أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية مدونة الأخلاقيات القضائية، وتتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على قضاة المملكة الالتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية. وتعني هذه المدونة كافة قضاة المملكة والقضاة الشرفيين والمحالين على التقاعد، كما سيتم الاعتماد عليها في تكوين القضاة والملحقين القضائيين مستقبلا. ودخلت هذه المدونة حيز التنفيذ بعدما جرى نشرها ضمن العدد 6967 من الجريدة الرسمية، وجاء فيها أن الأهداف المتوخاة منها هي الحفاظ على استقلالية القضاة وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد ومسؤولية. كما تروم المدونة صيانة الهيئة القضائية التي ينتسب إليها القضاة، والتقيد بالأخلاقيات النبيلة للعمل القضائي والالتزام بحسن تطبيق قواعد سير العدالة. وتهدف المدونة أيضاً إلى حماية المتقاضين وسائر مرتفقي القضاء، والسهر على حسن معاملتهم في إطار الاحترام التام للقانون. وأوضح المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن وضع هذه المدونة يهدف إلى توفير إطار مرجعي للقضاة يسمح بالتعريف بأخلاقياتهم ويشكل في الوقت نفسه دليلا للقاضي من أجل دعمه وتوجيهه بشأن ما ينبغي عليه التحلي به من صفات والالتزام به من مبادئ ملازمة للتقيد برسالة القضاء، وما يتعين عليه اجتنابه من ممارسات وسلوكيات وما قد يترتب من جزاء عن أي مخالفة. وجرى خلال إعداد هذه المدونة استحضار المرجعية الدستورية والتوجيهات الملكية، وكذا مقتضيات القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، إضافة إلى الالتزامات الدولية للمملكة المغربية. وقال مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تقديم للمدونة، إن "الثقة في القضاء ودعم مصداقيته لن يتحقق إلا عن طريق ترسيخ القيم والأخلاقيات القضائية الرفيعة وسيادة السلوك القويم لدى مكونات الجسم القضائي برمته، مع ضرورة الالتزام والتقيد بها من طرف القضاة في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي بما يحافظ على هيبة القضاء وحرمته". وأشار فارس إلى أن "القضاء كان وسيظل أجل العلوم وأشرف المهن وأصعبها، حصنه الأساس وركنه المتين هو أخلاقياته وقيمه التي تعتبر صمام الأمان لكسب ثقة الناس وضمان احترامهم لأحكامه وقراراته، وهو ما نحن حريصون عليه بكل جدية ومسؤولية وحزم". وأكد فارس أن مبادئ هذه المدونة وآليات تطبيقها ومواكبتها، "ستمكن القضاة على اختلاف مراكزهم ومسؤولياتهم ومهامهم من معرفة أكبر بواجباتهم الملتزمين بها مهنيا وأخلاقيا، كما ستفتح الباب للمتقاضين للاطلاع على معايير واضحة ومعروفة لأخلاقيات مهنة القضاة من أجل بناء الثقة وتدعيم صورة الجهاز القضائي وتحسين فعاليته ونجاعته". وبموجب مقتضياتها، سيتم إسناد مهمة تتبع ومراقبة مدى التزام القضاة بأحكام هذه المدونة للمسؤولين القضائيين على مستوى دوائر محاكم الاستئناف كجهة تتولى محليا دور لجنة الأخلاقيات المركزية وتعمل تحت إشراف هذه الأخيرة على تقديم الاستشارة للقضاة. وتنقسم المدونة إلى فصول عدة تتحدث أغلبها عن المبادئ العامة للأخلاقيات والقيم، من قبيل الاستقلال والحياد والتجرد والمساواة والنزاهة والكفاءة والاجتهاد والتحفظ والجرأة والشجاعة واللباقة وحسن المظهر والتعامل مع الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وكلها مرفقة بالتعريف والأهداف وبعض التطبيقات التي تعكس هذه القيم. وعلى سبيل المثال، تشدد المدونة على ضرورة أن يضع القاضي في اعتباره أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي يجب أن يتناسب مع احترامه للالتزامات الأخلاقية الواردة في المدونة، والالتزام بدرجة عالية من الحذر عند التعبير عن آرائه ومواقفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء أفصح عن صفته القضائية أم لا، وسواء تعلق الأمر بالشأن القضائي أو بحياته الخاصة أو بأي شأن آخر. كما تنص المدونة على ضرورة ابتعاد القاضي عن كل ما هو مسيء لسمعة القضاء أو يمس باستقلالية ونزاهة وحياد القاضي عند استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي، ويراعي المكانة الاعتبارية للقضاة، سواء في الكتابات أو التعليقات أو الردود، ويشمل ذلك مختلف المعطيات الإلكترونية المتداولة كالصور والأشرطة المصورة وغيرها، ناهيك عن توخي الاحتياط في قبول "الصداقات" عبر هذه الوسائط.