يعني “الحياد” “أن تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أية تقييدات أوتأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة من أية جهة أو لأي سبب”. وهو ما يعني” أن لا يحمل القضاة أراءً مسبقة بشأن المسألة المنظورة أمامهم، وألا يتصرفوا بطريقة تعزز مصالح أحد الأطراف، وحيثما ينص القانون على أسباب عدم صلاحية القاضي فإنه يتعيّن على المحكمة من تلقاء نفسها إستبدال أعضاء المحكمة وفقاً لمعايير عدم الصلاحية المنصوص عليها في القانون". التعليقات على مبدأ الحياد تلعب مسألة التوزيع الداخلي للقضايا بالمحاكم دورا مهما في حماية حياد القضاة، حيث تؤكد مبادئ الأممالمتحدة، على أن توزيع الأعمال مسألة داخلية تخص إدارة المحاكم، وينبغي أن تبقى خارجة عن تأثير رغبة أي من الفرقاء أو شخص ذي مصلحة في النتيجة التي ستؤول إليها القضية، وينبغي أن يتم هذا التوزيع وفق معايير موضوعية محددة سلفا، بهدف حماية الحق بقضاء مستقل وحيادي. وفي هذا الصدد|، اعتبر نادي قضاة المغرب أن تفعيل الجمعيات العامة للقضاة بالمحاكم مدخل أساسي من مداخل تجسيد مبدأ الحياد، لذا ينبغي على القضاة العمل على دمقرطة الجمعيات العامة، كما ينبغي على المسؤولين القضائيين احترام هذه المؤسسة، في انتظار صدور قانون جديد للتنظيم القضائي يفرض التوزيع الداخلي للقضايا بالمحاكم وفق آلية شفافة. 3 -النزاهة: يتعين على القضاة الحرص على أن يكون سلوكهم فوق الشبهات في نظر المواطن العادي، وأن يتوافق مع ثقة الشعب في نزاهة الجهاز القضائي. التعليقات على مبدأ النزاهة يعتبر تخليق منظومة العدالة المدخل الحقيقي لتخليق الحياة العامة، فغير خاف على الجميع الدور المحوري الذي تلعبه السلطة القضائية في ضمان شفافية أداء باقي الوظائف داخل الدولة و كذا حماية الأمن القضائي بجميع تجلياته، و الذي يعتبر محاربة الفساد أحد ركائزه الأساسية. كما أن ضمان عدالة نزيهة يعد الصورة التي تجسد مساواة المواطنين أمام القضاء و تدعم ثقتهم فيه. من هذا المنطلق أوصى نادي قضاة المغرب بضرورة القيام ببعض الخطوات التي تدعم مؤشر النزاهة داخل مكونات السلطة القضائية، من بينها: – ضمان نفاذ/ولوج المواطنين إلى التصريحات المتعلقة بممتلكات القضاة وديونهم، وضمان تحيين هذه التصريحات بشكل دوري واعتبار ذلك من بين الالتزامات المهنية التي يترتب على إغفالها مخالفة مبدأ النزاهة. – نشر التصريحات بممتلكات وديون أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية عند بداية ولايتهم وعند انتهائها، – وجوب التصريح بقيمة أي هدايا يتلقاها أعضاء المجلس، ووضعها رهن إشارة المجلس؛ – نشر مصاريف الفترة التي يعرف خلالها المترشحون بأنفسهم لدى الهيئة الناخبة التي ينتمون إليها. 4 -اللياقة: على القاضي أداء مهامه القضائية بشكل لائق، وأن يبتعد على ما قد يضعف الثقة العامة في القضاء. التعليقات على مبدأ اللياقة: على القاضي أن يراقب بوعي وجدية وبقراءة نقدية ذاتية ومتحررة لسلوكاته وتصريحاته التي قد تزرع الشك في استقلاليته، حتى وإن كان هذا الشك غير موضوعي. كما عليه أن يجتهد بهذا المسلك في حياته الخاصة ما دامت هذه الأخيرة من شأنها أن تمس مصداقيته ونظرة الرأي العام للدور المجتمعي للقضاة .مبدأ اللياقة لا يتعارض مع حق القضاة في التعبير، بوصفه حقا دستوريا تكفله المعايير الدولية، فللقضاة شأنهم شأن باقي المواطنين الحق في حرية التعبير والعقيدة والتجمع، ولا يجوز تقييد حق القضاة في التعبير إلا استثناء في حدود ما تقتضيه واجباتهم المهنية. لا يجوز لمبدأ اللياقة أن يقيد من حق القضاة في الخصوصية وممارسة حياتهم الخاصة بكل حرية. التعبير حق والتحفظ استثناء ينبغي تفسيره بشكل ضيق لا يتجاوز حدود أداء القضاة لمهامهم القضائية، وينبغي حصره في السر المهني بما في ذلك سرية المداولات والمعلومات التي اطلع عليها القضاة أثناء قيامهم بمهامهم. لا يجوز مطلقا مواجهة الجمعيات بموجب التحفظ، نظرا لدورها في الدفاع عن استقلال القضاة، وكل محاولة لتقييد نطاق الجمعيات المهنية القضائية تعد إجهازا على الفصل 111 من الدستور. 