي، جوهريا، غير غربية"(241). وأنا أسأل، بعد قراءة عبارات أدونيس المستوحاة من جحيم رامبو، أسئلةً بسيطة وواضحة بعيدا عن لغة الأضواء وصخب الأصوات، التي رفعت رامبو إلى قمة الشعراء العظماء، والمبدعين السحرة، والصوفيين الرائين: أين هو السحر والانخطاف الصوفي؟ أين هو الشعر؟ بل أين هو الذوق الأدبي، ابتداءً، في مثل قوله من قطعة من "فصل في الجحيم"، بعنوان "دم فاسد": "إن لي من أسلافي الغاليين(Gaulois) العينَ الزرقاء الفاتحة، والدماغ الضيق، وعدم المهارة في القتال. إني أجد طريقة ملبسي وحشية كطريقتهم. لكني لا أدهن شعري بالزبدة. "الغاليون كانوا سالخي حيوانات، وحارقي أعشاب، من أشد الناس حمقا في زمانهم. "عنهم ورثت: عبادة الأوثان، وحبّ انتهاك المقدسات(sacrilège)؛ –آه ! جميع الآفات، غضب، فسق –الفسق العظيم- وخاصة الكذب والكسل." أين هو هذا الحدس؟ أين هي هذه الرؤيا الشفافة للعالم؟ أين هو المعنى، أيُّ معنى، في مثل قوله من قطعة "كيمياء الكلمة" في "فصل في الجحيم": "اخترعت لون حروف العلة ! –A سوداء، E بيضاء، I حمراء، Oزرقاء، U خضراء. –ضبطت شكل جميع الحروف الصوامت وحركتَها، وبإيقاعات غريزية، أعجبت باختراع فعل شعري يكون سهل المنال، في يوم من الأيام، على مختلف الحواس. احتفظت بالترجمة. "لقد كان الأمر في البداية دراسة. كنت أكتب سكوتات، لياليَ، أسجل الذي لا يعبّر عنه. كنت أركز نظري في المتاهات." ماذا نقرأ لرامبو، وخاصة في مجموعتيه: "فصل في الجحيم" و"إشراقات"؟ نقرأ اللاموضوع، واللامعنى، والتيه في مضايق الشذوذات النفسانية، ومتاهات الغرائب الوهمية. قل إننا نقرأ كل شيء، إلا الكلام الذي يُراد به التواصل مع الناس. إنه، في جملة، عملُ/كتابةُ اللاتواصل واللاتفاهم. "A سوداء، E بيضاء، I حمراء، O زرقاء، U خضراء…". ماذا يصلني، أنا القارئ –أسأل: ماذا يصلني؟ بلا فلسفة، ولا تأويلات مغرقة في الغموض، كما عند بعض النقاد-ماذا يصلني من هذه الألفاظ المحشورة حشرا في سياق لا يرمي إلى إقامة مبنى ولا إلى إقامة معنى؟ ما هو حظي من هذه القراءة؟ بل أين هو حقي لدى الكاتب المتكلم؟ هل يجني القارئ من مثل هذا الكلام غير الإساءة والحقارة والعناء؟ أين هو حق اللغة المشتركة؟ أين هي الحدود الدنيا للفهم والتفاهم والتواصل؟ وبعد هذا يأتي أدونيس ليقول في هذا الصدد، في تفلسف وهذيان: "ما يسميه رامبو ب(كيمياء الكلمة) ليس إلا الوسيلة التي يمكن بها ابتكارُ أشكال تعبيرية في مستوى السر أو المجهول. هذه الطريق التي يصفها رامبو هي نفسها، في اللغة الصوفية، ما يُسمّى بمعراج السلوك إلى المعرفة. والمعرفة هنا رؤياوية، ولا شأن للعقل بها، وهي خارج المألوف والعادي."(الصوفية والسوريالية، ص245) ثم يتحدث عن مهمة الشاعر قائلا: "مهمة الشاعر، بعبارة ثانية، هي إعادة كتابة العالم، وفقا لفهمه تلك الكتابة السرية. هكذا يُسمي العالمَ من جديد. وفي هذا الأفق نفهم كلامَ رامبو عن (كيمياء الكلمة)، وإعطاءَه الحروف ألوانا، وذلك من أجل أن تكون اللغة قادرة على التطابق مع الأشياء التي يكشف عنها، أي لكي تكون في مستوى تسميةِ العالم وأشيائه تسميةً جديدة. ما هذا الهُراء؟ الانحرافُ والفساد يتحول في منظار أدونيس المتطرف إلى استقامةٍ وصلاح، والموتُ والفراغُ ينقلب بفعل شهادة الزور إلى حياة وعمران!!؟ فإذا تعاطى رامبو الحشيش والمسكرات، وغاص في أوحال الشذوذ، فلأنه يريد، بذلك-حسب شهادة أدونيس- أن يصل إلى المقامات التي وصل إليها الصوفية، إلى المجهول. "وتتبع قصيدتُه "صباح السكر"(إشراقات)[كما يفهّمنا أدونيس] مراحلَ الطريق التي يملكها المريد العارف: التضرع إلى الكائن الأسمى(الله)، شراب السمّ(الحشيش)، أي الدخولُ في السكر الذي يعطل الحواس، رفض القيم الثنائية(الخير والشر)، وأخيرا نشوةُ الفرح والتطهر(الفناء)."(242) إننا نجد أدونيس، وهو يدرس أعمال رامبو، أو يقوّمها، أو يسعى لإثبات ميزتها الجمالية الشعرية، يقف على بعض الكلام الناضح بلاشيئيته، ومع ذلك يصر على أن هناك شيئا ما. لماذا؟ لأنه شاع في الدنيا وترسّخَ وتقدّسَ أن كلام رامبو، كيفما كان، لا يمكن أن يكون من أجل اللاشيء. فهو من أجل شيء ما ، ولو كان هذا الشيء فراغا في فراغ، وألوانا مكدّسةً على غير تنسيق ولا نظام، وأصواتا "نشازا" مختلطة تتوالى على غير لحن ولا إيقاع؛ إن كلام رامبو، عند الحداثيين المتطرفين، لا بد أن يقول شيئا ذا قيمة، ولو كان هذا الشيءُ من قبيل وسوسات الشياطين، وغَمْغَمات العُصابِيِّين، ونَفثَات المجانين المهْلُوسين. من معاني المهْلوسُ، في اللغة، مسلوب العقل. وإذا ضاقت بأدونيس المسالكُ في تقويم بعض كلام رامبو اللاشيئي قال: لا بد أن يكون هناك شيء، إنه الفعلُ "الرؤيوي"! إنها المعرفةُ التي تأتي من طريق الحدس الباطني! إنها الإشراقات الصوفية! إنه الانخطاف والمحو! وقال غيرَ هذا من العبارات والأسماء والاصطلاحات "الكبيرة"، التي لا يمكن أن ننتهيَ منها إلى طائل. فإن قال رامبو مثلا:"Je est un autre"(الأنا شخص آخر)، قام أدونيس مفلسفا ومؤولا، واعتبر هذه العبارةَ من رامبو(أنا هي آخر)-كما يترجمها أدونيس- بمثابة إعلان "الحرب على الثنائية العقلانية الديكارتية، التي تؤسس للمعرفة الموضوعية-العلمية في الغرب"(248). فرامبو يعارض بقوله"Je et un autre" الكوجيتو الديكارتي: "أنا أفكر، إذن أنا موجود". "ويمكن-يقول أدونيس-أن نصوغها[أي قولة رامبو] بقولنا: أفكر، إذن أنا لا أنا، كما يقول المتصوف."(نفسه) والتكلّف في مثل هذا التأويل، في نظري، ساطع لا يحتاج إلى بيان. ثم يستطرد أدونيس قائلا: "والشعر هو هذا الرحيل من المجهول حيث تغيب الأنا في نشوة الانخطاف، وتصبح هي الوجود، والنحن، والهو: تصبح أنا لا أنا."(239-240) ويوضح هذا الهذيان الحداثي في موضع آخر، فيقول: "المظهر الأول لانفجار الأنا عند رامبو هو أن وعي الوجود ووعي اللاوجود يتجليان معا وفي الآن نفسه. فالكوجيتو الرامبوي، إن صح هذا التعبير، نقيض للكوجيتو الديكارتي. إنه، بالأحرى، كوجيتو صوفي. "الأنا آخرJe et un autre. وهذا يعني[لاحظ هذه الجرأةَ على الفهم والتأويل وفلسفة الخواء] أن الوجود يمكن أن يكون من الناحية الذاتية شيئا، وأن يكون من الناحية الموضوعية شيئا آخر نقيضا. فالوجود هو نفسه وغيره في آن، كمثل الأنا، الذي هو أنا وآخر معا."(248) إلى آخر ما استنبطه أدونيس من "فلسفة" و"معارف باطنية" و"علوم لدُنّية" كامنة في عبارة بحجم: "الأنا آخر"!! تتمة الكلام في المقالة القادمة، إن شاء الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.