5 -المساواة: الحرص على ضمان المساواة في معاملة الجميع أمام المحاكم أمر جوهري لأداء المنصب القضائي. التعليقات على مبدأ المساواة مبدأ المساواة يفرض على القاضي التعرف على الأحكام المسبقة التي تؤثر على نظرته و لغته وبالتالي قراراته، والتعهد بتجنبها، وبمعاملة المتقاضين بموضوعية واحترام وإنصات، وتجنب أية إجراءات إقصائية أو انحيازية أو تمييزية أثناء المحاكمات بسبب اللون أو الدين أو اللغة أو النوع الاجتماعي. 6 -الكفاءة والاجتهاد: شرطان أساسيان لأداء المهام القضائية التعليقات على مبدأ الكفاءة والاجتهاد : أكد نادي قضاة المغرب على أن تنمية شخصية القاضي مشوار مستمر لا ينتهي ، و أن التكوين المستمر على جميع الواجهات بما فيها تنمية الكفاءة القانونية والشخصية هو العمود الفقري لها . ولتحقيق هذه الغاية جدد نادي القضاة تأكيده على ضرورة توفير التكوين المستمر للقضاة والاهتمام بتحسين شروطه، وتقديم التسهيلات اللازمة للقضاة لإثراء معرفتهم وتنمية مهاراتهم، كما أكد على ضرورة إجراء القضاة لقراءة نقدية لتطوير أدائهم بما يسهم في القيام بأدوارهم الدستورية في حماية الحقوق والحريات والتطبيق العادل للقانون. ودعا القضاة إلى مسايرة تطورات القانون الدولي بما في ذلك الاتفاقيات الدولية وغيرها من الصكوك التي تحدد معايير حقوق الإنسان. الحق في الراحة: من بين أهم المقتضيات التي تضمنتها مذكرة نادي قضاة المغرب بند خصص للحق في الراحة باعتبار أن مبدأ الاجتهاد لا يعني تفاني القاضي في أداء مهامه لدرجة يضحي بها بحقه في الراحة وبحقه في ممارسة حياته الخاصة، أو مزاولة بعض الهوايات أو بعض الأنشطة التي لا تتنافى مع وظيفة القضاء. ومن هذا المنطلق أكدت المذكرة على حق القاضي في الحصول على وقت كاف للراحة يسمح له بالحفاظ على صحته البدنية والذهنية، والاستفادة من فرص معقولة لتطوير مهاراته ومعلوماته الضرورية لأداء مهامهم القضائية بكفاءة. 7 -التعاون : حتى تتمكن المؤسسة القضائية من أداء أدوارها على الشكل السليم ينبغي أن تقوم العلاقات داخلها على التعاون المشترك القائم على الاحترام و التقدير والانفتاح بين جميع مكونات منظومة العدالة: بين القضاة فيما بينهم، وبين القضاة والموظفين وجميع مساعدي القضاء. ويعتبر المحامون جزء لا يتجزأ من الأسرة القضائية، مما يستدعي الحرص على مساعدتهم في أدائهم لأدوارهم في أحسن الظروف بما يضمن حصول المتقاضين على حقوقهم داخل آجال معقولة . إلا أن مبدأ التعاون بين مكونات السلطة القضائية من جهة، وبينها وبين باقي السلط من جهة أخرى لا ينبغي أن يستغل كذريعة للتدخل أو محاولة التأثير غير المشروع على القضاة. 8 – الشفافية: أكد نادي قضاة المغرب على أهمية التواصل مع الرأي العام كعنصر مهم في إعطاء دفعات للنقاش المجتمعي و الحقوقي. ونظرا لأن أحكام القضاء تحتاج إلى استيعاب و قبول وفهم من الرأي العام، فان ذلك يستدعي ضرورة انفتاح القضاة على مجتمعهم واستعمال لغة شفوية و كتابية سهلة وواضحة ومفهومة خلال إجراءات المحاكمات وكذا عند تحرير الأحكام و القرارات القضائية. كما أن تعزيز ثقة المجتمع في القضاء يفرض انفتاح المؤسسة القضائية على محيطها، وهو ما يستدعي التعجيل بإحداث مؤسسة الناطق الرسمي على صعيد كل محكمة، بما في ذلك مراكز القضاة المقيمين، وأقسام قضاء الأسرة، وإحداث هذا المنصب أيضا على مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. 9 -أخلاقيات خاصة بالقضاة في مواقع المسؤولية إن تواجد القضاة في مواقع المسؤولية سواء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أو بالإدارة القضائية، أو بالأجهزة المسيرة للجمعيات المهنية يفرض عليهم التزامات إضافية يستدعيها موقعهم القيادي باعتبارهم مثلا أعلى لزملائهم، بحيث يؤدي إخلالهم بالالتزامات الأخلاقية إلى التأثير على مصداقية المؤسسة القضائية وثقة المواطنين فيها. ومن هذا المنطلق انفردت مذكرة نادي قضاة المغرب بتخصيص جزء منها لبعض الالتزامات الخاصة بالقضاة في مواقع المسؤولية القضائية، وذلك وفق التالي: بالنسبة للمسؤولين القضائيين يتطلب إصدار أحكام عادلة ومستقلة توفر الشروط التنظيمية و الإطار المناسب من أجل عمل قضائي مستقل، وهو ما يستدعي من المسؤول القضائي عدة التزامات أهمها: – المساهمة الإيجابية في نشاط الجمعيات العامة للمحاكم بما يؤدي إلى الرفع من النجاعة القضائية ويضمن الاستقلالية المنشودة؛ تعزيز شفافية المؤسسة القضائية؛ تعليل القرارات اعتمادا على معايير موضوعية؛ التقييم الذاتي للأداء المهني بشكل دوري والوقوف على النجاحات والإخفاقات بحكم المسؤولية اتجاه الجسم القضائي؛ تقبل النقد؛ واجب النصح دون أن يتحول النصح باسم التأطير إلى محاولة للمس باستقلال القضاة أو التدخل في أحكامهم وقراراتهم.. ب- بالنسبة للقضاة في الأجهزة المسيرة للجمعيات المهنية – العمل على التقريب بين الجمعيات المهنية في حالة تعددها، وإرساء قواعد العمل المشترك بين القضاة؛ – التواصل مع الرأي العام والمساهمة في تكوين رأي عام داعم وحاضن لاستقلال القضاء؛ – الولاء لقيم المجتمع الديمقراطي. ج- بالنسبة للقضاة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية – احترام مبدأ المساواة بين القضاة دون أي تمييز قائم على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الأصل أو الاعتبارات الجهوية؛ – احترام مبدأ التشاركية في اتخاذ القرارات؛ – احترام مبدأ التواجهية في أي إجراء تأديبي يتعلق بالقضاة؛ – تعزيز الشفافية الداخلية والخارجية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وفي الأخير أكد نادي قضاة المغرب على ضرورة الحرص على إشراك الجمعيات المهنية للقضاة في جميع مراحل إعداد وصياغة ومناقشة مشروع مدونة السلوك؛ كما اقترح في السياق ذاته أن ينفتح المجلس على مقترحات الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في مجال منظومة العدالة باعتبار القضاء شأنا مجتمعيا، وتوسيع نطاق الاستشارة ليشمل عددا من المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، لإعطاء مدونة السلوك مشروعية مجتمعية أكبر. كما أكد على ضرورة استعمال لغة قانونية واضحة ودقيقة في مشروع المدونة توفر للقاضيات والقضاة معرفة الأفعال والامتناعات من الأفعال التي قد تؤدي إلى إخضاعهم للتأديب. لغة تحترم مقاربة النوع الاجتماعي وتأخذ بعين الاعتبار مساهمة المرأة القاضية إلى جانب زميلها القاضي في أداء رسالة القضاء، مع ضرورة اتخاذ المعايير المعتمدة في رسم القاضي النموذجي وفق معايير واقعية، تراعي واقع الوظيفة القضائية وحجم العوائق والتحديات التي تواجهها، وفي هذا الصدد اقترح اعتماد تعريف دقيق لمفهوم المراقب المعتدل أو المعقول والذي يعكس نظرة المواطن/الإنسان الواعي بالتزامات المنصب القضائي ودوره في المجتمع والمنسلخ عن الأحكام المسبقة، ويعكس وجهة نظر الغير من سلوك القاضي بشكل موضوعي. بقلم: د. أنس سعدون : دكتور في الحقوق عضو نادي قضاة المغرب